الهزارة بأفغانستان في حماية طالبان

أحد الأضرحة الشيعية التابعة للهزارة في العاصمة كابل (رويترز ـ أرشيف)

خارج ضريح شيعي في العاصمة الأفغانية كابل، وقف أربعة من مسلحي حركة طالبان الحاكمة في أفغانستان لحراسة المكان، وإلى جانبهم حارس من أقلية الهزارة الشيعية في أفغانستان، معلقا بندقية للمشاركة في حماية قاصدي الضريح.

المشهد يجسد علامة لافتة للعلاقة الجديدة التي أحدثها استيلاء حركة طالبان على أفغانستان في أغسطس/آب الماضي، بين هذه الحركة السنية وبين أقلية الهزارة الشيعية التي سبق واستهدفتها الحركة معتبرة أفرادها "زنادقة"، لكن الزمن تغير وسارت مياه جديدة، وأصبحت طالبان هي الحامي الوحيد للهزارة ضد "عدو أكثر وحشية" وهو تنظيم الدولة الإسلامية.

يقول سهراب -لم يذكر سوى اسمه الأول لأسباب أمنية- حارس الهزارة المشارك لضريح "أبي الفضل العباس" في كابل إنه يتعامل مع حراس طالبان، مضيفا "أن أفراد الحراسة التابعين لطالبان يصلون في المسجد أحيانا".

أما سيد عقيل -أحد أفراد الهزارة الذي حرص على زيارة الضريح مصطحبا زوجته وابنته البالغة من العمر 8 أشهر- فيبدي انزعاجه "لأن العديد من طالبان ما زالوا يرتدون زيهم التقليدي بدلا من زي الشرطة ولا يمكننا حتى معرفة ما إذا كانوا من طالبان أم داعش"، مستخدما الاختصار العربي لتنظيم الدولة الإسلامية.

تغير لافت

ومنذ استيلائها على السلطة، قدمت طالبان نفسها على أنها أكثر اعتدالا، مقارنة بحكمها الأول في تسعينيات القرن الماضي عندما قمعت الهزارة والجماعات العرقية الأخرى.

ويفسر البعض هذا التحول في الموقف بأنه محاولة من الحركة للحصول على اعتراف دولي، ومن ثم تعهدت طالبان بحماية الهزارة كإظهار لقبولها للأقليات في البلاد، لكن العديد من الهزارة لا يزال يراودهم الشك في أن الحركة التي تحكم الآن بأغلبية ساحقة من البشتون، لن يقبلوا بهم على قدم المساواة في أفغانستان.

يقول قادة مجتمع الهزارة إنهم "التقوا مرارا وتكرارا مع قيادة طالبان، وطالبوا بالمشاركة في الحكومة، لكنهم (قادة طالبان) تجنبوا ذلك. ومن ثم يشكون من أن قادة يميزون ضدهم ويخشون أن تكون مسألة وقت فقط قبل أن تعود طالبان إلى القمع".

ويرى محمد جواد جوهري -وهو رجل دين من الهزارة يدير منظمة تساعد الفقراء- أن "طالبان اليوم أفضل بالمقارنة مع حكمهم السابق"، مضيفا أن "المشكلة أنه لا يوجد قانون واحد، فكل فرد من الحركة له قانونه الخاص في الوقت الحالي، لذلك يعيش الناس في خوف منهم".

على الرغم من ذلك يلاحظ المراقبون "بعض التغييرات الواضحة والملموسة" في إطار المقارنة بين العهد السابق لحكم طالبان والعهد الحالي بعد استيلائهم على السلطة، فقد سمحت طالبان للشيعة بأداء احتفالاتهم الدينية، بما في ذلك موكب عاشوراء السنوي.

قوات من طالبان تحرس مسجدا شيعيا بقندهار استهدفه تنظيم الدولة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي (الأوروبية )

عدو مشترك

وفي البداية، صادرت طالبان أسلحة استخدمها الهزارة لحراسة بعض مساجدهم في كابل، لكن جوهري وزعماء مجتمع آخرين قالوا "بعد التفجيرات المدمرة التي استهدفتها داعش لمساجد شيعية في ولايتي قندهار وقندوز في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعادت طالبان الأسلحة في معظم الحالات، كما توفر مقاتليها لحراسة بعض المساجد خلال صلاة الجمعة".

