بعد "يوم الفتنة".. كيف نجا لبنان بسلمه الأهلي؟

من مواجهات وسط بيروت يوم السبت الماضي

لم يتفق اللبنانيون في تاريخهم السياسي على قراءة وطنية واحدة حول قضايا متنوعة ومتعددة تخص بلدهم أو حتى علاقاته الخارجية، وذلك حسب مراقبين يرون أنها حالة متجذرة في الحياة السياسية اللبنانية وليست وليدة الساعة أو المرحلة الآنية.

فالانقسام العمودي في المجتمع اللبناني المتأتي من تركيبة النظام السياسي وأحزابه الطائفية والمذهبية وامتداداتهما الخارجية، كاد أن يودي بالبلاد إلى الهاوية جراء الانقسام حول عناوين سياسية واجتماعية واقتصادية، حسب الباحث السياسي نضال خالد.

ويضيف خالد للجزيرة نت أن لبنان كاد أن ينزلق نحو اقتتال أهلي إثر مواجهات محدودة يوم السبت الماضي في بيروت بين مجموعات شبابية تناصر قوى حزبية وشخصيات سياسية ورجال أعمال، مختلفة فيما بينها على قضايا وعناوين سياسية واقتصادية، وحسابات خاصة بها داخل أحزابها وتياراتها وحضورها المناطقي.

الجيش اللبناني يفصل بين موالين لقوى سياسية (الجزيرة)

لجم التوتر
وكانت الاتصالات السياسية التي جرت على مختلف المستويات بين قادة الأحزاب والتيارات، وبين رجال الدين من مختلف الطوائف، قد نجحت في لجم التدهور وتوفير الدعم السياسي للقوى الأمنية لوقف "المناوشات".

وكانت هذه المناوشات قد اندلعت بين مناصرين لشخصيات من الطائفة السنية وآخرين مناصرين لحزب الله وحركة أمل، كما وقعت توترات وتبادل للرشق بالحجارة بين مناصرين للحركة والحزب وآخرين من مؤيدي حزبي الكتائب والقوات اللبنانية.

وكانت مجموعات موالية لأحزاب لبنانية وقوى سياسية وشخصيات قد شاركت في تجمعات احتجاجية يوم السبت الماضي وسط بيروت مطالبة بنزع سلاح حزب الله، مما أثار توترا ومواجهات محدودة مع مجموعات مناصرة للحزب، وأخرى مع مجموعات من الحراك الشعبي كانت تتجمع أيضا وسط العاصمة مطالبة بانتخابات نيابية مبكرة ومحاكمة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة.

وأجج بث أشرطة مصورة وتسجيلات صوتية على منصات التواصل الاجتماعي تتناول مقدسات إسلامية، وأخرى تطال رموزا دينية مسيحية، وثالثة نالت من رموز وشخصيات سياسية ودينية شيعية، التوتر في أكثر من منطقة داخل أحياء بيروت، سرعان ما عملت المرجعيات الرسمية وقادة الأحزاب بمختلف توجهاتها، على لجمه وتأمين الغطاء السياسي للقوى الأمنية للتدخل وضبط الوضع أمنيا.

تراكمات مزمنة
وفي هذا السياق، يقول الباحث نضال خالد إن ما جرى في بيروت السبت الماضي "ليس وليد ساعته، بل هو نتيجة تراكمات سياسية وطائفية وتعبئة متأتية من خطاب سياسي تتحمل مسؤوليته كافة القوى في البلاد".

ويضيف خالد في حديثه للجزيرة نت أن ما وصف "بيوم الفتنة" في العاصمة بيروت، تقف خلفه جهات محلية وخارجية لها مصلحة في إذكاء الخلاف بين اللبنانيين المنقسمين أساسا حتى على "أتفه الأمور في أصغر زقاق في قرية لبنانية نائية".

ووضع المتحدث ما جرى في خانة تبادل الرسائل بين القوى المحلية وفق أجندة حساباتها السياسية المحلية والإقليمية، واستخدام فائض قوتها في الشارع للتحذير من عواقب وخيمة ما لم تنل مبتغاها، أو إذا مُسّ بما تمتلكه من حيثيات متنوعة الأهداف.

هواجس الطوائف
من جهته، يرى الباحث السياسي ميشال أبو نجم أن هناك تربة خصبة في البلاد تسمح للبعض بالاستثمار في الهواجس الطائفية.

ويقول للجزيرة نت إن ما جرى يوم السبت الماضي في بيروت أظهر وجود هواجس عند البيئة السنية الرافضة لحكومة حسان دياب وتركيبتها السياسية، وأظهر بوضوح مخاوف البيئة الشيعية من الضغط الدولي ومطلب نزع سلاح حزب الله.

ويضيف أبو نجم أن ما جرى لا يبرر عمليات العنف، لافتا إلى وجود قوى سياسية على ضفاف الحراك الشعبي تريد الاستثمار في هذا الحراك لتحسين مواقعها السياسية.

ويتابع أن الأجهزة الأمنية "فككت" مجموعات كانت تريد إحداث أعمال عنف في البلاد، و"ربما بتوجيهات من جهات دولية وإقليمية لتأجيج الوضع اللبناني".

واعتبر أبو نجم أن لبنان يتجه نحو مزيد من التحديات المكلفة، مطالبا "القوى الواعية" بتفعيل حضورها لحماية البلاد وإخراجها من استقواء طائفة ضد أخرى.