ماريو دراغي.. "سوبر ماريو" الذي يأمل كثيرون بأن يخلص إيطاليا من مشاكلها

ماريو دراغي رئيس الوزراء الإيطالي الجديد اعْتُبر جالبا للحظ في مساره المهني ويصفه كثيرون "سوبير ماريو"

Mario Draghi holds a press conference
ماريو دراغي رئيس الحكومة الإيطالية المكلف (رويترز)

حينما وجه رئيس إيطاليا سيرجو ماتاريلا الدعوة لماريو دراغي إلى قصر الكويرينالي الرئاسي، ليلة الثلاثاء 02 فبراير/شباط 2021، ارتفعت مؤشر بورصة ميلانو صبيحة اليوم الموالي، بعدما قبل الخبير الاقتصادي تكليفه برئاسة وتشكيل حكومة جديدة، فقد كان بمثابة "الرجل الخارق" المنقذ للبلاد من أزمتها السياسية والاقتصادية، وذلك ما عكسه صعود الأسهم الإيطالية وكذلك الأوروبية عقب تكليفه.

ماريو دراغي -أو سوبر ماريو كما ينعته إيطاليون- هو رئيس الوزراء الإيطالي الجديد، وينظر إليه بوصفه جالبا للحظ في مساره المهني لكثير من المؤسسات التي مر منها، مثل قصة ماريو، بطل ألعاب الفيديو مع شركة الإنتاج نينتيندو اليابانية، (سوبر ماريو كانت اللعبة الأكثر انتشارا ومبيعا في العالم طيلة عقدي الثمانينيات والتسعينيات).

سوبر ماريو، في سلسلة ألعاب الفيديو، هو ذلك السباك الإيطالي الذي يعيش في "مملكة الفطر"، وهو معروف بإحباط خطط الشر، كذلك هو حال ماريو دراغي مع المؤسسات التي أشرف عليها، وآخرها البنك المركزي الأوروبي (2011-2019) حينما أنقذ منطقة اليورو من أزمة الديون السيادية.

عملة الأورو، تحمل توقيع ماريو دراغي بصفته رئيسا سابقا للبنك المركزي الأوروبي
عملة اليورو تحمل توقيع ماريو دراغي عندما كان رئيسا للبنك المركزي الأوروبي (مواقع التواصل)

طفل يتيم

ارتبط مسار دراغي بمسؤوليات حساسة وكبيرة منذ صغره، حيث فقد والديه ولم يتجاوز عمره 15 سنة.

ولأنه الابن الأكبر بين إخوته، فقد تحمل مسؤولية أخيه مارتشيو وأخته أندريانا الصغيرين، مقارنة مع سنه، ويحكي تونينو فيلا أحد أبناء بلدته مونتي فيردي الواقعة جنوبي إيطاليا "إنه ذلك النموذج الثقافي، الذي تجده دائما في البلدات الصغيرة المعزولة. وهكذا أعتقد أن نجاح ماريو دراغي في مساره، قادم من هذه المعاناة المكتسبة من قسوة الحياة، حيث كان واجبا عليه الرعاية والاهتمام بالآخرين وإخوته، وكان حافزا للنجاح الذي عرفه الرجل، لأن تكوينه في الحياة اضطره إلى الاعتناء بالآخرين".

ويشير تونينو فيلا، الذي يشغل نائب عمدة بلدة مونتي فيردي، إلى أن الاعتناء بالآخر ومساعدته قيمة ورثها ماريو من أمه جيلدا، والتي "كانت تمثل وجها آخر للمعلمة حيث تعكس في علاقتها روح الخير والمعاملة الإنسانية، التي كان لها أثر على نفسية الأطفال آنذاك، حيث كانوا يعيشون وضعا مزريا، وفي وسط فلاحي قبل تطور الإمكانات الاقتصادية".

ويضيف فيلا، في حديث خص به الجزيرة نت "كان هذا السلوك من المعلمة جيلدا له أثر على مسار حياة والدتي، التي تتلمذت على يديها، وهكذا يمكن تذكر أم دراغي المعلمة في مصاف الشخصيات ذوي القدرة غير العادية على المستوى العاطفي والإنساني، وبطبيعة الحال فهذا الأمر كان له أثر في المسار التكويني الناجح لابنها ماريو، الذي مثل المستوى العالي للنظام المالي الأوروبي وكذلك العالمي".

كبر ماريو يتيما، وتعلم قيمة الرعاية والمساعدة أيضا من عمته التي أشرفت على تدريسه رفقة إخوته في العاصمة الإيطالية.

رغم إقامة ماريو دراغي بروما، يقول تونينو فيلا، فإن الرجل ظل مرتبطا بأرض أمه بلدة مونتي فيردي (وتعني الجبل الأخضر)، هناك في قرية صغيرة كان يزور جدته مانتشيني (الممتهنة للصيدلة التقليدية بالأعشاب)، وعندما اشتد عوده وظلت هي وحيدة، أخذها معه للإقامة في روما، وكان قدر الرجل أن يساعد الآخرين في وضع صعب.

