في حوار مع الجزيرة نت.. نقيب الصحفيين التونسيين: ثمة سياسة ممنهجة لضرب الحريات في ظلّ حكم قيس سعيد

محمد ياسين الجلاصي: التصعيد يأتي بعد سلسلة من المفاوضات المتعثرة مع الحكومة (الصحافة التونسية)

تونس – قال نقيب الصحفيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي، في حوار مع الجزيرة نت، إن الوضع العام في تونس بعد الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد يوم 25 يوليو/تموز الماضي يثبت أن الحريات مهددة وليست مضمونة.

وبرّر دعوة نقابة الصحفيين التونسيين لتنفيذ إضراب عام ليوم واحد في مؤسسات الإعلام العمومي في الثاني من أبريل/نيسان المقبل، بتعطل المفاوضات مع الحكومة، وعدم تنفيذ الاتفاقيات السابقة، ومحاولة وضع اليد على التلفزة التونسية، وتكرار الاعتداءات على الصحفيين.

وفيما يلي نص الحوار:

  •   أعلنت نقابتكم عن تنفيذ إضراب عام ليوم واحد في جميع مؤسسات الإعلامي العمومي في الثاني من أبريل/نيسان المقبل. ما دوافع هذا التصعيد؟

التصعيد يأتي بعد سلسلة من المفاوضات المتعثرة مع الحكومة بشأن عدة ملفات عالقة على غرار تعيين رؤساء ومديرين عامين في وسائل الإعلام العمومي، سواء التلفزيون أو الإذاعة أو وكالة تونس أفريقيا للأنباء، كما يأتي إثر تعطل عملية الإصلاح في صلب هذه المؤسسات، وضرب العمل النقابي، وتوجيه الخط التحريري خاصة في التلفزة التونسية لخدمة رئيس الجمهورية، وتردي وضعية الصحفيين الهشة داخل تلك المؤسسات.

وهذا التصعيد كان متدرجا لتحقيق جملة من المطالب المهنية المشروعة للصحفيين، ولكن كما جرت عادة الحكومة الحالية مثل سابقاتها تتعامل مع مطالبنا بلا مبالاة، متجاهلة حقوق الصحفيين، لذلك انطلقنا في سلسلة من التحركات تدريجيا بداية من حمل الشارة الحمراء والوقفات، ومع استمرار حالة اللامبالاة قررنا تنفيذ هذا الإضراب العام.

ويأتي الإضراب كذلك على خلفية المنشور الحكومي عدد 20 الذي يضرب بشكل واضح حق العمل النقابي وينسف مبادئ المفاوضات الاجتماعية، وبالتالي نحن نرى أن الحكومة الحالية لا ترغب في التفاوض وتتعامل فقط بمنطق تصريف الأعمال، علما أن الاتحاد العام التونسي للشغل لوّح بدوره بشن إضراب عام في كامل القطاع العام بسبب هذا المنشور.

الصحفيون التونسيون دأبوا مؤخرا على الشكوى من مضايقات السلطة
الصحفيون التونسيون دأبوا مؤخرا على الشكوى من مضايقات السلطة (الجزيرة)
  • ألا ترون أن استثناء الإعلام الخاص من الإضراب العام قد يضرّ به نظرا لقوته وشعبيته التي قد تفوق شعبية الإعلام العمومي؟

نحن لا نعتقد أن عدم إشراك الإعلام في القطاع الخاص سيضر بالإضراب العام، لأننا ذهبنا منذ تعطل المفاوضات مع الحكومة في تصعيد تدريجي، ولكن إذا لم يحقق هذا الإضراب أهدافه سنضطر إلى تنفيذ إضراب عام كامل في الإعلام العمومي والخاص والإعلام المصادر من قبل الدولة بعد الثورة.

  • أغلب مؤسسات الإعلام العمومية ليس لديها رؤساء ومديرون عامون. هل هذا حقا يجعلها عرضة للخضوع للتعليمات من السلطة الحالية؟

لا غبار على ذلك، فتعيين مسيرين مؤقتين للإشراف على وسائل الإعلام العمومي يجعل تلك المؤسسات تحت رحمة السلطة التنفيذية خاصة وأنه تم تعيينهم على أساس الولاءات. وطبعا لو كان لدينا مسؤولون دائمون وغير منحازين لكانوا قادرين على التفاوض وإيجاد الحلول اللازمة للإصلاح، لكن اليوم كل المسؤولين يتعاملون بمنطق التسيير المؤقت وليس لديهم الشرعية الكاملة للقيام بدورهم في اتخاذ القرارات.

