صحفيو تونس والسلطة.. هل بدأت معركة كسر العظم؟

نظم صحفيون، اليوم الجمعة، وقفة احتجاجية تحت شعار "الصحافة التونسية في غضب"، في مقر النقابة الوطنية للصحفيين بالعاصمة تونس؛ على خلفية ما يعتبرونه "تضييقا من وزارة الداخلية أثناء القيام بواجبهم المهني". وشاركت في الوقفة التي دعت إليها النقابة، الرابطة التونسية لحقوق الإنسان (مستقلة)، وأعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة عمالية) وعدد من السياسيين والحقوقيين. ورفع المحتجون، الشارة الحمراء ولافتات كتب عليها "الصحافة التونسية في خطر". وعلى هامش الاحتجاج،
نقابة الصحفيين التونسيين تقول إن الرئيس قيس سعيّد يحاول تطويع الإعلام وتهديد الحريات (الأناضول)

خطوات تصعيدية متتالية تتخذها في الأيام الأخيرة نقابة الصحفيين التونسيين، في مواجهة ما تعدّه توجّها واضحا لدى الرئيس قيس سعيّد "لتطويع الإعلام وتهديد الحريات".

ويوم الأربعاء أعلنت نقابة الصحفيين -في بيان- أن العاملين في الإعلام العمومي (الرسمي) سيخوضون إضرابا عن العمل في الثاني من أبريل/نيسان المقبل، لمطالبة الحكومة بتحقيق مجموعة من المطالب.

وفي حديث للأناضول، قال نقيب الصحفيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي "بدأنا بجملة من التحركات للدفاع عن استقلالية الإعلام العمومي ورفضا للتدخل في الخط التحريري والشغور الموجود في بعض المؤسسات العمومية".

وأضاف الجلاصي "قمنا ببعض الخطوات التصعيدية، مثل ارتداء الشارات الحمراء، وتنفيذ الوقفات الاحتجاجية، والمفاوضات مع الطرف الحكومي".

واستدرك بالقول "الحكومة لا تتفاعل ولا تتجاوب مع مطالبنا، لذلك قررنا الإضراب العام في الثاني من أبريل/نيسان، وسنواصل تحركاتنا، وكلنا إصرار على تحقيق مطالبنا".

وأشار نقيب الصحفيين إلى "وجود استعداد كبير من الصحفيين لخوض هذا الإضراب والدفاع عن القضية التي لا تهم المكتب التنفيذي للنقابة بقدر ما تهم الصحفيين أنفسهم".

ويرى أن هناك "توجها واضحا لدى الرئيس سعيّد نحو تركيع الإعلام والصحفيين، وتهديد الحريات الموجودة ومصادرتها، وتوظيف أجهزة الدولة لقمع الحريات".

ومضى قائلا "نحن ندافع عن مبادئنا وقناعاتنا وحريتنا وحقوقنا بكل ما أوتينا من قوة، وحرية الصحافة لن تتراجع خطوة إلى الوراء ما دام هناك من يدافع عنها".

وعبّر الجلاصي عن إصرار النقابة على "إنجاح الإضراب، ثم ستُقَرّر الخطوات التي تليه".

ولفت إلى أن "الصحفي خليفة القاسمي مسجون حاليا بموجب قانون مكافحة الإرهاب، لمجرّد أنه نشر خبرا"، واستطرد "ستنظم النقابة وقفة احتجاجية، وإذا لم يُطلق سراحه سنصعّد".

ورأى الجلاصي أن "ما حدث مع الصحفي القاسمي أخطر أمر بعد الثورة (2011)، ويستهدف ضرب أخلاقيات المهنة الصحفية".

وفي 25 مارس/آذار الجاري أعلنت وسائل إعلام محلية الإفراج عن القاسمي، مع الإبقاء عليه في حالة سراح.

وأوقفت وحدة البحث في جرائم الإرهاب القاسمي، مراسل إذاعة "موزاييك إف إم"، في 18 مارس/آذار بمدينة القيروان 5 أيام على ذمة التحقيق، بدعوى نشره خبرا عن تفكيك خلية إرهابية في المدينة، وطلبت منه الكشف عن مصدر المعلومة، حسب ما أفادت به منظمات ووسائل إعلام محلية.

ويرى الجلاصي أن "السلطة الحالية لم تشذ عن القاعدة الموجودة في زمن الحكومات السابقة التي حاولت كلها تطويع الإعلام وتدجينه، ولم تنجح هذه المحاولات بفضل نضالات الصحفيين والنقابة".

وأردف قائلا "حتى السلطة الحالية حاولت ولم تستطع، لأن هناك إرادة حقيقية لدى الصحفيين للدفاع عن حريتهم".

مطالب الإضراب

ووفق النقابة، تتمثل مطالب الإضراب في الإعلام العمومي في رفض "تعيين رؤساء مديرين عامين لوكالة تونس أفريقيا للأنباء، ولمؤسستي التلفزة والإذاعة التونسيتين، حسب عقود برامج وأهداف تتقاطع مع سياسات المحاباة".

كما تطالب بـ"إنهاء كل أشكال الانحراف بالخط التحريري لمؤسسة التلفزة التونسية، بوصفها مرفقا عموميا يتطلب التوازن والاستقلالية والتعددية، والنأي به عن أي تجاذبات سياسية وسلطوية".

