ثلاثية البطالة والغلاء والأمن تطاردهم.. هكذا تبدو حياة الأفغان بعد 4 أشهر على سيطرة طالبان

نسبة البطالة بلغت 40% وعائلات أفغانية قلّصت وجباتها إلى وجبتين بسبب الغلاء (الأناضول)

ننجرهار (شرق أفغانستان)– بعد نحو 4 أشهر على سيطرة حركة طالبان على أفغانستان، لا تزال البلاد تعاني سلسلة لا تتوقف من المشكلات، لكن وضع المناطق الشرقية من أفغانستان يبدو أصعب من غيرها لا سيما مع تحذيرات خبراء من أن الأوضاع في هذه المناطق باتت تهدد حياة عامة الأفغان، كما أنها تعيق أعمال حكومة طالبان، وأهم تلك العوائق البطالة والغلاء والتهديد الأمني من قبل الجماعات المسلحة الموجودة في المنطقة الشرقية والعاصمة کابل على وجه التحديد.

600 ألف فقدوا وظائفهم و40% نسبة البطالة

البطالة لا تعدّ ظاهرة جديدة في أفغانستان، حيث يعاني مئات الآلاف من الشبان لا سيما من خريجي الجامعات من عدم توفر فرص العمل منذ سنوات.

وتشير بيانات وزارة الاقتصاد لعام 2020 إلى أن نسبة البطالة بلغت 40%، الأمر الذي زاد موجات الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا عبر إيران وتركيا، لكن هذه الأزمة تفاقمت بعد أن فقد مئات الآلاف من العاملین وظائفهم في القطاعات الحكومية والخاصة عقب سيطرة طالبان على الحكم في البلاد، خاصة من العاملين في الجيش والشرطة والمخابرات في الحكومة السابقة.

وتقدّر مصادر إعلامية أفغانية أعداد الذين فقدوا وظائفهم في قطاعات الأمن في أفغانستان بأكثر من 600 ألف، أما في القطاع الخاص ففقد الآلاف وظائفهم بسبب توقف الأعمال في قطاعاتهم ومن بينهم أساتذة الجامعات والمدارس الخاصة الذين تأثرت مؤسساتهم بتراجع أعداد الطلاب.

وفي هذا الإطار قال شمس الدين همت نائب الرئيس للشؤون العلمية في جامعة الفلاح غير الحكومية في مدينة جلال آباد (شرقي أفغانستان) للجزيرة نت "اعتذرنا إلى 18 شخصا من الذين كانوا يعملون في القسم الإداري للجامعة ومن هيئة التدريس، لأن عدد الطلاب والمراجعين تراجع بنسبة 50%، ولم تعد الرسوم الدراسية تفي بمصاريف الجامعة".

كما قامت قنوات إذاعة وتلفاز خاصة بالاستغناء عن خدمات نسبة كبيرة من العاملين فيها، وبرّرت ذلك بأنها لم تعد تستطيع دفع راوتبهم.

أما رئيس مجلس إدارة قناة الهلال العالمية -التي كانت تبث من العاصمة الأفغانية كابل- وإذاعة صوت الإصلاح المحلية في كابل وننجرهار، عبد الظاهر حميدي، فقال للجزيرة نت "قمنا بتسريح أكثر من 50 شخصا من العاملين لدينا وأغلبهم كانوا من الشباب المتخصصين، لأن الموارد قلّت بسبب تراجع موارد أولئك الذين كانوا يدعمون قناتنا الإسلامية".

كما أغلقت جمعية دانش للطباعة والنشر أبوابها وصار طاقمها الذي يبلغ عدده 20 شخصا بلا وظيفة، وهذه الجمعية كانت تعمل منذ أكثر من 30 سنة في طباعة الكتب ونشرها بداية من بيشاور الباكستانية ونهاية بكابل الأفغانية، وينسحب الأمر ذاته على عشرات المؤسسات والجمعيات التي كانت تعتمد على الدعم الداخلي والخارجي.

أعمال خاصة توقفت

ولم تقتصر مشكلة البطالة على العاملين الذين فقدوا وظائفهم في المؤسسات الحكومية والخاصة، لكنها شملت أيضا الذين كانوا يديرون أعمالا ومصالح خاصة، بسبب تراجع أعداد المتسوقين والمراجعين والمستهلكين للخدمات المختلفة.

عبد الله، سائق تكسي في محافظة كونر، قال للجزيرة نت "أوقفت سيارتي في بيتي وبقيت بلا عمل، لأنها لم تعد تدرّ علي أي دخل على مدى يومين متتاليين، في اليوم الأول لم يبق لي إلا 10 أفغانيات (عملة أفغانستان) وهذه لا تكفي لشراء حبة بيض واحدة، وبالأمس 5 أفغانيات، لذا أوقفت السيارة وأبحث عن عمل آخر".

كما أغلق بهرام خان أبواب متجره الصغير الذي كان يبيع فيه الدواجن، وقال "لا أستطيع دفع أجرة المتجر من جيبي، لأن الأسعار ارتفعت وصار الناس بلا وظائف وقل ّعدد المراجعين"، ولما سئل خان عن أجرة متجره فقال "ألف أفغاني شهريا"، وهو ما يعادل قرابة 20 دولارا.

أما عن أسباب البطالة، فيقول الدكتور شمس الحق مجاهد رئيس غرفة التجارة في محافظة ننجرهار، في حديثه مع الجزيرة نت، إن "نسبة البطالة زادت في الأيام الأخيرة 80%، ومن أسبابها توقف العمل في الدوائر الحكومية وغيرها، وتأخر دفع رواتب الموظفين، وإغلاق أبواب المصانع، وتوقف أعمال التنمية ، فقد أثر ذلك في الشركات والمقاولين، لأن حقوقهم لا تصل إليهم كاملة، ولأجل ذلك أوقف العديد منهم أعمالهم فتسبب ذلك في تسريح العمال من الشركات، فكل هذه الأمور أدّت إلى زيادة البطالة".