  • عديد المؤسسات المصادرة من قبل الدولة تعاني بدورها من التهميش والإفلاس، في حين يواجه الكثير من الصحفيين العاملين بها البطالة والتشرّد. ماذا يجري بالضبط؟

في الواقع تختلف وضعية مؤسسات الإعلام المصادرة بعد الثورة، ولكن تبقى وضعية شركة الإنتاج "كاكتوس برود" -التي كانت من أهم شركات الإنتاج- مثالا واضعا على سوء التصرف، والكم الهائل من ملفات الفساد المنشورة أمام القضاء، والتعيينات المشبوهة التي قامت بها الدولة. ورغم كل الأخطاء فإن الدولة لا ترغب في تحمل مسؤوليتها لإنقاذ هذه المؤسسة التي تعجز منذ أكثر من 4 أشهر على صرف رواتب العاملين بها.

  • كيف كان تجاوب الحكومة مع مطالبكم خاصة فيما يتعلق بتفعيل الاتفاقية المشتركة للصحفيين التي تهدف إلى ضمان حقوقهم المادية والمهنية؟

الاتفاقية الإطارية المشتركة للصحفيين مكسب تاريخي لقطاع الإعلام التونسي جاء بعد مطالب كثيرة من أجيال متعددة من الصحفيين، ورغم أن هناك حكما قضائيا نهائيا وباتا يقضي بنشرها في الرائد الرسمي (الجريدة الرسمية)، فإن هذه الحكومة تنكّرت لها مثل الحكومات السابقة ضاربةً عرض الحائط بحقوق الصحفيين.

تهدف هذه الاتفاقية إلى ضمان حد أدى من الحقوق المادية والمهنية والمعنوية للصحفيين من أجور وعطل وترقيات ومنح وتدرج وظيفي، وكنت قد تحدثت في مناسبتين سابقتين مع رئيس الجمهورية قيس سعيد حول تفعيل هذه الاتفاقية، وقد أبدى آنذاك تضامنه وعبّر عن غضب كبير من عدم نشرها بالرائد الرسمي، لكنه اليوم يتنصل من تعهداته ومن المبادئ التي عبّر عنها، رغم أنه يمسك حاليا بكل زمام الأمور.

  • تحذر منظمات حقوقية عديدة من تراجع منسوب الحريات عامة بعد الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد يوم 25 يوليو/تموز الماضي، فما هو واقع الإعلام بالتحديد خلال هذا الظرف الاستثنائي؟

لا يمكن فصل واقع الإعلام التونسي عن سياق الظرف العام الحالي، وقد عبرنا في بيانات سابقة عن وجود تهديد واضح لحرية الصحافة والتعبير في تونس. وكما ذكرت آنفا فقد تمت السيطرة على الخط التحريري للتلفزة التونسية وأصبحت موالية بشكل واضح للرئيس، وهناك سياسة ترهيب ممنهجة ضد الصحفيين سواء باستعمال القوة الأمنية أو خطابات التهديد التي يعتمدها الرئيس في خطاباته منتقدا الإعلام.

هذا فضلا عن حملات التشويه والتحريض وهتك الأعراض سواء ضد الصحفيين أو ضد أصحاب الرأي المعارض لتوجهات الرئيس من قبل المليشيات الإلكترونية على وسائل التواصل الاجتماعي، أو بواسطة الاعتداءات المباشرة في الميدان من قبل عناصر الأجهزة الأمنية أو المتظاهرين أنفسهم.

  • تمرّ تونس بمرحلة تاريخية وسياسية خاصة بعد الإجراءات الاستثنائية، لكن البعض يرى أن التلفزة التونسية لا تواكب ما يحدث وتمنع السياسيين والأحزاب من المشاركة في البرامج الحوارية، ما رأيكم؟

بالفعل لقد أصبحت التلفزة التونسية في هذا الظرف الاستثنائي خارج التاريخ، وتحولت إلى تلفزة ذات صوت واحد وناطقة باسم رئيس الجمهورية وحرمت الأحزاب والسياسيين من الحضور في الحوارات التلفزيونية رغم أنها تلفزة عمومية ممولة من دافعي الضرائب.

