واشنطن بوست: ردّ فعل نتنياهو على فوز بايدن مقيت وسيضرّ بالعلاقات الأميركية الإسرائيلية

المقال: نتنياهو ماضٍ بعزم في تبني إستراتيجية حيال واشنطن لم يسبقه إليها أي زعيم آخر لدولة حليفة، وهي الاصطفاف الصريح إلى جانب الحزب الجمهوري والنيل من الرؤساء الديمقراطيين المتعاقبين (رويترز)

وصفت صحيفة واشنطن بوست (Washington Post) ردّ فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على فوز جو بايدن بانتخابات الرئاسة الأميركية التي جرت الشهر الماضي، بالمثير للاشمئزاز.

وفي مقال نشرته الصحيفة الاثنين، أشار الكاتب جاكسون ديهيل إلى أن أغلب نواب الحزب الجمهوري بالكونغرس تبنوا وجهة نظر واحدة حيال فوز بايدن، حيث آثروا النأي بأنفسهم عن الاعتراف به رئيسا منتخبا، بينما أصدروا بيانات صيغت "لاسترضاء" الرئيس دونالد ترامب.

واستبق أولئك النواب تولي الإدارة الجديدة مقاليد الحكم ليشنوا قبل أسابيع من ذلك الهجوم عليها، بينما شرعوا في وضع العراقيل أمام السياسات التي من المحتمل أن يسنها بايدن.

وعلى الرغم من أن أساليب الأرض المحروقة هذه -والحديث لديهيل- تبدو مستهجنة عندما تأتي من معارضي بايدن في الداخل الأميركي، فإن المثير في الأمر أن يتبناها أيضا زعيم دولة تعد من حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين في الخارج: "دولة تعتمد على دعم الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) لها بواشنطن في شكل معونات بمليارات الدولارات سنويا، وفي ضمان أمنها الحيوي".

ذلك الزعيم -بحسب كاتب المقال- هو بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل "الأطول بقاءً في منصبه والذي فاق حتى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ردّ فعله على فوز بايدن، والذي اتسم بوقاحته المغرضة".

اصطفاف

ووصف ديهيل التزام نتنياهو الحزبي تجاه ترامب قبل الانتخابات بالصارخ تماما، مثل تلك "اللافتة الضخمة" التي ضمت صورة الرجلين معا وانسدلت من إحدى البنايات في تل أبيب.

وعندما أشارت وسائل الإعلام الأميركية في 7 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى أن بايدن هو الفائز، انتظر نتنياهو حتى اليوم التالي ليهنئه علنا، لكن بعد أن سبقه بذلك حلفاء أميركا الآخرون المقربون.

ولفت ديهيل إلى أن نتنياهو لم يخاطب بايدن في تغريدة بالرئيس المنتخب، بل حتى لم يعترف صراحة بفوزه. وبعد 14 دقيقة من تغريدته تلك نشر رئيس الوزراء الإسرائيلي تغريدة منفصلة شكر فيها ترامب على "الصداقة التي أبداها تجاه دولة إسرائيل ولي شخصيا".

ومنذ ذلك الحين اتخذ نتنياهو "موقفا متشددا" إزاء إحدى قضايا السياسة الخارجية الرئيسية لبايدن، والمتمثلة في تعهده بإمكانية العودة للاتفاق النووي مع إيران.

ولما كان الاعتقاد السائد بأن إسرائيل تقف وراء عملية اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، فإن تصرفها "الاستفزازي" هذا لن يُبطئ استعادة إيران نشاطها النووي -إن لم يدفع بتعجيله- بما في ذلك تخصيبها لليورانيوم، كما يعتقد ديهيل في مقاله بواشنطن بوست.

ويضيف الكاتب أن اغتيال فخري زاده قد يقوض مسعى بايدن لإحياء العملية الدبلوماسية مع طهران.

سياسة النيل من الديمقراطيين

على أن الاستنتاج الأكثر منطقية برأي الكاتب، هو أن نتنياهو ماضٍ بعزم أشد في تبني إستراتيجية حيال واشنطن لم يسبقه إليها أي زعيم آخر لدولة حليفة، ألا وهي الاصطفاف الصريح إلى جانب أحد الحزبين -وتحديدا الحزب الجمهوري- وألا يألو جهدا في النيل من الرؤساء الديمقراطيين المتعاقبين، بينما يعتمد في الوقت نفسه على دعم الحزبين في الكونغرس لإسرائيل بالتصديق على حزم معونات بمليارات الدولارات سنويا.

ومع ذلك، ظل دعم الحزب الديمقراطي داخل الكونغرس لإسرائيل راسخا حتى عندما استهجن نتنياهو محاولات الرئيس السابق باراك أوباما العديدة للترويج لإنشاء دولة فلسطينية، عبر تجميد إسرائيل مستوطنات الضفة الغربية.

ويبقى السؤال عما إذا كان ذلك الدعم سيتغير في حال استمر نتنياهو في تحدي بايدن في وضح النهار. ويعتقد جاكسون ديهيل في مقاله أن انحياز نتنياهو للحزب الجمهوري ظل رويدا رويدا -وإن باطراد- يتسبب في تراجع التأييد له ولإسرائيل وسط أنصار الحزب الديمقراطي العاديين بمرور الزمن.

فقد أظهر استطلاع أجرته مجلة إيكونوميست بالتعاون مع مؤسسة يوغوف عام 2015، أن 19% فقط من الديمقراطيين ينظرون بإيجابية لنتنياهو، في مقابل 50% يحملون نظرة سلبية تجاهه.

وبحلول عام 2019 تغيرت تلك الأرقام، حيث جاءت نظرة 14% من الديمقراطيين تجاه رئيس الوزراء الإسرائيلي إيجابية و25% سلبية، بينما رأى 25% فقط من الديمقراطيين أن إسرائيل دولة حليفة للولايات المتحدة.

ويخلص ديهيل إلى القول إن بايدن ديمقراطي "من الطراز القديم، وله سجل طويل في موالاة إسرائيل ومعرفة قديمة بنتنياهو"، ولكن لا يبدو أنه يحمل ضغينة أكيدة له كالتي كان يضمرها له الرئيسان الأميركيان السابقان بيل كلينتون وأوباما.

ولكن إذا أدار له بايدن ظهر المجن، فإنه (أي الرئيس الأميركي المنتخب) سيحظى على الأرجح بدعم قوي من القواعد الشعبية لحزبه الديمقراطي.

وزبدة القول إن نتنياهو -الذي يواجه محاكمة جنائية بتهم تتعلق بالفساد وربما انتخابات مبكرة العام القادم- لا يظن على ما يبدو أن تحديه لبايدن سيضره بشيء.

قد يكون ذلك صحيحا، لكن من السهولة التكهن بالأضرار المستدامة التي سيلحقها نتنياهو بأساس العلاقات الأميركية الإسرائيلية، على حد تعبير جاكسون ديهيل في ختام مقاله بواشنطن بوست.

المصدر : واشنطن بوست