دلالات تفجير بغداد المزدوج مع وصول بايدن للسلطة.. رسائل التوقيت والمكان

Site of a twin suicide bombing attack in a central market in Baghdad,
جانب من آثار التفجير المزدوج في بغداد اليوم (رويترز)

سقط 32 قتيلا و110 جريحا صباح اليوم الخميس في تفجير انتحاري مزدوج وسط العاصمة العراقية بغداد، وذلك في اعتداء غير مسبوق منذ أكثر من سنة ونصف من غياب هذا النوع من العمليات الإرهابية في بغداد.

ووقع التفجير المزدوج في سوق مكتظ بالقرب من ساحة الطيران التي غالبا ما تعج بالمارة والمتبضعين، فما دلالات هذا التفجير في هذا التوقيت؟ وما علاقته بوصول جو بايدن إلى البيت الأبيض في واشنطن.

Site of a twin suicide bombing attack in a central market in Baghdad
انتشار أمني مكثف للقوات العراقية بعد التفجير المزدوج في وسط بغداد (رويترز)

اليوم الأول لبايدن في السلطة
ويثير توقيت التفجير المزدوج العنيف في بغداد الكثير من التساؤلات بشأن عودة العمليات الإرهابية إلى العاصمة العراقية، وذلك بالتزامن مع جهود الحكومة العراقية لإرساء الأمن استعدادا للانتخابات التشريعية المقبلة، وكذلك في اليوم الأول لتولي جو بايدن مهامه بصفته رئيسا جديدا للولايات المتحدة، والذي قد يمثل تحولا في الإدارة الأميركية يعول عليه سياسيون وفصائل مسلحة في العراق.

ويرى الباحث السياسي بسام القزويني في حديث للجزيرة وجود قراءات متعددة لهذا التفجير المزدوج، قائلا إن عودة "العمليات الانتحارية" في العراق بعد انقطاع دام قرابة العام والنصف -ولا سيما مع اليوم الأول لبايدن في السلطة- يبين وجود محاولة لنقل الضوء المسلط على الفصائل العراقية المسلحة تجاه تنظيم القاعدة، خصوصا أن هذا النوع من العمليات هو من تخصص التنظيم من حيث الأسلوب.

وأضاف القزويني أن "من سهل ودفع الانتحاريين لتنفيذ العملية ليس بالضرورة أن يكون من القاعدة أو داعش"، مرجحا وجود دوافع لخلق فوضى أمنية للتشكيك بقدرات الحكومة العراقية، والضغط في نفس الوقت على الإدارة الأميركية الجديدة للعمل على تغيير الحكومة العراقية.

وأكمل الباحث السياسي كلامه عن الخصوصية بتوقيت هذا التفجير المزدوج بأن العملية الأخيرة -التي جاءت متزامنة مع مساعي الحكومة العراقية لحوار مع بعض الفصائل المسلحة- قد تهدف لإيقاف هذا الحوار.

من جهته، اعتبر عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب العراقي علي الغانمي أن هذا التفجير المزدوج يختلف عن سابقاته، خاصة بعد أن مرت البلاد بفسحة استقرار ملحوظة في الأشهر الماضية، مبينا أن "الجماعات الإرهابية" تعمل وفق مخططات مدروسة، وقد تحاول ربط هجماتها بأحداث عالمية مثل وصول بايدن إلى السلطة.

وأضاف الغانمي في حديث للجزيرة نت أن الإرهاب يعمل وفق دوافع متعددة، على رأسها السياسية والفكرية، مبينا أن "الرسائل من هذا التفجير المزدوج قد تعمل على ترسيخ فكرة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي كان قد أصدر قرارات يتوقع أن يعمل بايدن على إلغائها، على غرار منع مواطني دول إسلامية من دخول إلى الولايات المتحدة كونهم مرتبطين بالأفكار المتطرفة.

وأشار عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي إلى أن لجنته لطالما طالبت بالاطلاع على الجهد الاستخباري، ولكن في وقت تستمر الحكومة بإرسال رسائل الاطمئنان تقوم الجماعات الإرهابية بهذا التفجير المفاجئ، الأمر الذي يؤكد نشاط واستغلال الجماعات الإرهابية الأوضاع السياسية التي يمر بها البلد.

الجهد الاستخباري
بدوره، يقول الخبير الأمني محمد السعبري إن البعض يرى أن هذا التفجير المزودج هو هدية جو بايدن الأولى في المنطقة، وكانت في التفجير وسط بغداد على خلفية الاتهامات الموجهة للحزب الديمقراطي بشأن صناعة تنظيم الدولة، لكن الحديث يجب أن يكون بشأن الحاجة الملحة للجهد الاستخباري في الدولة العراقية، خاصة أن التفجير المزدوج يؤكد أن الجماعات الإرهابية تحاول تخفيف الضغط والملاحقة التي تمارسها القوات الأمنية في مناطق أخرى من العراق.

وأضاف السعبري للجزيرة نت أن اختيار المكان وتوقيت هذا التفجير المزدوج يأتي لعدة اعتبارات، لكون الخميس أولا شبه عطلة في العراق، ولكون الساحات -وبينها ساحة الطيران وسط بغداد- تكتظ بالكسبة وأصحاب بسطات الملابس، فضلا عن زخم المتبضعين ذوي الدخل المحدود على تلك الأسواق الشعبية في مثل هذه الأوقات.

وأكد الخبير الأمني أن العراق يفتقد للجهد الاستخباري، خاصة أن الحرب مع الإرهاب لم تعد حرب مدافع وطائرات فحسب، بل هي حرب استخبارية بالدرجة الأولى، ويجب الالتفات إلى مقاتلة تنظيم الدولة فكريا بالتعاون مع الدول العربية، مبينا أن بقاء العراق على هذا المستوى المتواضع من الإجراءات في الساحات والأسواق التي تمثل روح الدولة سيتبعه هدوء وقتي، تليه تفجيرات مستمرة بتوقيتات مختلفة.

الفصائل المسلحة
من جهته، يرى المحلل السياسي أحمد السهيل أن لهذا التفجير المزدوج عدة دلالات، أهمها أنه يأتي في وقت تتحدث فيه الحكومة عن إمكاناتها في ضبط الأمن في البلاد، معتبرا أنه سيضيف أعباء أخرى على الدولة في ضبط الأمن والسيطرة على السلاح.

وأضاف السهيل للجزيرة نت أن الخطر الأكبر يتعلق بإمكانية تزايد الخروقات الأمنية في الأيام المقبلة، الأمر الذي سينعكس سلبا على مستوى تحضيرات الحكومة لانتخابات آمنة، فضلا عن إمكانية مساهمة الخروقات في تحفيز واستعادة الخطابات الطائفية.

وأشار إلى أن توقيت هذا التفجير المزدوج بالتزامن مع وصول جو بايدن إلى السلطة في أميركا ربما يمثل تنبيها لإدارة بايدن من أجل الالتفات سريعا إلى ملف العراق، مع إمكانية أن تعمل أي خروقات مستقبلية على تقويض التوصل إلى حلول مع الفصائل المسلحة.

المصدر : الجزيرة