نيويورك تايمز: السودان يتنكب طريقه نحو السلام والمماطلات بشأن قتلى الثورة عائق جديد

استجابة لدعوة تجمع المهنيين.. السودانيون يتظاهرون للمطالبة باستكمال أهداف الثورة
الصحيفة: جثث أكثر من 100 شاب سوداني قُتلوا إبان الثورة قبل عامين ما تزال مسجاة في مشرحة بإحدى مستشفيات الخرطوم (الجزيرة)

قالت صحيفة نيويورك تايمز (New York Times) الأميركية إن الشعب السوداني أطاح بطاغية، لكن البعض يخشى أن الاستقرار الحقيقي لن يتحقق طالما أن الحقيقة بشأن من قتل المئات من الثوار لم تتكشف بعد.

وأفادت الصحيفة في تقرير لمراسلها سايمون ماركس من الخرطوم بأن جثث أكثر من 100 شاب سوداني ممن قُتلوا إبان الثورة الشعبية قبل عامين، ما تزال مسجاة "وقد طواها النسيان والإهمال في ركن من أركان العاصمة" الخرطوم.

ولفت التقرير إلى أن روائح كريهة قاتلة تنبعث من المشرحة التي تُحفظ فيها الجثث في إحدى المستشفيات، بينما تعاني العاصمة من انقطاع التيار الكهربائي بشكل متكرر واشتداد حرارة الصيف.

وفي خارج المشرحة، آثر أصدقاء وأقارب الموتى الاعتصام، وينتابهم الغضب من عجز السلطات عن تشريح الجثث. ويزعم هؤلاء أن الحكومة تحاول طمس الأدلة التي قد تتيح محاسبة المتورطين في قتل أحبائهم.

يقول معز محمود شقيق سعيد الذي أُردي قتيلا برصاص قوات الأمن السودانية في 3 يونيو/حزيران 2019، "إنهم يتعمدون تأخير إصدار النتائج. الكل يعلم من قتل" المتظاهرين.

انتقال هش

ووفقا لتقرير الصحيفة، فإن "المشهد المروع دليل على أن العمل لم يُنجز، وأن الآمال المعقودة على الثورة السودانية لم تتحقق"، وأن انتقال البلاد إلى الديمقراطية لا يزال هشا إذ ما انفك القادة المدنيون والعسكريون يتصارعون على السلطة.

وتضيف في تقريرها أنه ليس أدل على ذلك المشهد من الأوضاع المتوترة بسبب وجود تلك الجثث في المشرحة.

وفي يونيو/حزيران 2019 -أي في ذروة الثورة الشعبية- فتح الجنود نيران بنادقهم على مئات المعتصمين في العاصمة الخرطوم، "في استعراض وحشي" ينبئ بأن العسكر هم من سيقرر مستقبل السودان، رغم أن المتظاهرين المدنيين هم من أسقط الرئيس عمر البشير.

وتشير نيويورك تايمز إلى أن أُسر الضحايا والجماعات المنادية بالديمقراطية يعكفون بحذر على تنظيم احتجاجات جماهيرية في 30 يونيو/حزيران الجاري، للإعراب عن نفاد صبرهم، وهم يقولون إنهم ما يزالون بانتظار إخضاع أفراد الشرطة والجيش وقوات الدعم السريع للمحاسبة على قمعهم العنيف لتلك الاحتجاجات.

ميدان - الثورة السودانية
تجمع المهنيين قاد بنجاح الثورة السودانية لكن سرعان ما دبت الانقسامات في صفوفه (الأناضول)

إعاقة التحقيق

وقد أدلى خبراء الطب الشرعي ومحققون والنائب العام السابق تاج السر الحبر بتصريحات في مقابلات أُجريت معهم، أكدوا فيها أن قوات الأمن تعيق التحقيق في قتل المتظاهرين، مع وجود محاولات لإخفاء الأدلة.

وقال مسؤولون مشاركون في التحقيقات إنهم عثروا على مقبرة جماعية في مدينة أم درمان، تحتوي على جثث بضع مئات من الأشخاص ممن يُعتقد أنهم قُتلوا بنيران الجنود في الخرطوم يوم 3 يونيو/حزيران 2019.

وإذا ما تأكدت تلك المعلومة -بحسب الصحيفة الأميركية- فإن حصيلة القتلى في ذلك اليوم ستتجاوز كثيرا العدد المعروف.

وكشفت نيويورك تايمز نقلا عن محققين في الخرطوم أن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) ستوفد خبراء في الطب الشرعي إلى السودان الشهر المقبل؛ لإجراء تقييم مبدئي في موقع الحدث.

ونسبت الصحيفة إلى متحدث باسم الوكالة الأميركية -لم تذكر اسمه- القول إن الولايات المتحدة تدعم جهود العدالة الانتقالية في السودان، بما في ذلك "تقديم الخبرة الفنية المتخصصة عند الطلب، وفقا للمعايير الدولية".

وكان النائب العام تاج السر الحبر قد قدم استقالته من منصبه في مايو/أيار الماضي، قائلا إن فصائل داخل قوات الأمن يحجبون على ما يبدو الأدلة عن مكتبه الذي يتولى التحقيق في عمليات قتل المحتجين.

وأضاف الحبر أن المحققين جمعوا أدلة، وأجروا مقابلات مع أناس يقطنون بالقرب من موقع المقبرة، ليعرفوا منهم متى وصلت الجثث، وكيف نُقلت وما نوع السيارات التي استُخدمت في نقلها، وأكد قائلا "لدينا شهود على درجة من الأهمية أدلوا بشهاداتهم".

اختبار صعب

وتمضي الصحيفة في تقريرها إلى التأكيد على أن تحقيق العدالة في هذه القضية يعد "اختبارا صعبا" لحكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، التي تتألف من تحالف مكون من مدنيين من قوى الحرية والتغيير والعسكر بقيادة رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان.

ونسب التقرير إلى دبلوماسييْن غربيين وواحد من "دولة أفريقية كبيرة"، القول إن أغلب القوى العظمى -من روسيا إلى الصين والولايات المتحدة- لاحظت توترا متفاقما في العلاقة بين عبد الفتاح البرهان ونائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو (الشهير بحميدتي) قائد قوات الدعم السريع.

وزعم خبراء الطب الشرعي أنه على الرغم من التقدم الذي أحرزوه في التحقيقات، فإن اللجنة التي أُنيطت بها مسؤولية التحقيق في إطلاق النار على المتظاهرين هي نفسها التي تعرقل عملهم.

وأورد مراسل نيويورك تايمز أن اثنين من خبراء الطب الشرعي الذين يعملون في وزارة الصحة، أطلعاه على خطاب من اللجنة تأمرهما بعدم التحدث إلى الإعلام، بل عدم تشريح الجثث الموجودة داخل المشرحة.

وعزا نصر الدين -وهو أحد أعضاء لجنة التحقيق التي شكلتها الحكومة- السبب في منعهم من تشريح الجثث، إلى مساومات تعرضوا لها، وأن بعض الجثث دُفنت "دون اتباع إجراءات صحيحة بشأنها".

المصدر : نيويورك تايمز