وبرأي المحلل الاقتصادي والخبير في الشؤون الاقتصادية العالمية الأستاذ سيف الله عابد فإن أسباب البطالة متعددة، منها: السياسة التعليمية التي ترتبط بحاجات السوق، وعدم وجود إستراتيجية اقتصادية فعالة وصحيحة، فضلا عن التخلف الذي تعانيه القطاعات الزراعية والصناعة، والوضع الأمني في أفغانستان الذي لا يسمح للناس بالعمل بحرية تامة في كل مكان.

ويلفت عابد إلى أن آثار البطالة تمتد إلى كل قطاعات الحياة في البلاد، وتابع "الأب العاطل عن العمل لا يستطيع أن ينفق على تعليم أولاده وتربيتهم، كما أنها تؤدي إلى ركود كل القطاعات، فضلا عن التهديد الأمني الذي يعطل الحياة والتنقل بين المناطق".

وبرأي عابد فإن البطالة كانت دائما من أهم أسباب الحرب في أفغانستان، لأن الشخص الذي لا يجد عملا يصير لقمة سائغة للجماعات المسلحة، وهو نفسه يقوم بالتهديد الأمني حتى يجد لقمة عيش وإن كانت بطريق غير شرعي، كما قال الخبير الاقتصادي.

الهرب من البلاد نحو المجهول

وأجبرت البطالة آلاف الشباب منفردين أو حتى العائلات الكاملة على بيع أغراضهم وسلوك طرق الهجرة الشاق.
وفي هذا الإطار تحدث سميع الله من محافظة كونر للجزيرة نت وقال "أرسلت ابني للهجرة بطريق غير قانوني إلى أوروبا عن طريق إيران وتركيا من خلال دفع 1200 دولار، ولكنه الآن موجود في ظروف صعبة على الحدود التركية الإيرانية".

وردا على سؤال عما أجبره على القيام بذلك، قال سميع الله "لم يكن هنا عمل، فعساه يجد عملا"، وهذه ليست قصة ابن سميع الله فقط، بل قصص باتت تتكرر لدى آلاف من الشباب يندفعون عبر طريق الهجرة غير الشرعية التي تدفع بنسبة كبيرة منهم نحو المجهول.

الغلاء.. تقليص وجبة يوميا

وفضلا عن البطالة، يزيد الغلاء الذي تعيشه أفغانستان من مشكلات الناس، فموجاته باتت تشمل السلع الأساسية كافة، لا سيما المحروقات والمواد الغذائية والأدوية مما زاد من تفاقم المشكلات في البلاد.

يقول الحاج خان وهو في الـ70 من عمره، ويعول أسرة مكونة من 32 شخصا "بعد سقوط الحكومة السابقة أصبح اثنين من أبنائي بلا عمل، والبحث عن عمل جديد بات أمرا شديد الصعوبة، والأسعار بلغت عنان السماء، ولا يستطيع أحد أن يشتري الزيت والطحين، لقد قللنا وجباتنا من 3 وجبات إلى وجبتين في اليوم".

وتابع خان "صحيح أن هناك أمنا وسلاما في ظل الحكومة الجديدة، ولكن الأمن لا يؤكل ولا يلبس، نريد خفض الأسعار، الآن نستطيع أن نشتري البطاطا والباذنجان فقط لأنهما رخيصان ولا نستيطع شراء أشياء أخرى".

أما عن أسباب الغلاء وارتفاع الأسعار، فيرى الدكتور شمس الدين مجاهد أنها تعود لارتفاع كلف نقل المواد عبر البحر، ففي السابق بلغت قيمة نقل حاوية بمقياس 40 قدما (ft) من أميركا إلى كراتشي 2500 دولار، والآن صارت بين 12 ألفا و18 ألف دولار.

كما ارتفعت كلفة شحن الحاوية من أوروبا من 1800 دولار إلى 9 آلاف دولار، "وهكذا ارتفعت القيمة من جميع الأماكن، والسبب الآخر هو ارتفاع قيمة الدولار أمام العملة الأفغانية، فقبل السقوط كانت قيمة الدولار الواحد 77 إلى 80 أفغانيا مقابل الدولار الواحد، والآن ارتفعت قيمة الدولار إلى أكثر من 95 أفغانيا، والسبب الثالث ارتفاع سعر النفط في السوق العالمية"، حسب ما ذكر مجاهد.

التهديد الأمني

ويضاف إلى ثنائية البطالة والغلاء التهديد الأمني الذي يعدّ واحدا من أكبر الأزمات التي تواجهها الحكومة الجديدة التي لا تعترف بها أي دولة في العالم حتى الآن.
ويتمثل هذا التهديد بهجمات تنظيم الدولة الإسلامية من جهة، وما يسمى بـ"جبهة المقاومة الأفغانية" برئاسة أحمد مسعود نجل القائد الراحل أحمد شاه مسعود المتحالف مع قيادات في الحكومة السابقة.
وفضلا عن أكثر من 500 مواطن أفغاني قتلوا في هجمات متفرقة اعترف تنظيم الدولة الإسلامية بشنّها منذ سيطرة حركة طالبان، يسجل أسبوعيا مقتل نحو 26 شخصا بالمتوسط في هجمات يشنّها التنظيم وعصابات إضافة إلى من يقتلون في عمليات أمنية تنفذها الحكومة الجديدة.

المصدر : الجزيرة