من الرفض إلى التسليم للواقع.. هكذا واجه مسلمو الهند إصرار الهندوس على هدم مسجد بابري

Muslims pray for peace ahead of verdict on a disputed religious site in Ayodhya, inside a mosque premises in Ahmedabad
مسلمون هنود يتضرعون إلى الله قبل قرار المحكمة بخصوص مسجد بابري (رويترز-أرشيف)

طوال النزاع حول المسجد البابري -الذي بدأ حين وضعت فيه التماثيل وتم تحويله من الناحية العملية إلى معبد هندوسي ليلة 22-23 ديسمبر/ كانون الأول 1949- بنى مسلمو الهند استجابتهم للتحدي على العفوية أحيانا، والسعي وراء سراب المستحيل أحيانا أخرى.

فبعد الضجة التي ثارت حول وضع التماثيل، نام مسلمو الهند ولم يلجؤوا إلى القضاء إلا سنة 1961 وبعدها أيضا تركوا القضية نائمة منسية في المحاكم، إلى أن اكتشفت المنظمة الهندوسية العالمية عام 1984 أن قضية بناء "معبد راما" (مكان المسجد حاليا) ستكون حاسمة وقادرة على إثارة مشاعر الهندوس، وبالتالي صالحة لاستغلالها سياسيا.

إصرار على عدم التنازل

من البداية أصرت قيادة مسلمي الهند على عدم التنازل ولو عن بوصة من أرض المسجد عندما كان الطرف الهندوسي راضيا بمقاسمة الأرض، وبأن يقوم المعبد جنبا إلى جنب المسجد.

وكان الشيخ الراحل أبو الحسن علي الندوي قد توصل مع قادة الهندوس الدينيين إلى تسوية على هذا الأساس، ولكن القيادات الإسلامية المتحمسة رفضت هذه التسوية وأصرت على أن "المسجد سيظل مسجدا حتى يوم القيامة، وأن أرض المسجد تمتد من الأرض إلى السماء".

كما رفضوا اقتراحا آخر بأن تبنى عمارة المعبد فوق مبنى المسجد البابري، بحيث يبقى المسجد على حاله على الأرض ويستخدم البناء العلوي معبدا.

ورفض قادة المسلمين اقتراحا بنقل مبنى المسجد البابري لموقع قريب آخر بعد قطعه إلى أجزاء وإعادة تركيبه مرة أخرى في الموقع الجديد.

وقيل للطرف المسلم إن هناك أمثلة في السعودية لهدم المساجد أو نقلها لشق الطرق أو توسعة الشوارع، فرفضوا قائلين "إن المسجد يظل مسجدا للأبد ولا يجوز نقل مكانه" ورفضوا اقتراحا بتحويل أرض المسجد بعد هدمه إلى حديقة أو متحف.

وظل إصرار المسلمين قائما، في وقت تزداد فيه الحركة الهندوسية قوة على قوة في كل انتخابات جديدة أقيمت في البلاد منذ منتصف الثمانينيات، إلى أن جمع دعاة المعبد نحو نصف مليون من الغوغاء وقاموا بهدم المسجد في 6 ديسمبر/كانون الثاني 1992.

Indian Prime Minister Narendra Modi
مودي شارك في وضع أساس معبد رام الذي بني على أنقاض مسجد البابري (الأناضول)

القوميون الهندوس في الحكم

بعد مشاركة الحزب الهندوسي القومي المتطرف (بهاراتيا جاناتا) في الحكومة المركزية خلال سنوات 1999-2004 جرت عدة محاولات ليقوم المسجد والمعبد جنبا إلى جنب على أرض المسجد البابري، ولكن المسلمين استمروا رافضين لأية تسوية مصرين على استعادة الأرض بكاملها وبناء مسجد بابري جديد عليه.

وفي هذه الأثناء وصلت القضية إلى المحكمة العليا في مدينة إله آباد، والتي حكمت سنة 2010 بتقسيم أرض المسجد إلى ثلاثة أجزاء وأعطت جزأين للهندوس وجزءا للمسلمين.

رفض المسلمون الحكم واستأنفوا القضية بالمحكمة العليا، وفي هذه الأثناء وصل الحزب المتطرف إلى سدة الحكم وشكل الحكومة في مايو/أيار 2014 برئاسة ناريندرا مودي المعروف بإشرافه على مذابح المسلمين بولاية كوجرات عام 2002.