وقد عبّرنا في عديد المرات عن رفضنا للمس بالخط التحريري للتلفزة التونسية لأن من حق المواطنين أن يستمعوا إلى مختلف الآراء، ومن واجب التلفزة أن تضطلع بهذا الدور مثلما كانت تلعبه بعد الثورة عند ضمان إيصال المعلومة بشكل موضوعي والإشراف على تغطية الانتخابات بشكل متوازن وتنظيم مناظرات الانتخابات الرئاسية وتمكين الأصوات المعارضة من التعبير بشكل حر عن رأيها دون أي تضييق أو منع.

  • يكرّر رئيس الجمهورية أنه لا سبيل للمساس بالحقوق والحريات. فهل عاينتم أوامر مباشرة منه للتأثير على الخط التحريري على وسائل الإعلام العمومي؟ أم أن ما يحصل هو مجرد رقابة ذاتية من الإعلاميين أنفسهم؟

حديث الرئيس عن احترام الحريات هو خطاب يكرره باستمرار في عديد المناسبات، بيد أن هناك فرقا شاسعا بين الشعارات والممارسة. والواقع يثبت اليوم أن الحريات مهددة وليست مضمونة. وحتى إن لم تكن هناك أوامر مباشرة من الرئيس لوضع يده على الإعلام العمومي، فإن تعدد الاعتداءات على الصحفيين والملاحقات القضائية في حقهم يبيّن أن هناك سياسة ممنهجة لضرب الحريات وقمع الأصوات المعارضة. كما أن كمية الهجوم على الصحفيين جعلتنا نلمس أن هناك نوعا من الرقابة الذاتية المسلطة عليهم.

  • آخر لقاء جمعكم برئاسة الجمهورية كان في الصيف الماضي عقب إعلانه الإجراءات الاستثنائية التي جمد بها البرلمان وأقال بها الحكومة. ما سبب هذا الفتور؟

رئيس الجمهورية لا يلتقي أحدا ما عدا أعضاء الحكومة أو بعض الهيئات الأجنبية، وحتى اللقاءات التي تمت معه لا معنى لها لأنه لا يستمع إلى أحد. وبشكل عام عندما ننظر إلى الواقع السياسي العام نرى أن الرئيس يتصرف بمفرده بعيدا عن كل مبادئ التشاركية والحوار والانفتاح. ونحن نقول له لا يمكن لأحد مهما كانت عبقريته أن يحكم بلدا بمفرده، وهذا هو الخطأ الذي سقط فيه الرئيس ونخشى أن تدفع تونس ثمنا غاليا جراء ذلك.

  • كيف تقيمون السياسة الاتصالية للرئيس التونسي؟

رئيس الجمهورية ليست لديه أي سياسة اتصالية. وما عدا صفحة رئاسة الجمهورية على مواقع التواصل فإن الرئيس لا يخاطب شعبه من خلال وسائل الإعلام ولا يواجه أسئلة الصحافة في إطار المساءلة، ولم يقم بأي حوار صحفي ما عدا بعض التصريحات لبعض وسائل الإعلام الأجنبية في إطار الدعاية السياسية لمشروعه.

وهذا يثبت أن رئيس الجمهورية غير قادر مثله مثل الحكومة الحالية على مواجهة تساؤلات الشارع التونسي عن الاستحقاقات والقضايا الحارقة، وهو ما يعكس سياسة الهروب إلى الأمام والتمادي في كيل الاتهامات لوسائل الإعلام بعدم القيام بدورها.

  • ما مدى سهولة نفاذ الصحفيين إلى المعلومة ما بعد 25 يوليو/تموز الماضي؟

للأسف ليست هناك أي سهولة للنفاذ للمعلومة أمام الصحفيين في هذا الظرف الاستثنائي خاصة في ظل المنشور الحكومي عدد 19 الذي كنا طالبنا بسحبه لأنه يضرب حق النفاذ للمعلومة، وبالتالي نحن نلاحظ أن هناك تضييقا ممنهجا على المعلومة، إذ لا تتحدث الحكومة إلا عن الأشياء التي ترغب فيها، والغريب أن رئيس الجمهورية يتهم وسائل الإعلام بعدم تغطية أنشطة الحكومة، رغم هذا الكم من التعتيم.

  • هل تعتقدون أن لدى رئيس الجمهورية نوايا للتدخل في قطاع الإعلام بناء على المرسوم 117 الذي أجاز به لنفسه عديد السلطات؟

بكل تأكيد نحن نعتقد أن هناك نوايا حقيقية لدى الرئيس للتدخل في قطاع الإعلام، وكذلك في هيئة الانتخابات مثلما تدخل في المجلس الأعلى للقضاء. ومن غير المستبعد أن يفكر الرئيس في المس بالمرسوم 115 و116 المنظمين لقطاع الإعلام، لكننا سنتمسك برفضنا لكل محاولات المس بهذه المكتسبات في هذه المرحلة الاستثنائية.

