مقرر أممي للجزيرة نت: العدوان الإسرائيلي أمام الجنائية الدولية قريبا

قال المقرر الأممي الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، مايكل لينك، إن المدافعين عن حقوق الإنسان الدوليين والإقليميين (لم يسمهم) يقومون الآن بتحضير قضية ليكونوا قادرين على عرضها على المحكمة الجنائية الدولية، بشأن العدوان الإسرائيلي الأخير.

وأضاف "أنا واثق من أن المدعية العامة للمحكمة "فاتو بنسودا" ستفتح ملفاً إضافياً للنظر في كيفية تنفيذ إسرائيل لعملياتها العسكرية في هذه الجولة الأخيرة من العنف المروع".

وأكد لينك، في مقابلة مع الجزيرة نت، أن "المحكمة الجنائية الدولية هي الهيئة الرئيسية الوحيدة في العالم اليوم التي يمكنها مساءلة الاحتلال. ولهذا أعلنت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية في مارس/آذار الماضي أنها ستفتح تحقيقاً رسمياً في مزاعم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ضد إسرائيل وضد حركة حماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية المسلحة".

وعبّر المقرر الأممي الخاص عن أمله في أن يبدأ العالم في التحرك لمساءلة إسرائيل عن الاحتلال، قائلاً إن "الأمرين اللذين سيغيران هذا الوضع المروع إلى الأفضل هما استمرار المقاومة السلمية من قِبل الفلسطينيين، والتدخل الدولي الحاسم لمطالبة إسرائيل بإنهاء الاحتلال وبناء مستقبل قائم على العدل والمساواة".

وكان 10 من خبراء الأمم المتحدة المعنيين بحقوق الإنسان قد دعوا، بيان مشترك لهم صدر يوم الجمعة الماضي، إلى إجراء تحقيق من قِبل المحكمة الجنائية الدولية بشأن الهجمات على السكان المدنيين وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مطالبين بـ "التحقيق في الأفعال والسياسات التي حدثت أثناء النزاع أو ساهمت فيه، والتي قد ترقى إلى جريمة الفصل العنصري وجرائم ضد الإنسانية".

وتاليا نص المقابلة الخاصة:

كيف تابعتم الحرب الأخيرة التي حدثت بين غزة وإسرائيل؟ وما الأسباب التي أدت لاندلاعها برأيكم؟

من الواضح أن سياق الصراع، في الوقت الحاضر، هو إخراج الفلسطينيين من منازلهم والاحتلال المستمر منذ 54 عاماً. السياق هو احتلال واحد من أكثر الجيوش فاعلية في العالم الحديث، ولا سيّما في المنطقة، لشعب له الحق في ألا يقبع تحت حكم أجنبي. يجب أن يكون هذا السياق هو السياق الأبرز والأهم، والذي نفهم الصراع من خلاله.

ويبدو أن الشرارات المباشرة التي أشعلت هذا الصراع تتعلق تحديداً بإخراج الفلسطينيين من منازلهم في القدس الشرقية، والتدخل في العبادة الدينية في المدينة القديمة بالقدس، وأخشى أن أقول بالانقسامات الفلسطينية الداخلية بين حركتي حماس وفتح حول مَن يمثل الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال أفضل تمثيل.

مجلس الأمن فشل أكثر من مرة في إصدار بيان موحد بشأن حرب غزة بسبب الموقف الأميركي.. فكيف تنظرون لدور مجلس الأمن والأمم المتحدة بشكل عام من هذا الصراع؟

الأمم المتحدة تلعب العديد من الأدوار المختلفة فيما يتعلق بالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وبعضها إيجابي حقاً، بما في ذلك عمل مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، وعمل منظمة الصحة العالمية، وعمل الوكالات الأخرى الموجودة على أرض الواقع، في محاولة لتنفيذ السياسة العالمية لإنهاء الاحتلال، لكن أهم هيئة في الأمم المتحدة هي مجلس الأمن، وخاصة دور الأعضاء الخمسة الدائمين في هذا المجلس، وقد تخلى مجلس الأمن عن مسؤولياته.

مجلس الأمن اجتمع 4 مرات، لكنه لم يصدر قراراً ولم يتمكن حتى من التوصل إلى اتفاق حول البيان المشترك بين الأعضاء الـ15، وهذه المسؤولية يجب أن تتحملها الولايات المتحدة التي منعت إصدار بيان مشترك وعرقلت إمكانية صدور قرار، لأنها أرادت منح الحكومة الإسرائيلية الوقت لتتمكن من تنفيذ مهمتها العسكرية التي كان لها هذا التأثير المُدمر على قطاع غزة.

لذا، فإننا نتطلع إلى الأمم المتحدة بأمل مختلط فيما يتعلق بما يمكن أن تفعله من أجل محاولة إنهاء احتلال فلسطين. لكن طالما أن هناك حق الفيتو من قِبل عضو دائم -الأمر الذي ينتهي بإعطاء غطاء دبلوماسي للاحتلال الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين- أخشى أن يستمر هذا الاحتلال إلى أجل غير مسمى في المستقبل.