رفضت المحكمة الاستئناف، وقالت كلمتها بالحكم الصادر في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 والذي أعطى أرض المسجد البابري بكامله للهندوس، وأمر بإعطاء المسلمين قطعة أرض في مكان آخر لبناء مسجد بديل هناك.

وجاء قرار المحكمة العليا المجحف هذا رغم اعترافها في حيثيات الحكم بأن المكان كان مسجدا لأكثر من ثلاثة قرون، وأن وضع الأصنام فيه كان جريمة وأن هدمه لاحقا كان جريمة أيضا.

قبول قرار المحكمة

هنا لم يكن أمام المنظمات والقيادات الإسلامية من خيار إلا قبول قرار المحكمة العليا، لأنهم كانوا قد أعلنوا مسبقا أنهم سيقبلون بالحكم أيا كان.

وقد استأنفت المنظمات الإسلامية القضية أمام المحكمة العليا طالبة إعادة النظر في الحكم، إلا أن الأخيرة أعلنت أن باب القضية قد أقفل ولا سبيل إلى فتحه من جديد.

وكان الطريق الآن مفتوحا لبناء المعبد، فقامت الحكومة من فورها بإنشاء منظمة لبناء وإدارة المعبد وفتحت أبواب الخزينة العامة لمشاريع تجميل وتحسين المدينة لجعلها مركزا لهندوس العالم.

ولجأت قيادات المسلمين إلى تجاهل هذا التطور أو تسجيل اعتراض خفيف على إنشاء منظمة لبناء وإدارة المعبد، ثم سكتت على قرار رئيس الوزراء بحضور حفل وضع حجر أساس المعبد.

ويمكن القول إنه بصورة عامة سكتت المنظمات الإسلامية والأحزاب الصغيرة المحسوبة على المسلمين، أو أصدرت بيانات إدانة خفيفة باستثناء النائب أسد الدين أويسي رئيس "مجلس اتحاد المسلمين" وهو حزب سياسي صغير، فقد قال إن مودي بمشاركته حفل وضع حجر أساس المعبد قد جرح كرامة منصبه، وقال إن هذا يوم هزيمة الدستور الهندي.

ومن المفارقة أن إقبال أنصاري، وهو أحد الفرقاء الرئيسيين في قضية المسجد البابري عن المسلمين، قد شارك في حفل  وضع أساس المعبد، قائلا إن القضية قد حسمت الآن وهو يشارك في حفل وضع الأساس ليظهر أن المسلمين ليسوا ضد المعبد.

A supporter of ruling Bharatiya Janata Party (BJP) holds a model of proposed Ram Temple in Ayodhya as they celebrate the stone laying ceremony, in New Delhi
غلاة الهندوس يطالبون بهدم آلاف المساجد (رويترز)

موقف قيادات المسلمين

عبر مجلس الأحوال الشخصية الإسلامية -الذي أناط به مسلمو الهند مسؤولية إدارة قضية المسجد عقب هدمه- في بيان له عقب إعلان مودي مشاركته في حفل وضع حجر أساس المعبد "إن المسجد يظل مسجدا حتى يوم القيامة، ووضع الأصنام فيه أو هدمه أو منع الصلاة فيه لفترات طويلة لا يغير من (حقيقة وجود) المسجد".

وقال أمين عام المجلس الشيخ محمد ولي الرحماني إن قرار المحكمة العليا كان عملا غير قانوني وظالما، لأنها أصدرت حكما جائرا رغم قبولها بكل الحقائق المتعلقة بالمسجد.

كما أصدرت قيادات مسلمي الهند بيانا مشتركا يوم 5 أغسطس/آب ناشدت فيه المسلمين "بالصبر والتحمل والتعقل" وطلبت منهم أن يحترموا القضاء رغم إجحافه بحق المسلمين.

ويرى مسلمو الهند أن تنازلهم عن المسجد البابري سيفتح الباب على مصراعيه ليطالب الهندوس بمساجد أخرى، وهو ما حدث فعلا، إذ جدد الهندوس مطالبهم القديمة لاستعادة مسجدين آخرين.

كما أعد غلاة الهندوس قائمة بثلاثة آلاف مسجد في أنحاء البلاد يدعون أنها بنيت بعد هدم معابدهم، ولذلك لابد من استعادتها وتحويلها إلى معابد، وهذا يعني أن مطالب الهندوس لن تنتهي بالمسجد البابري.

المصدر : الجزيرة