الجزيرة نت من قلب ساحة التحرير ببغداد بعد إخلائها من مظاهر الاحتجاج وسيطرة الأمن العراقي

Tahrir Square now opened to traffic
جرافة تابعة للأمن أثناء إزالتها الخيم ومتعلقات المحتجين بساحة التحرير (الأناضول)

حزينا، يجلس محمد تحسين تحت نصب الحرية (وسط ساحة التحرير، مركز الاحتجاجات في العاصمة العراقية) ببغداد، في المكان الذي كان نصب فيه خيمة اعتصامه مع زملائه منذ عام مضى، في جذوة الاحتجاجات الأعنف في تاريخ العراق الحديث.

حتى مساء أمس، ومع إحياء الذكرى الأولى للمظاهرات العراقية، التي انطلقت في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، واستمرت اعتصاماتها بعد الإطاحة بالحكومة السابقة برئاسة عادل عبد المهدي؛ رفعت القوات الأمنية عشرات الخيم، وفتحت جسر الجمهورية القريب من الساحة، الذي أغلقه المتظاهرون عاما كاملا، وسط جدل بين الناشطين والمؤيدين للاحتجاجات، ومباركة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.

Authorities remove protest tents on Tahrir square and reopen major bridge in Baghdad
ساحة التحرير بعد فتح محيطها أمام حركة السيارات والمارة (رويترز)


مندسون

قبيل يوم إحياء ذكرى اندلاع الاحتجاجات في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وعلى خلفية تسريبات تحدثت عن مخططات لتصعيد وصدام مع القوات الأمنية، اتخذت القوات إجراءات مشددة، تمثلت في منع حافلات المتظاهرين القادمين من المحافظات الجنوبية من دخول بغداد، وفرض أطواق تفتيش أمنية بمحيط التحرير، فضلا عن نشر قوات إضافية بمنطقة العلاوي، القريبة من المنطقة الخضراء، شديدة التحصين.

وأكد محمد تحسين للجزيرة نت تردد جماعات غريبة على الساحة طوال الأسبوع الذي سبق الذكرى الأولى لانطلاق الموجة الثانية للاحتجاجات.

وبالفعل شهد ذكرى اندلاع المظاهرات تصعيدا "غير متفق عليه"، تخللته صدامات استخدم فيها بعض المحتجين قنابل يدوية حارقة من نوع (مولوتوف) تجاه القوات الأمنية، الأمر الذي استهجنه عدد كبير من المعتصمين والناشطين المعروفين في الساحة، وهو ما كان سببا كافيا لإنهاء الاعتصام ورفع الخيام، كما يضيف تحسين، الذي جلس بعد رفع خيمته تحت نصب التحرير، موقدا شمعة على أرواح من سقطوا في المظاهرات.

Authorities remove protest tents on Tahrir square and reopen major bridge in Baghdad
قوات الأمن أثناء إخلاء ساحة التحرير من الخيم (رويترز)


معركة جديدة

وتحولت المظاهرات العراقية إلى اعتصام مفتوح بعد استقالة حكومة عبد المهدي، ومع تفشي فيروس كورونا في البلاد بدأ الانسحاب التدريجي من الساحة، وذلك بالتزامن مع تكليف مصطفى الكاظمي برئاسة الحكومة الحالية.

ويقول مصدر أمني إن موعد فتح ساحة التحرير جرى بالاتفاق مع المتظاهرين منذ أسبوع، مبينا أن "القوات التي دخلت الساحة رافقها عدد من الشباب المعتصمين، وقاموا بإبلاغ القوات الأمنية ببعض المطلوبين والمتسببين في أعمال العنف الأخيرة.

وأضاف المصدر -في حديث للجزيرة نت، والذي اشترط عدم ذكر اسمه- أن القوات الأمنية اعتقلت في نفق التحرير 15 شخصا مطلوبا، ومتهما باستخدام قنابل يدوية حارقة في الصدامات مع القوات المرابطة على جسر الجمهورية القريب من الساحة.

تنسيق وتفاهم
وأكد الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى رسول، السبت، أن إعادة فتح ساحة التحرير وجسر الجمهورية (وسط بغداد) جاء بالتنسيق مع المتظاهرين السلميين.

بدوره، علق رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي على فتح ساحة التحرير بأن ‏الانتخابات الحرة النزيهة هي موعد التغيير.

وقال الكاظمي في تغريدة له "شبابنا في ساحة التحرير ضربوا أروع الأمثلة الوطنية طوال عام كامل، واليوم يؤكدون شموخهم الوطني بإبداء أقصى درجات التعاون، لفتح الساحة أمام حركة السير وإعادة الحياة الطبيعية".

وأضاف أن "‏الانتخابات الحرة النزيهة هي موعد التغيير القادم الذي بدأه الشباب بصدورهم العارية قبل عام، ‏العراق لن ينسى شبابه".

ويشير الناشط أحمد الحسيني إلى إن مظاهرات أكتوبر/تشرين الأول لا تُختزل برفع خيم المعتصمين أو إعادة فتح الشوارع والجسور المغلقة تعبيرًا عن الاحتجاج، مبينا أن "مظاهرات تشرين تعتبر أول إضافة عراقية خالصة بعد 17 سنة من التنكيل والعبث والفوضى، وهي معارضة واضحة وصريحة تسمي الفاسدين بأسمائهم، وتوجه أصابع الاتهام بكل صلابة وجرأة للمتسببين بإهدار الأرواح والأموال في البلاد".

وأضاف الحسيني للجزيرة نت أن حركة الاحتجاجات أفرزت -ولأول مرة- تيارا شعبيا يرفض الطائفية بكل صراحة، وينادي بالمواطنة، "وهي حالة لم تحدث منذ تأسيس الدولة العراقية ولغاية تشرين 2019".

استعداد للانتخابات
ويرى الناشط في ساحة التحرير محمد سليم أن "حركة الاحتجاجات لم تعد مجرد تظاهرة واعتصامات مفتوحة أو جسور مغلقة"، مبينًا أن "السواد الأعظم من المعتصمين أدركوا فرصة الدخول بالمعركة الجديدة وإحداث التغيير في الساحة السياسية".

وأضاف سليم للجزيرة نت أن "جميع القوى السياسية وجماعاتهم لا يريدون الوصول للانتخابات، وأمامهم منافسون من رحم التظاهرات، ويراهنون على إلهاء المحتجين وتضييعهم بالصدام والدماء الجديدة مع القوات الأمنية"، مشيرًا إلى أن "الجميع يراقب إمكانية دخول الشباب المحتج الانتخابات المقبلة برصيد شعبي مرتفع قادر على التأثير في الخارطة السياسية في البلاد وإنهاء تأثير الأحزاب الحالية".

وبين العاطفة والحسابات السياسية، يعتبر محمد تحسين -الذي يقضي آخر لحظاته تحت نصب التحرير- أن فتح الطرق الذي جاء على خلفية القرار برفع الخيام هو خطوة ضرورية لتفويت الفرصة على العناصر التي تريد خلط الأوراق ودفع المتظاهرين إلى صدامات ودماء جديدة.

محمد تحسين (وسط) مع محتجين آخرين يشعلون الشموع تحت نصب التحرير تخليدا لقتلى الاحتجاجات (الجزيرة نت)

وترى عناصر فاعلة في الاحتجاجات أن هذه الخطوة فرصة لإعادة التنظيم والتحضير لدخول العملية السياسية ومزاحمة الأحزاب والقوى الحاكمة، ونقل الفعل الاحتجاجي من الشوارع إلى أروقة العمل السياسي.

المصدر : الجزيرة