أول ظهور علني ليهود السودان.. تهم التطبيع تحاصر ملتقى للأديان بالخرطوم

اليهودية السودانية جوديت صالح افتتحت الملتقى بتلاوة صلوات من التوراة واعتبرت التظاهرة بمثابة بذرة تعايش للسودانيين بغض النظر عن خلفياتهم الدينية

اليهودية السودانية جوديت تتوسط مدعوين مسيحيين للملتقى (الجزيرة)

على غير العادة، تمركزت مدرعة للشرطة أمام مدخل فندق "كورنثيا" الفخم المطل على النيل الأزرق في الخرطوم، حيث كان يستضيف ملتقى دينيا شارك فيه يهود سودانيون وحاخام من القدس.

وحول القاعة التي استضافت الملتقى، وفي الممرات المؤدية إليها، توزع عناصر شرطة ملثمون ويرتدون سترات واقية من الرصاص، ومسلحون ببنادق آلية.

في الأثناء، كان صاحب الدعوة للملتقى البرلماني السابق ورجل الأعمال أبو القاسم برطم يتنقل بنشاط في جلباب أسود متحدثا إلى منظمين ارتدوا قمصانا كتب عليها شعار مبادرته "التسامح الأخوي".

ولأول مرة يخرج يهود السودان والأسر ذات الجذور اليهودية إلى العلن، كاسرين حاجز الخوف، ومتحدين الوصمة التي كانت تخفيهم في السابق، حسب ما أفادوا به للجزيرة نت.

ورغم أن الملتقى جاء تحت شعار "اللقاء الأخوي الأول لتعزيز التسامح والسلام الاجتماعي"، وشارك فيه مسلمون ومسيحيون ويهود وهندوس، فإن مناهضين له اعتبروا الخطوة محاولة لفرض التطبيع كأمر واقع.

وكان ملفتا حضور سفيرة النرويج -التي ألقت كلمة في الملتقي- وسفير الأردن، فضلا عن لفيف من رجال الأعمال، بينهم أفراد من الجالية الهندية التي تنتشر في عدد من مدن السودان، ويدين أغلبهم بالهندوسية.

اليهود والثورة

افتتح الملتقى بتلاوة آيات من القرآن الكريم وصلوات من الإنجيل والتوراة والديانة الهندوسية، لكن المفاجئ أن من تلت صلوات التوراة فتاة سودانية يهودية.

وتقول جوديت صالح إنها يهودية سودانية ظلت في المهجر سنوات طويلة، لكنها عادت قبيل مليونية السادس من أبريل/نيسان 2019 للمشاركة في الثورة التي أطاحت بالرئيس المعزول عمر البشير.

جوديت صالح تلت صلوات من التوراة على منصة الملتقى (الجزيرة)

وبعد تلاوتها صلوات من التوراة على منصة الملتقى، آثرت جوديت أن تشكر المنظمين الذي جعلوا ذلك ممكنا في الخرطوم.

وتضيف للجزيرة نت أن الملتقى بمثابة بذرة تعايش للسودانيين بغض النظر عن خلفياتهم الدينية، سواء كانوا مسلمين أو يهودا أو مسيحيين أو هندوسا.

وتقول جوديت -التي ظلت متنقلة في 11 دولة بوصفها ناشطة في مجال حقوق الإنسان- إن اليهود في السودان في السابق أجبروا على المغادرة أو تغيير معتقدهم الديني أو إخفاء معتقدهم.

صاحب الدعوة للملتقى البرلماني السابق ورجل الأعمال أبو القاسم برطم يتوسط بعض المدعوين للملتقى (الجزيرة)

وتضيف "يجب على اليهود عدم إخفاء ديانتهم بعد الآن؛ هم بشر ويعشقون التراب السوداني ويجب أن يعيشوا بأمان. حبي لأرض الميعاد في إسرائيل لا ينقص محبتي للسودان".

علاقات عامة

في المقابل، اعتبر عثمان البشير الكباشي الأمين العام للقوى الشعبية السودانية لمناهضة التطبيع (قاوم) أن الملتقى "حملة علاقات عامة مدفوعة القيمة لتحسين وجه الصهيونية".

واتهم الكباشي من أسماهم "الحزب الصهيوني السوداني" بالوقوف وراء هذه الحملة التي لا تهمها قيم التسامح والإنسانية الحقة ولا معاني التضامن مع المستضعفين في الأرض.

عضو مجلس السيادة (يمين) والسفيرة النرويجية (يسار) خلال الملتقى (الجزيرة)

واعتبر أن سلوك أصحاب المبادرة يعبر عن تحالف قلة من رجال الأعمال الذين تدفعهم شهوة المال، ويسعون للعب دور وكيل الاستثمارات الصهيونية في السودان جراء "صفقة التطبيع المشبوهة".

