في لقاء خاص للجزيرة نت.. الناطق باسم رئيس الوزراء العراقي يؤكد محاسبة قتلة المتظاهرين وعقد الانتخابات المبكرة

ملا طلال أكد أن الحكومة ماضية في محاسبة قتلة المحتجين (الصحافة العراقية)

أجرت الجزيرة نت حوارا مع أحمد ملا طلال المتحدث باسم رئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي حول عدة ملفات؛ منها مهام الحكومة الحالية، وتعهداتها للشارع العراقي بمحاسبة قتلة المحتجين ومحاربة الفساد، مرورا بالتحديات الطارئة الصحية والاقتصادية، وانتهاء بموقفها من التطبيع مع إسرائيل.

الناشط عمر فاضل أثار مقتله الأسبوع الماضي في البصرة احتجاجات عارمة (مواقع التواصل)


ضحايا ومتهمين

في آخر تطور على مستوى الاحتجاجات، شهدت محافظة البصرة (جنوب) الأسبوع الماضي حالة من الغليان، بعد مقتل الناشط عمر فاضل في ساحة البحرية؛ الأمر الذي ذكّر بمقتل ناشطين اثنين في ساحة التحرير ببغداد، بعد نحو شهرين على تشكيل حكومة الكاظمي.

ويقول ملا طلال إن التحقيقات في حوادث القتل الثلاثة، أثبتت تورط 3 متهمين، ألقي القبض عليهم خلال 24 ساعة بعد وقوع جرائمهم، وهم الآن خلف القضبان، مبينًا أن هذا الإجراء السريع هو الفارق الكبير بين الحكومة الحالية وأي حكومة سابقة.

وأشار إلى أن الحكومة تعمل على مبدأ أساسي، وهو حماية المتظاهرين وحقهم الدستوري، وقامت بإجراءات كثيرة على مستوى تغيير بعض القيادات الأمنية، وعلى مستوى إعادة هيكلة قوات حفظ القانون، التي تسببت -ولعدم امتلاكها المهنية، وبفعل تشكيلها المرتبك- في الكثير من الحوادث بعد زجها في مواجهة الجمهور الغاضب.

وبيّن أن تلك الإجراءات رسالة للمحتجين بأن الحكومة -وحسب واجبها- ستحميكم وتحمي حقكم الدستوري في التظاهر السلمي، وهي حريصة على تنفيذ القانون في حالة اختراق جهات مغرضة صفوفهم.

وتأتي هذه الجرائم لعدم المهنية من قبل بعض عناصر الأمن، أو احتمال دفعهم من جهات أخرى، أو قد تكون لدى هؤلاء نوازع شخصية، كما يقول ملا طلال.

القوات الأمنية أثناء إخلائها ساحة التحرير في بغداد وفتح جسر الجمهورية القريب من الساحة قبل أسبوعين (الجزيرة نت)


مستقبل الاحتجاج

مؤخرا، رفعت القوات الأمنية عشرات الخيم، وفتحت جسر الجمهورية القريب من ساحة التحرير (وسط بغداد)، الذي أغلقه المتظاهرون عاما كاملا، وسط حديث عن التوجه إلى العمل السياسي وترك الساحات لتفويت الفرصة على المندسين، كما يؤكد ناشطون في الاحتجاجات.

واعتبر ملا طلال أن "انتفاضة تشرين" تمثل انعطافة مهمة في المزاج الاجتماعي، كما أنها تعبر عن موقف واضح سجله الشباب العراقي تجاه الطبقة السياسية، وأحدثوا تغييرات مهمة ما كانت ستحدث لسنوات، بينها فرض قانون انتخابي جديد.

وأضاف ملا طلال أن تفشي وباء كورونا تسبب في تراجع الاحتجاجات قليلا، وتأمل الحكومة من الشباب الواعي السلمي إكمال الطريق، عبر التنظيم سياسيا، مشيرا إلى أنه دعاهم -بصفته الشخصية- لذلك أكثر من مرة حتى لا تخلو الساحة للأحزاب والقوى التي خرجوا اعتراضا على أدائها في السابق.

مكافحة الفساد
شكل رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، منذ شهرين، لجنة عليا للتحقيق في قضايا الفساد الكبرى والجرائم الاستثنائية، وبإسناد مباشر من جهاز مكافحة الإرهاب.

ويوضح المتحدث باسم رئيس الحكومة أن لجنة مكافحة الفساد أعطيت صلاحيات كبيرة، وتختص بملفات قد تطيح بها البيروقراطية الموجودة في مؤسسات أخرى، مثل هيئة النزاهة، من دون إلغاء دور الأخيرة.

وأضاف ملا طلا أن اللجنة تعمل منذ شهرين بسرية ومهنية تامة، وقضاة التحقيق أصدروا أوامر قبض بحق أكثر من 20 شخصية، بينها شخصيات معروفة وثقيلة في الدولة، مشيرا إلى أنه ستفتح خلال الأسابيع القادمة ملفات شخصيات مهمة متهمة بالفساد.

