خلال 10 أشهر فقط.. الخوف يخيم على الأهالي بعد اختفاء 450 طفلا عراقيا

تباين بشأن ما إذا كانت غالبية الأطفال المفقودين تركوا ديارهم بشكل طوعي (الجزيرة)

"ليس مهما، سواء كانت زلة لسان أم سوء فهم، الحقيقة أن الطفل العراقي في أسوأ أحواله، وعلى الأهالي الانتباه والتعامل مع الأمر بجدية" بهذه الكلمات تعلق أمل العبيدي على إفادة قائد شرطة العاصمة اللواء عدنان السلامي حول تسجيل 450 طفلا مفقودا خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري، في إحصائية خصت بغداد دون غيرها من محافظات البلاد.

العبيدي أو "أم علي" كما تفضل مناداتها، هي واحدة من عشرات الأمهات اللاتي فقدن أبناءهن في ظروف غامضة، وعلى الرغم من محاولات مراسل الجزيرة نت لقاءها، إلا أنها وافقت على التحدث عبر الهاتف، مشترطة عدم مشاركة صورتها، للوقوف على حقيقة وأسباب ما كان قد كشفه اللواء السلامي السبت الماضي في تصريح لصحيفة "الصباح" الحكومية بأنه "لا يخلو يوم من فقدان أطفال من كلا الجنسين" الأمر الذي أثار الفزع في الشارع العراقي.

اللواء خالد المحنا
خالد المحنا: تصريحات قائد شرطة بغداد فهمت بشكل خاطئ (مواقع التواصل)

صدمة كبيرة

وشكلت الإحصائية التي كشف عنها قائد شرطة بغداد صدمة أثارت مخاوف الأهالي، كما تسببت بجدل واسع، وهو ما دفع اللواء السلامي إلى إصدار إيضاح جديد حول القضية، قائلا "تم التعامل مع الموضوع بشكل مجتزأ من قبل بعض وسائل الإعلام، وأن الرقم المعلن يشمل ما تم تسجيله من شكاوى فقدان خلال 10 أشهر، غير أنه تبين أن 90% منهم قد تركوا ديارهم بشكل طوعي، وتمكنت الشرطة من إعادتهم لذويهم".

من جانبها، ردت "أم علي" التي فقدت طفلها البالغ من العمر (14 عاما) العام الماضي، قبل أن تتمكن، بحسب تأكيدها، من إعادته إلى المنزل بعد دفع فدية 20 ألف دولار إلى الجهة الخاطفة بالقول "محاولة الشرطة تحميل المشكلات الأسرية السبب الأكبر في فقدان الأطفال لا تنفي حقيقة وجود تقصير أمني، وهو ما يوفر بيئة آمنة لعصابات الخطف والاتجار بالبشر التي تعمل على استغلال حالة الضعف الأمني، والأوضاع النفسية للأطفال وعدم النضج".

وفي حديثها للجزيرة نت، بينت أنه وبعد خروج ابنها من المنزل مساء إحدى الليالي فقدت الاتصال به بعد ساعتين، لتسارع بعدها لتبليغ أحد مراكز الشرطة شرق العاصمة، حيث استمر البحث عنه مدة يومين، قبل أن تتصل الجهة الخاطفة بالعائلة وتساومها على مبلغ 60 ألف دولار، ليتوصلوا بعدها إلى اتفاق أفرج عن الولد على إثره" مؤكدة "الجهة الخاطفة كانت على علاقة بأنشطة الاتجار بالبشر".

توضيح حكومي

في المقابل، ووسط حالة الجدل والذعر التي تسببت بها الإحصائية الصادمة، تواصل مراسل الجزيرة نت مع الداخلية لمحاولة فهم ما يحدث، حيث قال الناطق باسم الوزارة اللواء خالد المحنا "إن تصريح قائد شرطة بغداد بشأن المفقودين في العاصمة فُهم بشكل خاطئ، إذ لم يكن يقصد أن جميعهم من الأطفال فقط" مبينا أن هناك 400 حالة، وأن ثلث الحالات قد تم تأشيرها لدى أجهزة الشرطة وأنهم (الأطفال) عادوا إلى ذويهم، في حين أن البقية عادوا إلى ذويهم دون إبلاغ الشرطة".

ويعتقد المحنا أن هذه الأرقام غير مبالغ بها، وتأتي ضمن سياق معتاد لمثل هذه القضايا، لافتا إلى أن حالات الفقدان ضمن القضايا غير الجنائية، أي أن يخرج الشخص من داره لأسباب كثيرة تدور في إطار التفكك الأسري والخلافات العائلية، بحسبه.