دعوتم المحكمة الجنائية الدولية إلى فتح تحقيق في الهجمات على المدنيين والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان خلال هذا الصراع.. فما فرص قيام "الجنائية الدولية" بالتحقيق في هذه الانتهاكات؟

إن الجسم السياسي الأكثر أهمية في العالم والقادر على محاسبة إسرائيل على احتلالها هو مجلس الأمن الذي يفشل باستمرار في أداء واجبه. وذلك، وفي المقام الأول، بسبب دور الولايات المتحدة. أما المحكمة الجنائية الدولية فهي الهيئة الرئيسية الأخرى الوحيدة في العالم اليوم التي يمكنها مساءلة الاحتلال. ولهذا أعلنت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية في مارس/آذار الماضي أنها ستفتح تحقيقاً رسمياً في مزاعم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ضد إسرائيل وضد حركة حماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية المسلحة.

وأنا على ثقة تامة من أن المدافعين عن حقوق الإنسان الدوليين والإقليميين يقومون الآن بتحضير قضية ليكونوا قادرين على عرضها على المحكمة الجنائية الدولية، وعلى وجه الخصوص، على الادعاء العام فيما يتعلق بما جري في مايو/أيار 2021. وأنا واثق من أن المدعية العامة ستفتح ملفاً إضافياً للنظر في كيفية تنفيذ إسرائيل لعملياتها العسكرية في هذه الجولة الأخيرة من العنف المروع، ومن المرجح أيضاً أن تنظر فيما إذا كانت الجماعات المسلحة، بما في ذلك حركتا حماس والجهاد الإسلامي، قد ارتكبتا جرائم حرب فيما يتعلق بإطلاقهما الصواريخ على المناطق الإسرائيلية المأهولة.

أميركا وافقت قبل أيام على بيع صفقة أسلحة لإسرائيل.. كيف ترون هذا الأمر؟ وهل دعم واشنطن لتل أبيب كان وسيظل بلا حدود؟

نعم، أفهم أن هناك تشريعاً للمضي قدماً بمبيعات أسلحة إلى إسرائيل تبلغ قيمتها قرابة 715 مليون دولار. لقد أثلج صدري حقيقة أن العديد من الأعضاء البارزين بمجلس الشيوخ الأميركي، ومن بينهم السيناتور بيرني ساندرز، قدموا قرارات لمحاولة منع أو تقييد أو تأخير بيع الأسلحة إلى إسرائيل.

أظن أن السيناتور ساندرز وآخرين يدركون أنه لن يكون هناك تغيير "ذو مغزى" في استمرار الاحتلال، ولن يكون لديهم أي أمل حقيقي في حل حقيقي وعادل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني ما لم تدفع إسرائيل التكلفة الاقتصادية لاستمرار هذا الاحتلال.

واللجنة الدولية للصليب الأحمر تقول إن من بين تدابير المساءلة المبررة التي يمكن استخدامها ضد الدول أو الجماعات المسلحة لارتكابها انتهاكات لقوانين الحرب والقانون النقدي الدولي هو حظر مبيعات الأسلحة أو تخفيضها. ينبغي ألا يتم بيع العتاد العسكري إلى دول ضالعة في أنماط مستمرة من انتهاكات حقوق الإنسان؛ وهذا طبعاً ينطبق على إسرائيل وصفقات الأسلحة الدولية. إذ كلما زاد تسليح تل أبيب بمبيعات عسكرية دولية، استمرت نظرتها إلى القضية الفلسطينية على أنها مشكلة أمنية يجب السيطرة عليها وليست قضية مرتبطة بالعدالة ويتعيّن حلها.

برأيكم، كيف يمكن تحقيق سلام مستدام بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟

ستنتهي جميع النزاعات في نهاية المطاف إلى حلٍ إما من خلال الهزيمة الكاملة لشعب ما وإخضاعه، أو من خلال حل قائم على العدالة. وأتمنى أن يكون السيناريو الثاني، وأنا أعمل بجد سعياً لذلك بصفتي مقرراً خاصاً للأمم المتحدة، وأعلم أن هناك المئات والآلاف ممن يعملون في المجتمع المدني الدولي والإقليمي ممن يؤمنون بالنهج القائم على الحقوق بدلاً من نهج الواقعية السياسية لحل هذه القضية.

وفي نهاية المطاف، لدى اليهود الإسرائيليين والعرب الفلسطينيين مستقبل مشترك في إسرائيل وفلسطين، وسيكون إما مستقبلاً يسوده القهر أو مستقبلاً تسوده المساواة، ولا أستطيع أن أتخيل كيف يمكن أن يكون هناك ازدهار مشترك بين الاثنين إذا استمر الاحتلال إلى أجل غير مسمى، أو إذا استمرت القوانين التمييزية إلى أجل غير مسمى. ولذلك آمل أن يبدأ العالم في التحرك لمساءلة إسرائيل عن الاحتلال.

إن الأمرين اللذين سيغيران هذا الوضع المروع إلى الأفضل هما استمرار المقاومة السلمية من قِبل الفلسطينيين ضد الاحتلال، والتدخل الدولي الحاسم لمطالبة إسرائيل بإنهاء الاحتلال وبناء مستقبل قائم على العدل والمساواة.

المصدر : الجزيرة