الكاظمي أثناء زيارة سابقة لسنجار (المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء)


سنجار والخلافات حولها

أثار الاتفاق بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان العراق بشأن الوضع في قضاء سنجار التابع لمحافظة نينوى (شمالي العراق) وإعادة النازحين إليه برعاية الأمم المتحدة؛ ردود فعل سياسية عراقية متباينة بين مؤيدة ومعارضة.

ورأت أحزاب وجهات سياسية عراقية الاتفاق حلا مثاليا لإعادة الاستقرار في سنجار، وأنها تجربة يمكن تطبيقها في مناطق أخرى من البلاد، في حين وصفت جهات أخرى الاتفاق بأنه إذعان من بغداد لإقليم كردستان العراق.

وإزاء ذلك يقول ملا طلا إن اتفاق سنجار حالة خاصة، لخصوصية المنطقة، ولا يمكن تطبيقه في مناطق أخرى، وجرى التعامل بهذا الاتفاق وفق حاجة المنطقة ذات التعقيد السياسي البالغ، والذي ازداد بعد دخول تنظيم الدولة الإسلامية وما تعرض لها الإيزيديون من مأساة.

وأضاف أن الحكومة كان لزاما عليها تحمل مسؤوليتها، وتطرد الوافدين إلى تلك المنطقة، الذين استغلوا ظروف التعقيد الأمني والسياسي بعد دخول تنظيم الدولة، وستكون السيطرة الكاملة على الملف الأمني بيد الحكومة الاتحادية، بالتنسيق مع حكومة كردستان.

وأشار إلى أن الاتفاق سيعيد لسنجار الاستقرار اللازم وإعادة الإعمار وعودة الأهالي، ويكون أبناء سنجار هم رأس الحربة في حمايتها، بعدما تضمن الاتفاق تعيين 2500 عنصر أمن من أهالي المنطقة، ضمن القوات الأمنية الاتحادية الموجودة هناك.

الكاظمي يتوسط رئيس مكافحة الإرهاب ورئيس جهاز الأمن الوطني (المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء)


قتلة المتظاهرين

وبالنسبة لملف محاسبة قتلة المتظاهرين الذين سقطوا في جذوة الاحتجاجات العام الماضي، كأحد أكثر الملفات التي يطالب المحتجون بها، أوضح المتحدث أن ذلك يعد أحد أهم بنود المنهاج الحكومي.

وأضاف أن فريقا خاصا لتقصي الحقائق شُكل مؤخرا -يتكون من مجموعة قضاة مشهود لهم بالكفاءة- باشر عمله، وأعطيت له صلاحيات كبيرة، بينها حق الوصول للمعلومة، وحق استدعاء الشهود والمسؤولين الأمنيين.

وحسب إحصاءات رسمية، بلغ عدد قتلى الاحتجاجات نحو 560 شخصا، بينهم أفراد من القوات الأمنية، وفي حين أصيب الآلاف بجروح، تعرض المئات إلى إعاقات جسدية.

وتابع ملا طلال أن الفريق في طريقه للكشف شيئا فشيئا عن كل الملابسات التي رافقت "أحداث تشرين" في العام الماضي، بما فيها اغتيال الناشطين خارج الساحات، واغتيال المتعاطفين والمساندين للاحتجاجات.

الكاظمي أثناء زيارته عائلة هشام الهاشمي (المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء)


هشام الهاشمي

وأثار مقتل الباحث العراقي والخبير في شؤون الجماعات الجهادية هشام الهاشمي، في يوليو/تموز الماضي ببغداد، على يد مسلحين مجهولين؛ موجة من الغضب والاستنكار على المستويين الشعبي والسياسي، فضلا عن مخاوف حول حرية التعبير في العراق.

يقول ملا طلال إن هناك خصوصية لاغتيال الهاشمي، لما تحمله هذه الشخصية من خصوصية واهتمام داخلي ودولي.

وأكد أن الحكومة وصلت إلى معلومات لا يمكن البوح بها الآن، وقد تفيد لاحقا بالوصول للجناة، مبينا أن رئيس الوزراء وعد بالوصول إلى الجناة وتسليمهم للعدالة.


التطبيع مع إسرائيل

في ملف التعامل مع إسرائيل، أو إقامة علاقات معها، يؤكد العراق التزامه بقرارات القمة العربية، سواء قمة 2002 في بيروت، أو القمة العربية في بغداد 2012.

ومع توقيع البحرين والإمارات اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل، وكذلك السودان؛ أكد ملا طلال أن موقف بغداد يعتمد مبدأ احترام سيادة كل دولة وقراراتها، وليس للعراق التدخل في قرارات ومواقف أي دولة تراها مناسبا لها.


الاستثمار السعودي

وفي مسعاها لتعظيم الموارد من خلال استقطاب الاستثمارات الخارجية، تواجه تفاهمات الاستثمار السعودي في العراق عقبات عدة، أبرزها رفض بعض القوى المقربة من إيران استثمار السعودية الشريط الحدودي بين البلدين، معتبرة إياه تهديدا خطيرا يمس أمن العراق.