وتدعو النقابة الحكومة إلى "تفعيل كل الاتفاقات السابقة الممضاة بين نقابة الصحفيين والمؤسسات المذكورة التي تشمل الحقوق المهنية والمادية للصحفيين".

ودخل صحفيو التلفزة العمومية، منذ مساء الاثنين، في اعتصام مفتوح من "أجل الدفاع عن استقلالية الخط التحريري للمؤسسة باعتبارها مرفقا عموميا".

تضييق غير مسبوق

وفي هذا الإطار، رأى الكاتب الصحفي كمال الشارني، في حديثه للأناضول، أن البلاد "تشهد مرحلة غير مسبوقة من التضييق على حرية الإعلام".

وقال "هناك هجمة عامة عبر انتهاك الحد الأدنى من الحريات الأساسية، منها حرية الصحافة، وإبقاء المؤسسات الإعلامية العمومية من دون قيادة بما يجعلها هشة ومعرضة لكل أشكال الخضوع للتعليمات".

ورأى الشارني أن "موقف النقابة محوري وتاريخي يهدف لإيقاف إحالة الصحفيين على القضاء بموجب قانون مكافحة الإرهاب".

وتابع "عندما يحال صحفي من أجل إجباره على الكشف عن مصدر خبره نحن هنا في قمة القمع، لأن الصحفي في العالم كله يحاسب فقط من أجل الثلب أو نشر الأخبار الزائفة، حتى نظام بن علي لم يضغط على صحفيين للكشف عن مصادرهم".

وزاد "نحن في معركة تصويب العلاقة مع السلطة أمنيا وقضائيا ورئاسيا (رئاستي الجمهورية والحكومة)، ومن حق الصحفيين أن يصعّدوا حتى لا نعود إلى سنوات قمع حرية الصحافة (في إشارة إلى عهد زين العابدين بن علي)".

 إلغاء وزارة الإعلام

في المقابل، يرى الأكاديمي عبد الكريم الحيزاوي أن "قرار الإضراب الذي اتخذته النقابة ليس جديدا أو مستغربا، نظرا لعدم تجاوب رئاستي الحكومة والجمهورية مع المطالب التي قدمها القطاع".

ورأى الحيزاوي، في حديث مع الأناضول، أن "المسألة لا تتعلق بتهديد حرية الصحافة بقدر ما تتعلق بغياب الحوكمة لقطاع الإعلام منذ 2011، لأنه لا يوجد مسؤول في الحكومة مكلف بقطاع الإعلام، وهذا ما يجعل القطاع مغيبا عن اهتماماتها".

وأوضح أن "الخطأ كان في إلغاء وزارة الإعلام عام 2011، ولم يتم تعويضها بهيكل يشرف على القطاع، وتطويره ورعاية المهنة الصحفية، عبر تحيين التشريعات الخاصة بها؛ فمثلا القانون الذي ينظم الإذاعة والتلفزة لم يتم تحيينه منذ 2007".

وأفاد الحيزاوي بأن "العديد من القوانين التي وعدت بها الحكومات المتعاقبة لم تنفذ حتى الآن، منها قانون تنظيم المهنة الصحفية، وقانون توزيع الإشهار العمومي".

وأشار إلى أن "خطأ المنظمات المهنية والمجتمع المدني يكمن في القبول ببقاء القطاع من دون إشراف حكومي فعلي، تحت شعار الحفاظ على حرية الصحافة واستقلالية الإعلام عن أي هيكل حكومي".

 سرّية المصدر

وتعليقا على توقيف القاسمي قبل إطلاق سراحه، قال الحيزاوي إن "في ذلك مؤشرا خطيرا لعودة الرقابة، وتهديدا وقمعا لحرية الإعلام، وهي من المكاسب القليلة التي جنيناها من الثورة والمسار الديمقراطي المتعثر".

ورأى الحيزاوي أن "إيقاف القاسمي فيه خرق واضح للقانون، فسواء بمقتضى المرسوم 115 المنظم للصحافة والنشر، أو قانون مكافحة الإرهاب، فإن الصحفي من حقه الحفاظ على سرّية مصادره، وهو مكسب من المكاسب التي حققتها الثورة للمهنة الصحفية".

وأوضح أن "الصحفي له الحق في الحفاظ على السر المهني حتى في القضايا المتعلقة بالإرهاب، إلا في حالات معينة على غرار امتلاكه معلومات تكشف عن إمكانية وجود عمليات إرهابية مقبلة، فمن واجبه عندئذ أن يقدمها للسلطات الأمنية والقضائية".

وحذرت أطراف حقوقية عدة في المدة الأخيرة من تراجع منسوب الحريات وارتفاع نسق التضييق على حرية التعبير.

إلا أن الرئيس سعيّد يشدد دائمًا أنه "لا مجال للمساس بحقوق الإنسان إطلاقًا، ولا مجال للمساس بالحقوق والحريات لأننا لن نقبل بذلك أبدًا".

ومنذ 25 يوليو/تموز الماضي تعيش تونس أزمة سياسية حادّة بعد إقرار سعيّد إجراءات "استثنائية"، جمّد من خلالها اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وأقال رئيس الحكومة وعلّق أبوابا من الدستور، وأخيرا حلّ المجلس الأعلى للقضاء.

المصدر : وكالة الأناضول