  • كيف تنظرون إلى اعتقال الصحفي خليفة القاسمي مؤخرا بموجب قانون الإرهاب بسبب تمسكه بحماية مصدر معلوماته بعد كشفه عن تفكيك خلية إرهابية؟

الزج بصحفي في السجن لأنه نشر خبرا واحتفظ بسرية مصدره في إطار ما يكفله له القانون وكل المواثيق الدولية، سابقة خطيرة نسجلها بعد الثورة، هدفها ترهيب الصحفيين وقمع الحريات على اعتبار أن حماية المصدر هو من أبرز مبادئ حرية الصحافة في العالم.

لكن بفضل تضامن الصحفيين والمجتمع المدني، فرضنا الإفراج عن الصحفي ليبقى اعتقاله وصمة عار في جبين السلطة التي تسعى لفرض الرقابة المباشرة وخلق رقابة ذاتية لدى الصحفيين، غير أننا دعونا كافة الصحفيين للتمسك بحقوقهم القانونية وممارسة المهنة وفق ما تمليه عليهم ضمائرهم ومدونات السلوك.

  • تكررت الاعتداءات الأمنية على الصحفيين خلال الفترة السابقة، فهل تتوقعون أن يتراجع تصنيف تونس في مؤشر حرية الصحافة هذا العام؟

نعم لقد سجلنا ارتفاعا مطردا في الاعتداءات على الصحفيين، وضربا مستمرا لحق النفاذ للمعلومة، وبالتالي نتوقع تراجع تصنيف تونس الدولي في مؤشر حرية الصحافة الذي سيصدر هذا العام، علما أن مؤشرات تنصيف حرية الصحافة تعتمد على عدة مقاييس منها الاعتداءات على حرية الصحافة والصحفيين والتعدد والتنوع الموجود في وسائل الإعلام وحق النفاذ للمعلومة والسلامة الجسدية، وجميع هذه المعاير تم ضربها بعد 25 يوليو/تموز الماضي. وللإشارة فإن تونس تراجعت العام الماضي في مؤشر حرية الصحافة بدرجة حيث تقهقرت من المركز 72 إلى 73، ولكن هذا العام نتوقع أن تتدحرج بشكل أكبر.

  • ما الخطوات التصعيدية القادمة التي تفكرون في اتخاذها بعد الإضراب، إذ استمر تدهور مناخ الحريات؟

حاليا نحن نكرز على إنجاح الاضراب العام في مؤسسات الإعلام العمومي يوم 2 نيسان المقبل، ولكن إذا تواصلت هذه الوضعية المتردية سنصعد من تحركاتنا وقد نصل إلى الإضراب العام في القطاع العام والخاص من أجل فرض احترام حرية الصحافة وفرض تطبيق الاتفاقيات السابقة خاصة تطبيق الاتفاقية الإطارية المشتركة للصحفيين والاستجابة لمطالب الصحفيين التي نعتبرها مطالب معقولة وملحة.

  • يتهم البعض النقابة بأنها ساندت إجراءات 25 يوليو/تموز وهو ما يرونه انحيازا منها لطرف معين في خصومة سياسية ومسا باستقلاليتها، فما ردكم؟

بالنسبة إلينا مثّل يوم 25 يوليو/تموز الماضي فرصة تاريخية للقطع مع الديمقراطية الشكلية الفاسدة التي حكمت البلاد بعد الثورة، سواء بواسطة حركة النهضة أو حلفائها السياسيين، مما تسبب في تدهور جميع الأوضاع على نحو كارثي، لكننا قلنا إن الفترة الاستثنائية ما بعد 25 يوليو/تموز 2021 لا يجب أن تطول أكثر من شهرين من أجل العودة لحياة ديمقراطية حقيقية والبناء على ما تراكم من مكاسب حققناها بعد الثورة.

غير أننا لاحظنا أن رئيس الجمهورية قد ابتعد عن الشعارات التي رفعها، إذ إنه يتوجه نحو إرساء حكم فردي يضرب كل مقومات الممارسة السياسية الديمقراطية، وبالتالي عبرنا عن رفضنا لهذا المسار، وهو ما يعكس عدم انحيازنا إلى أي جهة كانت وإنما نعدل بوصلتنا وفق المصلحة العليا للبلاد.

المصدر : الجزيرة