حقبة ما بعد صدام.. العراق ما زال يعاني من انتهاكات حقوق الإنسان

متظاهرو العراق يواصلون احتجاجهم تحت شعار "لا تراجع حتى تتحقق المطالب"
متظاهرو العراق طالبوا بالحرية وتثبيت حقوق الإنسان (الجزيرة)

"عندما تخلصنا من نظام صدام حسين، كنا نعتقد أن مرحلة الانتهاكات والإخفاء القسري والمقابر الجماعية ستنتهي" هكذا يقول إسماعيل سعد عضو المرصد العراقي لحقوق الإنسان، وهي منظمة غير حكومية معنية برصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في العراق.

كان سعد، وهو من جيل الشباب، يعتقد أن أيام ما بعد 9 أبريل/نيسان 2003 ستكون خالية مما كان قبلها، من قمع ومقابر جماعية وإخفاء قسري وغيرها من الانتهاكات، لكنه لم يكن يعلم بأنها "ستتفاقم" على حد تعبيره.

منذ عام 2003 شهد العراق انتهاكات يصفها عضو المرصد العراقي لحقوق الإنسان بـ "الفظيعة" ويقول للجزيرة نت "الجميع اشترك بانتهاك حقوق الإنسان، الجماعات الإرهابية، والجماعات المسلحة المؤيدة والتابعة للأحزاب، وكذلك السلطة. انتهاكات حقوق الإنسان عامل مشترك بين هؤلاء".

عراقيون فقراء
ملايين العراقيين يعتمدون على المساعدات لمواجهة متطلبات الحياة (الجزيرة)

اليوم العالمي لحقوق الإنسان
ويحتفل العالم سنويا في 10 ديسمبر/كانون الأول باليوم العالمي لحقوق الإنسان، ويتذكر العراقيون هذا اليوم كل عام بطرق ساخرة أو جلد للذات على ما وصلوا إليه من أزمات أدت إلى تغييب حقوقهم.

وفقا لإحصائية صادرة عن الأمم المتحدة في يوليو/تموز 2016، فإن هناك نحو 170 ألف عراقي قُتلوا بسبب أعمال العُنف منذ عام 2003 حتى ذلك التاريخ، وهذه هي الأرقام المسجلة رسمياً في وزارة الصحة، لكن مصادر رسمية تحدثت عن أرقام مضاعفة.

يقول للجزيرة نت مصدر حكومي غير مخول بالتصريح "أعمال العُنف في البلاد حصدت ما لا يقل عن 260 ألف مدني منذ عام 2003 وحتى اليوم، هذا غير الإخفاء القسري والتغييب".

ويضيف أنه منذ عام 2014 وحتى اليوم هناك 6500 بلاغ رسمي عن حالات إخفاء قسري في المناطق التي خضعت لتنظيم الدولة الإسلامية، وقد يكون هذا الرقم هو 20% من الرقم الحقيقي، لكن ذوي المخفيين يخشون الإبلاغ لأسباب أمنية.

وحدها الاحتجاجات التي انطلقت في أكتوبر/تشرين الأول 2019، وحتى اليوم، خلفت ما لا يقل عن 560 قتيلا مدنيا، وفقا لهشام داود مستشار رئيس الحكومة.

دلير اعتبرت الحكومة سببا في تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان لعدم معاقبة الجناة (الجزيرة نت)

الهجرة
دفعت أعمال العنف هذه الشباب إلى مغادرة البلاد، فهاجر بين عامي 2015 و2020 نحو 600 ألف باتجاه أوروبا وأميركا وكندا وتركيا، عدا أولئك الذين هاجروا خلال الحرب الطائفية بين عامي 2006 و2007 وأعدادهم تقدر بمئات الآلاف.

ورغم وجود مؤسسات كثيرة حكومية وغير حكومية معنية بمتابعة ومراقبة ملف حقوق الإنسان، فإن ذلك لم يمنع من ارتكاب الانتهاكات وتفاقم أزمة البلاد الإنسانية، ويعود ذلك إلى "الإفلات من العقاب الذي تساهم فيه الحكومات العراقية" وفقاً لعضو مجلس النواب ريزان الشيخ دلير.

وتقول دلير للجزيرة نت "الحكومات العراقية كانت سببا في تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان، لأنها لم تعاقب الجناة، ولم تعمل على صون هذه الحقوق، كما أنها كانت سببا في ارتكاب بعض هذه الانتهاكات، وما حدث منذ أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي وحتى الآن خير دليل على ذلك".

ورغم عدم وجود إحصائيات رسمية، فإن هناك تقديرات تُشير إلى وجود نحو 250 ألف عراقي مختف قسرياً منذ عام 2003 وحتى اليوم، حيث يعتبر الإخفاء القسري واحداً من أبرز الملفات التي يواجها العراق دون وجود عمل حكومي لإنهائه بحسب حقوقيين.

وحسب المرصد العراقي لحقوق الإنسان، فإن المعلومات تشير إلى وجود نحو 25 ألف شخص، في المناطق المحررة من تنظيم الدولة، أخفوا قسريا منذ عام 2014 وحتى اليوم.

عضو مفوضية حقوق الانسان علي البياتي
البياتي اعتبر أن واقع حقوق الإنسان في العراق مترد جدا (الجزيرة نت)

وتوجه الاتهامات، بعمليات الإخفاء القسري، إلى الحشد الشعبي وجماعات مسلحة موالية لإيران، ورغم هذه الاتهامات فإن الحكومات العراقية لم تفتح أي تحقيقات لمعرفة مصير المخفيين قسراً.

يقول علي البياتي عضو مفوضية حقوق الإنسان، وهي مؤسسة وطنية "واقع حقوق الإنسان في البلاد مترد جدا، وهناك عوامل ومشاكل مركبة أدت إلى ذلك".

ويضيف للجزيرة نت أن العراقيين عانوا كثيرا منذ عام 2003 وحتى اليوم، من تفجيرات وإخفاء قسري ودخول تنظيم الدولة، وفقر وسوء خدمات، وهذا كله أدى إلى تراجع مؤشر حقوق الإنسان في البلاد.

موسى الأعرجي
الأعرجي: الاحتجاجات خرجت بكثافة لإعادة الكرامة للإنسان (الجزيرة نت)

من جهته، يقول موسى الأعرجي وهو أحد أبرز نشطاء الاحتجاجات "انتهاكات حقوق الإنسان ترتكب في العراق بشكل يومي، المليشيات والإرهاب والحكومة جميعهم يرتكبون هذه الانتهاكات بحقنا".

وفي حديث للجزيرة نت يوضح الأعرجي أن "الاحتجاجات، التي خرجنا بها من أجل أن نعيد كرامة الإنسان وحقوقه، ليست بطرا، فشباب العراق يغادرون البلاد يوميا بسبب ما يعيشونه من مأساة وظلم".

ومن جانبها تعتبر المنظمات الدولية، خاصة هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، العراق واحدا من البلدان التي تشهد انتهاكات "مروعة" لحقوق الإنسان، وقد تصل في بعض الأحيان إلى "جرائم حرب، جرائم إبادة جماعية" فبغداد "مدينة السلام" لم تعد مثلما كانت بسبب أعمال العنف التي شهدتها في العقدين الأخيرين.

المصدر : الجزيرة