عضو مفوضية حقوق الانسان علي البياتي - صورة خاصة سابقاً
علي البياتي: غياب الإجراءات الحكومية سبب فقدان الأطفال بالعراق (الجزيرة)

أسباب عديدة

وللبحث أكثر حول أسباب تفاقم حالات فقدان الأطفال، يرى علي البياتي عضو مجلس المفوضين والمتحدث السابق باسم مفوضية حقوق الإنسان (مؤسسة حكومية) أنه عندما يضم سوق العمل بين 400 و600 ألف طفل، ومعدل من هم دون خط الفقر من العراقيين يبلغ 30%، ومع ارتفاع نسب الفقر في بعض المحافظات إلى 50% ووجود 3 ملايين طفل غير منتظم في المدارس، فإنه من غير المستغرب أن يكون هناك 450 طفلا مفقودا خلال الأشهر العشرة الأخيرة.

علاوة على ذلك، وفي سياق حديثه للجزيرة نت، أشار البياتي إلى أن عدد الأطفال المفقودين ربما يكون أكبر من المعلن، مبينا أن هناك عصابات نشطة للاتجار بالبشر وأنها تتاجر بهؤلاء الأطفال في كثير من الأعمال، كاستغلالهم في التسول القسري أو الاتجار بالأعضاء أو الدعارة القسرية داخل وخارج البلاد، الأمر الذي يدق ناقوس خطر على صعيد المتاجرة وانتهاك حقوق الأطفال، بحسب تعبيره.

وأشار البياتي إلى أن غياب الإجراءات الرادعة من قبل مؤسسات الدولة أسهم في زيادة هذه الظاهرة، مشددا على ضرورة أن تتخذ الحكومة المشكلة حديثا جملة من الإجراءات الرادعة لتجاوز الكثير من التحديات، ومن ضمنها الخروج بمعالجات حقيقية لقضية الفقر وتوفير متطلبات العيش الأساسية للأسر، مبينا أن ذلك يجب أن يكون من خلال الابتعاد عن الأساليب التقليدية مثل توفير أموال الحصة التموينية التي يعد بقاؤها "معيبا" للدولة، على اعتبار أنها اعتمدت في ظل حصار اقتصادي بينما العراق اليوم يمتلك حرية اقتصادية، بحسبه.

وعرف العراقيون الحصة التموينية في سبتمبر/أيلول 1990 عندما بدأت الحكومة في حينها توزيع مواد غذائية شهرية على العراقيين بعد فرض مجلس الأمن الدولي حصارا اقتصاديا نتيجة غزو العراق الكويت.

معالجات مقترحة

في غضون ذلك، يقترح البياتي على الحكومة اتخاذ مجموعة من الإجراءات للحد مما يمكن أن يؤدي إلى فقدان واختطاف الأطفال، ووضع حد للجرائم وانتهاك حقوق الطفولة، لافتا إلى أن من بين ما يفاقم قضية عمالة واختطاف الأطفال هو ابتعادهم عن المدارس، وهو ما يفرض ضرورة معالجة المؤسسة التربوية من خلال تطوير البنى التحتية والحد من العنف داخلها لتتحول إلى مؤسسة جاذبة، مع ضرورة تشريع البرلمان قانون حماية الطفل، بحسبه.

بدورها، دعت "أم علي" الأهالي إلى تشديد مراقبة الأطفال وعلاقاتهم خارج المنزل، وأضافت "عصابات الخطف والابتزاز المالي والاتجار بالبشر في تنام مستمر، ولا يمكن لأحد أن يتخيل لحظة واحدة من فقدان ابنه، لذا على الجميع الحذر وألا يعوّل على شيء غير متابعته وحرصه".

ونتيجة لاتساع ظاهرة الاتجار بالبشر بعد الغزو الأميركي عام 2003، أقرّ البرلمان قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 28 عام 2012 ، وعلى الرغم من إقرار هذه القانون ووضع آليات مراقبة ومحاسبة من ضمن بنوده، إلا أن الواقع يشير إلى انتشار هذه التجارة، في الوقت الذي لفت فيه قائد شرطة بغداد خلال تصريحاته إلى أن القانون جاء متأخرا ويحتاج إلى تعديلات، بينما لا يزال بحاجة فعلية إلى التطبيق، مؤكدا تشكيل لجنة بوزارة الداخلية لاقتراح مجموعة من التعديلات على القانون المقر بما يضمن حقوق الإنسان والحد من هذه الظاهرة.

المصدر : الجزيرة