من جهته، يؤكد المتحدث باسم حكومة طالبان ذبيح الله مجاهد "حرصها على توفير بيئة آمنة ومأمونة للجميع، وخاصة الهزارة"، مضيفا أنهم "يجب أن يكونوا في أفغانستان، فمغادرة البلاد ليست جيدة لأي شخص".

يُظهر تحول الهزارة إلى حماية طالبان مدى رعب المجتمع من تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يقولون إنه يهدف إلى القضاء عليهم، ففي السنوات الماضية، هاجم التنظيم الهزارة بشكل أكثر قسوة مما فعلته طالبان من قبل، وشن هجمات على مدارس ومستشفيات ومساجد الهزارة، مما أسفر عن مقتل المئات. كما أن تنظيم الدولة الإسلامية هو أيضا عدو لطالبان، حيث يهاجم بشكل متكرر قواتها.

شكوك ومخاوف

يبدي عدد من سكان منطقة دشتي بارشي التي يهيمن عليها الهزارة والمترامية الأطراف والواقعة غرب  العاصمة كابل شكوكهم في أن حركة طالبان ستتغير، وتقول مرضية محمدي، التي قتل زوجها قبل 5 سنوات في قتال مع طالبان "في كل مرة أراهم يقومون بدوريات أسأل كيف يمكنهم حمايتنا؟.. لا يمكننا الوثوق بهم. ونشعر وكأنهم من داعش".

الاختلافات دينية في جزء منها. لكن الهزارة، الذين يشكلون ما يقدر بنحو 10% من سكان أفغانستان البالغ عددهم 40 مليون نسمة، متميزون أيضا عرقيا ويتحدثون لغة فارسية مختلفة عن لغة البشتو. ولديهم تاريخ طويل من الاضطهاد من قبل أغلبية البشتو، وبعضهم يصورهم على أنهم دخلاء.

ويقول سيد عقيل إنه عندما حاول الذهاب إلى مركز للشرطة للحصول على وثيقة، لم يتحدث حراس طالبان سوى لغة البشتو وقاموا بغلق البوابات في وجهه، وكان عليه أن يعود لاحقا مع زميل له يتحدث لغة البشتو.

وأضاف "هذا النوع من المواقف يجعلني أفقد الأمل في المستقبل.. إنهم لا يعرفوننا، وليسوا واسعي الأفق لقبول المجتمعات الأخرى. ويتصرفون وكأنهم وحدهم أصحاب هذا البلد".

وأثارت الخلافات التي نشبت في أغسطس/آب الماضي في منطقة الهزارة وسط أفغانستان مخاوف في ولاية دايكوندي، حيث قتل مسلحو طالبان 11 مسلحا من الهزارة ومدنيين اثنين، من بينهم فتاة، كما طرد مسؤولو طالبان عائلات الهزارة من عدة قرى في دايكوندي بعد اتهامهم بالعيش على أرض لا تنتمي إليهم، حسب ما سبق وأعلنت منظمة العفو الدولية.

ويرى جوهري وقادة آخرون في عرقية الهزارة أنه "بعد ضجةٍ من تلك الأقلية توقف المزيد من عمليات الطرد بضغط المجتمع الدولي على طالبان لتشكيل حكومة تعكس الطيف العرقي والديني والسياسي في أفغانستان، بما في ذلك النساء، حيث تتكون حكومة طالبان بالكامل من الرجال".

وأعلى مستوى من الهزارة في الإدارة هو نائب وزير الصحة، ويشغل عدد قليل منهم مناصب في المقاطعات، لكنهم انضموا منذ فترة طويلة إلى طالبان وتبنوا أيديولوجيتهم.

وقال علي أكبر جمشيدي، عضو البرلمان السابق من مقاطعة دايكوندي "إن الهزارة يريدون حضورا لهم في مجلس الوزراء وأجهزة المخابرات والأمن".

وأضاف جمشيدي "يمكن لطالبان الاستفادة منا، ولديهم الفرصة لتشكيل حكومة من أجل المستقبل، لكنهم لا ينتهزون هذه الفرصة".

المصدر : أسوشيتد برس