ومنذ فبراير/شباط 2020، تكثفت خطوات التطبيع بين الخرطوم وتل أبيب، إثر لقاء في عنتيبي بأوغندا بين رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

قائمة الحضور

وحظي الملتقى ذو الطابع الشعبي بمشاركة أعلى سلطة في البلاد، حيث ألقت عضو مجلس السيادة الانتقالي رجاء نيكولا عبد المسيح (قبطية) كلمة خلال فعالياته، وكان من الملفت بث كلمتين مشجعتين لتعايش الأديان من الحاخام ديفيد روزون من إسرائيل والقس إنغبورغ ميدتوم من النرويج.

كما تحدث في الملتقى رئيس مجمع الفقه الإسلامي السابق عبد الرحمن حسن حامد والقس فلو ثاوث فرج، لكن وزير الشؤون الدينية والأوقاف نصر الدين مفرّح تغيب عن الحضور، رغم دعوته ووجود اسمه ضمن المدعوين.

السفير الأردني (يسار) كان بين الحضور في الملتقى (الجزيرة)

وتعليقا على غيابه، قالت الوزارة -في بيان- إنها تفاجأت بوجود الوزير ضمن البرنامج قبل أخذ موافقته.

وأكدت أن الوزارة ليست لديها علاقة بتنظيم الفعالية وتجهل أهدافها، وطبقا لذلك لها الحق في اتخاذ قرارها القاضي بعدم المشاركة فيها.

موجة رفض

وأبلغت مصادر عليمة الجزيرة نت أن الوزير تجنب المشاركة مراعاة لموقف حزبه "الأمة القومي" وذراعه الدينية هيئة شؤون الأنصار، الرافضين للتطبيع، خاصة أن الحزب وافق على طلب رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بالإبقاء على مفرح ضمن الحكومة الجديدة التي ستعلن قريبا.

وأعلنت "هيئة شؤون الأنصار" مسبقا، وبعد تلقيها دعوة، أنها ستقاطع الملتقى لأنه يضع السودان أمام التطبيع كأمر واقع، خاصة أن صاحب المبادرة لا يخفي تأييده للتطبيع.

وحذرت الهيئة في بيان من أن دعوة ممثلي ديانات وعقائد لا وجود لها في السودان، في ظل هذه الظروف الاستقطابية في البلد، يعتبر صبا للزيت على النار، ويفتح الباب لفتنة دينية وتطرف يسمم أجواء التسامح.

كما رفض حزب البعث السوداني الملتقى، معتبرا أن مبتغاه لدعم التطبيع ومحاولة ترسيخه في وجدان السودانيين، وحرض -في بيان- لجان المقاومة والتنظيمات المختلفة على الاصطفاف لإفشال الملتقى "الملغوم".

وصمة اليهود

لكن الأسر السودانية ذات الجذور اليهودية ترى في الملتقى فرصة لظهورها في الحياة العامة من جديد بعد قرارات التأميم التي اتخذها الرئيس الراحل جعفر نميري عام 1969، عندما كان يعيش في الخرطوم ومدن أخرى نحو 250 أسرة يهودية تعمل في التجارة والاستيراد والتصدير.

ويقول أيمن آدم منديل، وهو مسلم تنحدر أصوله من أسرة آل منديل اليهودية في حي المسالمة بأم درمان؛ إن أصولهم اليهودية تسببت لهم سابقا في معاناة حرمتهم من تولي المناصب الحساسة ودخول كليات الجيش والشرطة.

أيمن آدم منديل مسلم تنحدر أصوله من أسرة آل منديل اليهودية (الجزيرة)

يذكر أن الملتقى مثّل -حسب مراقبين- بارقة أمل لإنهاء الوصمة التي عانت منها الأسر ذات الجذور اليهودية بأن يعامل الإنسان بشخصه وليس بخلفيته الدينية والعرقية، وهو ما أدى في السابق إلى هجرة اليهود من السودان.

واضطرت 150 أسرة يهودية بالخرطوم والأبيض "غرب" وعطبرة "شمال" لإخفاء ديانتهم، حسب جمعية الصداقة الشعبية السودانية الإسرائيلية.

ويقول مسؤول الاتصال في الجمعية الطاهر الشم للجزيرة نت، معلقا على الحراسة الأمنية للملتقى، إن تأييد الشارع السوداني هو الذي يقوي أنصار التطبيع وليست الحراسة، لأن الحل في السلام "الإبراهيمي" الذي وقعه السودان وبه يمكن مساعدة القضية الفلسطينية.

المصدر : الجزيرة