هكذا كان وظل حال ماريو وهو يتحمل المسؤولية ويمد المساعدة للآخرين، ليس فقط في حياته العائلية بل أيضا المهنية، منذ تقلده منصب المدير التنفيذي للبنك الدولي (1984 -1990) ممثلا لبلده، في أكبر مؤسسة مالية في العالم، وشاهدا على عدد من برامج التقويم الهيكلي لبلدان كانت تعيش أزمات اقتصادية، اضطرت لأخذ تمويلات من البنك الدولي، وساعدها ماريو في ذلك.

الأيادي البيضاء

سيطير ماريو دراغي نحو عشه إيطاليا ويستقر بها، في مهمة خاصة مع مطلع التسعينيات، وإن كان يتردد على بلده طيلة النصف الثاني من الثمانينيات، وهو يتحمل مسؤولية البنك الدولي، قادما من واشنطن، لتدريس السياسة المالية في جامعة فلورانسا، مساعدا أبناء بلده من طلاب العلم في نقل خبرته وتجربته المهنية لهم.

لقد كان حريصا على هذا الأمر وكأنه يرد جميل الجامعة الإيطالية التي تخرج فيها "لا سابيينزا" بالعاصمة، قبل أن يتخصص في معهد ماساتشوستس بكامبريدج.

بلدة تسمى مونتي فيردي حيث أصول أم ماريو
بلدة تسمى مونتي فيردي حيث أصول أم ماريو (الجزيرة)

أثناء استقراره في روما، تقلد "سوبر ماريو" مهمة صعبة من عام 1991 إلى عام 2001، حيث كان المدير العام لوزارة الخزانة (المالية)، حينما استدعاه غويدو كارلي، وزير الخزانة في حكومة أندريوتي السابعة، وبقي في منصبه ذلك من قبل جميع الحكومات المتعاقبة حتى مطلع الألفية الثالثة.

كانت إيطاليا تعيش مخاضا اقتصاديا ارتبط بسياق سياسي دولي كبير بعد انهيار جدار برلين، وسياق محلي مشهور بـ "الأيادي البيضاء"، وهي سلسلة تحقيقات ضد الفساد المالي، اتهمت فيها أسماء يسارية شهيرة مثل بيتّينو كراكسي.

وكانت تلك الحملة سببا في إنهاء العمر السياسي لمعظم الأحزاب حينها، أو ما يعرف إعلاميا بالجمهورية الثانية، انطلاقا من انتخابات مارس/آذار سنة 1994، والتي ستكشف عن تغيير جذري في خريطة الأحزاب، مع ظهور بولو ديلاّ ليبيرتا-فورتسا إيطاليا اليميني، حزب برلوسكوني رجل الأعمال، وهي المرحلة التي كان من عناوينها البارزة تنفيذ عمليات خصخصة كبيرة لشركات تمتلك فيها الدولة الإيطالية استثمارات مختلفة.

وكان ماريو دراغي مهندسا للخصخصة، وتوفير عائدات لخزينة الدولة التي كانت في حاجة لها بسبب الفساد المالي السالف الذكر، والإسراف في النفقات العامة خلال سنوات الثمانينيات.

سيستدعى دراغي مرة أخرى إلى مهمة إنقاذ ومساعدة، ففي 29 ديسمبر/كانون الأول 2005، أصبح الحاكم التاسع للبنك المركزي الإيطالي خلفا لأنطونيو فاتزيو، الذي أجبر على الاستقالة بعد فضيحة "بانكوبولي" (وهو البنك الذي كان رئيسه صديق فاتزيو وتمتع بامتيازات دون غيره).

بسبب قضية بانكوبولي، اجتهد دراغي في رسم معالم الشفافية في معاملات البنك المركزي، والقيام بدوره في تنظيم السياسة النقدية لدعم النقد والمحافظة على الاستقرار المالي.

"مهما كلف"

يعلق سياسيون ومواطنون عاديون في إيطاليا على تسمية ماريو دراغي بـ"سوبر مان" بأنه أمر مبالغ فيه، فالرجل في نظرهم ليس إلاّ حارسا لأموال أوروبا في الحكومة الإيطالية الجديدة، غير أن الأستاذ الباحث في الاقتصاد السياسي بجامعة تورينو محمد كمال له رأي مخالف لمثل هذه التعليقات، والتي أضحت متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي منذ أيام.

ويقول كمال للجزيرة نت "لنترك جانبا أن دراغي محسوب على المؤسسات البنكية في أعلى درجاتها ويقوم بحمايتها، أو الحديث القائل إن اختياره لمنصب رئيس الحكومة مجرد لعبة من بعض السياسيين الإيطاليين لحماية القروض المقدمة من الاتحاد الأوروبي لإيطاليا حسب الشروط الأوروبية"، ويضيف الباحث الجامعي "ولكن دراغي هو أفضل شخص ممكن أن يتفاوض مع الاتحاد الأوروبي في تقليل نسبة فوائد القروض وتحسين شروطها".

"مهما كلف" هي عبارة كانت شعار ماريو دراغي في إنقاذ منطقة اليورو حينما كان رئيسا للبنك المركزي الأوروبي، ويتساءل مراقبون هل سيتمكن "سوبر ماريو" من مساعدة بلاده وإخراجها من أزمتها عن طريق توظيف عبارة "مهما كلف"، لتصبح توقيعه الخاص، وتطبع سيرته في عالم السياسة.

المصدر : الجزيرة