ويقول الناطق باسم رئيس مجلس الوزراء إن هناك معايير محددة تعتمدها الحكومة لانفتاح علاقاتها الدولية، وهذه المعايير تعتمد المصالح المشتركة واحترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ونهج هذه الحكومة وضع مصلحة الشعب العراقي أولا.

وبيّن أن المجلس التنسيقي العراقي السعودي توصل إلى تفاهمات مهمة في المجال الاقتصادي وفي وقطاعات أخرى، تخص التجارة والزراعة والاستثمار والصناعات الغذائية، مشيرًا إلى أن الحكومة أكدت حرصها على توفير كل الظروف الملائمة للاستثمار، وهذا ينطبق على كل دول الخليج بصورة عامة.


الإخوان المسلمون

والشهر الماضي، رفض العراق تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، بعد طلب من مصر، ويوضح ملا طلال أن مسألة الإخوان هذه أثارتها بعض وسائل الإعلام بطريقة تفتقر إلى الدقة، مبينا أن الجماعة في العراق متمثلة في الحزب الإسلامي وبعض القوى الأخرى، وهي جزء أساسي من العملية السياسية منذ 2003، وهناك 4 شخصيات من الإخوان المسلمين تسلمت منصب رئاسة مجلس النواب العراقي.

وأضاف ملا طلال أن تصنيف بعض الدول الإخوان منظمة إرهابية هو شأن يخص تلك الدول، وليس للعراق التدخل في شؤونها، موضحا أن تصنيف العراق جهة ما على قائمة الإرهاب يعتمد على نشاطها الذي تقوم به، مؤكدا أنه لم يثبت عراقيا أن الإخوان المسلمين -وهم جزء مهم ومؤسس للعملية السياسية في العراق- قد مارسوا أعمالا إرهابية.

جلسة سابقة للبرلمان العراقي (الجزيرة)


الأزمة الاقتصادية

وفي خطوة كثرت التفسيرات والتحليلات السياسية والاقتصادية حولها، أطلقت الحكومة العراقية مؤخرا ما أسمتها "الورقة البيضاء" لإصلاح الوضع الاقتصادي في البلاد، في ظل أزمة رواتب الموظفين بسبب عدم وجود سيولة مالية.

ويقول المتحدث باسم رئيس مجلس الوزراء إن الحكومة ورثت وضعا اقتصاديا مأساويا لا تحسد عليه، نتيجة سنوات من السياسات المتخبطة وسوء التخطيط، وتزامن كل ذلك مع تفشي كورونا، وانخفاض أسعار النفط عالميا.

وأضاف أن خطة الحكومة لتحقيق التنمية الاقتصادية عبر "الورقة البيضاء"، لاقت ترحيبا واهتماما من الحريصين الذين دققوا ووجدوا أنها خطة طموحة لإصلاح الاقتصاد العراقي.

ولفت إلى أن الحكومة تفاجأت خلال جولة لوفدها في عدة دول أوروبية بترحيب مسؤولي هذه الدول "بالورقة البيضاء"، وقيل إنه مع تطبيق هذه الرؤية الإصلاحية سيتمكن العراق خلال 5 سنوات من أن يكون أحد أهم الاقتصادات في المنطقة.

واعتمد العراق في مسودة ميزانيته لعام 2020 على سعر متوقع قدره 56 دولارًا للبرميل، ومع انخفاض الأسعار انخفض صافي دخل العراق بنسبة 65% مقارنة بالعام الماضي؛ مسببًا عجزا شهريا قدره 4 مليارات دولار مخصصة لدفع الرواتب والحفاظ على استمرارية عمل الحكومة، لتندلع أزمة تأخر صرف الرواتب، مما دفع الحكومة إلى اللجوء للاقتراض الداخلي.

وبعد حوارات ماراثونية، أقر البرلمان العراقي أمس الخميس قانون الاقتراض الداخلي والخارجي، بقيمة 12 تريليون دينار (10 مليارات دولار)، في مسعى لإنهاء أزمة تأخر صرف رواتب موظفي الدولة المستمرة منذ نحو شهرين.

وبعدها أعلن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، اليوم، صرف راتبي أكتوبر/تشرين الأول الماضي ونوفمبر/تشرين الثاني الجاري دفعة واحدة للموظفين.


الانتخابات المبكرة

كانت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أكدت في الأول من أغسطس/آب الماضي استعدادها لإجراء الانتخابات المبكرة في الموعد الذي حدده الكاظمي في السادس من يونيو/حزيران المقبل بشروط؛ بينها تهيئة الموازنة الانتخابية وتوفير الرقابة الأممية.

ويؤكد الناطق باسم رئيس الوزراء أن الحكومة -ومنذ اليوم الأول من عمرها- شكلت فريقا خاصا بالانتخابات، وهو على تواصل دوري مع الفريق والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات.

وبيّن أن الحكومة ستلتزم بموعد الانتخابات، وتعمل على تهيئة ظروف انتخابية واقعية، تعكس تمثيلا حقيقيا لإرادة المواطنين، وفق معايير دولية.

المصدر : الجزيرة