لجنة في العراق لرصد المخالفات على مواقع التواصل.. هل هي تكميم أفواه بغطاء قانوني؟

بعض الناشطين يرون أن الملاحقة التي تعرضوا لها على يد الأحزاب وجيوشها الإلكترونية وقنواتها الحزبية وخطابها الذي ينال من الاحتجاجات؛ ستكتمل بتشكيل اللجنة الجديدة وقراراتها

مهمة اللجنة المشكلة إصدار التوصيات إلى محاكم التحقيق المختصة لاتخاذ الإجراءات بشأن المخالفات (مواقع التواصل)

بغداد- لجنة جديدة شكلتها السلطات العراقية مكونة من جهات قضائية وأمنية وصحفية، ويتمثل عملها في رصد ما سمته "المخالفات الدينية والأخلاقية" بمواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما أثار لغطا في الشارع العراقي، حيث يراها مدونون وناشطون أنها تكميم قانوني للأفواه، ومحاولة لتكريس سلطة الأحزاب عن طريق السيطرة على الإعلام ومواقع التواصل.

تأطير قانوني

ولا يرى الصحفي محمد يونس (33 عاما) في لجنة الحكومة الجديدة -التي أُعلن عن تشكيلها لمتابعة النشر ومحاسبة المخالفين فيه- إلا قيودا وتكبيلا للحريات المكتسبة ما بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، موضحا أن حرية النشر على مواقع التواصل وانتقاد الحكومة والأحزاب المهيمنة على مقدرات الدولة كانت التغيير الأبرز في العراق خلال السنوات الـ18 الماضية، لكن "تلك الأحزاب اختارت عبر الحكومة أن تصادر هذا الحق وتحرمنا من آخر وسائل التعبير المتاحة أمامنا بعد أن سيطرتها على وسائل الإعلام".

ويرى محمد أن اللجنة ما هي إلا محاولة لتطبيق قانون جرائم المعلوماتية الذي أخفق البرلمان في إقراره في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي (2020) بعد تصاعد الأصوات الرافضة له، مؤكدا أن اللجنة المشكلة هي التفاف على الشعب لتطبيق قانون جرائم المعلوماتية بصيغة أخرى لمنع العراقيين من انتقاد الأحزاب والفاسدين والحكومة.

ويشارك مخاوف محمد من المساس بحرية التعبير الكثير من الناشطين العراقيين؛ احتجاجا على تشكيل اللجنة الجديدة، معبرين عن القلق من تبعات قرارات هذه اللجنة وآثارها التي قد تكون انتقامية بعد موجة الاحتجاجات التي انطلقت شرارتها في أكتوبر/تشرين الأول عام 2019 من مواقع التواصل الاجتماعي.

أوشن اعتبر أن تشكيل لجنة رصد المخالفات نقطة البداية للتسلط (الجزيرة)

ويرى بعض الناشطين أن الملاحقة التي تعرضوا لها على يد الأحزاب وجيوشها الإلكترونية وقنواتها الحزبية وخطابها الذي ينال من الاحتجاجات؛ ستكتمل بتشكيل اللجنة وقراراتها والتي عدوها بمثابة تكميم للأفواه ومحاولة للتسلط لكن بثوب قانوني، وذلك وفق ما يراه الناشط المدني إكرام أوشن.

ويبين أوشن أن القرار هو نقطة البداية للتسلط، وعلى الحكومة أن تتحرك على من يحرض على قتل الشباب الأبرياء، مبينا أن "قرار اللجنة يهدف إلى بداية دكتاتورية جديدة ويقيد حرية التعبير، وإذا كانت اللجنة مصرة على هذا القرار فليطبق على كل القنوات التي تحرض على قتل شباب أبرياء.

بينما يخشى سياسيون من استغلال الأحزاب لقراراتها وتفسيرات ما ينشر وفق وجهات نظر الأشخاص، حيث يرى الأمين العام لحركة "نازل آخذ حقي" مشرق الفريجي أن الخوف يأتي من الأشخاص المشكلين للجنة واستغلال موقعهم لتفسير ما ينشر وفق أهوائهم وهو ما يمس بالحريات، موضحا "لا نخشى من الرقابة على مواقع التواصل لكن نخشى من استغلالها من قبل أشخاص مسلطة على الرقاب حسب الأهواء فتنتقي الكلام حسبما تريد، فسيكون هناك خرق لحرية التعبير إذا لم يتم تطبيقها بشكل واقعي"

 

التميمي: المخالفات المنشورة على مواقع التواصل أو الصادرة من وسائل إعلام محكومة بقانون العقوبات (الجزيرة)

النظرة القانونية

ويرى قانونيون أن النشر على مواقع التواصل الاجتماعي لا يختلف عما ينشر أو يبث في وسائل الإعلام الأخرى، مشيرين إلى وجود نصوص قانونية صدرت عن محاكم جاءت في الإطار ذاته، وهي تنظم عملية النشر.

ويؤكد الخبير القانوني علي التميمي أن المخالفات -سواء المنشورة على المواقع أو الصادرة من وسائل إعلام- هي محكومة بالعقوبات الواردة في قانون العقوبات لسنة 1969 وتحديدا المتعلقة بالسب والقذف والتشهير، معتبرا أن ما ينشر عبر وسائل التواصل لا يختلف عما ينشر في وسائل الإعلام، بحسب محكمة التمييز الاتحادي، والمخالفات هنا محكومة بمواد قانونية من قانون العقوبات وتتعلق بالسب والقذف والتشهير.

وضمت لجنة الرصد للمخالفات الدينية والأخلاقية على مواقع التواصل الاجتماعي 7 جهات؛ هي مجلس القضاء الأعلى، وجهاز الأمن الوطني، وخلية الإعلام الأمني، وهيئة الإعلام والاتصالات، ونقابتي الصحفيين والفنانين. وسيناط باللجنة المشكلة مهمة إصدار التوصيات إلى محاكم التحقيق المختصة لاتخاذ الإجراءات بخصوصها.

ولم تعلن نقابة الصحفيين موقفها حول تشكيل اللجنة أو تسلمها تعليمات أو إجراءات بشأن كيفية عملها وتطبيق القرار، مشيرة إلى أنها تنتظر انعقاد الاجتماع الأول للجنة، وما سينبثق عنه من قرارات، فيما شبه ناشطون ومدونون القرار بقانون حرية التعبير الذي حاول البرلمان تمريره عام 2017، مشيرين إلى أن صياغة القرار جاءت من قبل الأحزاب ذاتها التي حاولت تشريع القانون، وهي ذاتها التي حاولت تمرير قانون جرائم المعلوماتية عام 2011 وبعدها في عام 2020.

المصدر : الجزيرة