الانتحار بالعراق.. حالات متفاقمة وإجراءات حكومية "ترقيعية"

جسر 14رمضان-بغداد2
العراق الأول عربيا بمعدل المنتحرين، والظاهرة تُواجَه بإنشاء حواجز على الجسور!

وليد المصلح-بغداد

كثيرة هي القوانين والتشريعات التي تصدر ما بين الحين والآخر بزعم الحفاظ على حياة كريمة والذود عن حقوق تنتهك، فهي مسؤولية المشرع قبل أن تكون حقا من حقوق الفرد.

بيد أن ما يثير الغرابة والتعجب دأب تلك التشريعات على الحد من الفعل في مكان ما، وتركه ليمارس بحرية تامة في مكان آخر.

ولعل مقترح مجلس محافظة بغداد إنشاء حواجز بارتفاع مترين على جسور العاصمة لمنع حالات الانتحار المتزايدة، مثال حي على فوضى التشريعات في بلاد كان حمورابي أول المشرعين فيها (حكم من 1792-1750 قبل الميلاد).

عضو المجلس مشتاق الشمري نفى وجود مثل هذا القرار، وأشار إلى أن وزارة الداخلية هي التي طرحت الفكرة، وخاطبت رئيس المجلس رياض العضاض بشأن إمكانية تشييد أسيجة على جوانب الجسور لتحجيم الظاهرة، وقد وصف العضّاض المقترح بالجيد.

وأكّد الشمري للجزيرة نت رفض المجلس الحلول الترقيعية وفتح باب جديد من أبواب الفساد.

أحد الجسور في بغداد (الجزيرة نت)
أحد الجسور في بغداد (الجزيرة نت)

مغردون غاضبون
موجة من الغضب والاستهجان أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي، وأثارت زوبعة من ردود الفعل في مختلف الأوساط عقب إعلان الخبر.

عضو الحزب الشيوعي جاسم الحلفي غرد في حسابه على تويتر ساخرا من القرار بالقول "بعد تفكير طويل اقترح المسؤولون وضع سياج عالٍ على جسور بغداد للحد من حالات الانتحار، غاب عن بالهم الأسباب الحقيقة التي تدفع شباب العراق لذلك الفعل، وفي مقدمتها الفساد والمحاصصة وسوء الإدارة والبطالة التي أنتجت اليأس والإحباط وفقدان الأمل".

من جانبه علق عضو مركز تطوير الاتحاد الأوروبي محمد الوادي -عبر موقع التدوين المصغر- عن عدم دهشته للقرار، قائلا "لا أحد يشعر بالصدمة لأن مجرد وجود هؤلاء بهذه العناوين الرسمية يعتبر إهانة كبيرة للعراقيين بهذا الاقتراح أو بدونه".

ويرى ناشطون أن الكتل الإسمنتية التي جثمت على صدور العراقيين وأضاعت معالم عاصمتهم الجميلة ردحا من الزمن بعد الغزو الأميركي، يتم استبدالها بنوع آخر من القصاص يوغل في كبت المواطن وإيذائه.

الغراوي: ظاهرة الانتحار شملت مختلف الفئات والأعمار لكنها تتركز أكثر وسط الشباب (الجزيرة نت)
الغراوي: ظاهرة الانتحار شملت مختلف الفئات والأعمار لكنها تتركز أكثر وسط الشباب (الجزيرة نت)

إحصاءات غائبة
المفوضية العليا لحقوق الإنسان (مستقلة) التي رصدت قرابة ثلاثة آلاف حالة انتحار بين عامي 2015 و2017، أقرّت بعدم وجود إحصائيات حقيقية لحالات الانتحار، كون الأرقام الموجودة تمثل الحالات الفعلية التي تنتهي بالموت، دون الخوض في عدد المحاولات التي لم تنجح أو الحالات التي لا يتم الكشف عنها لأسباب مجتمعية.

وعن الفئات العمرية التي تلجأ للانتحار، بيّن عضو المفوضية فاضل الغراوي أن الظاهرة شملت مختلف الفئات والأعمار لكنها تتركز أكثر وسط الشباب الذي يعاني العديد منهم من البطالة وعدم القدرة على الزواج وتشكيل أسرة، فضلا عن شيوع ثقافة العنف واتساع فضاء التواصل الاجتماعي وإساءة استخدامه.

وكشف الغراوي للجزيرة نت أن محافظة ذي قار (جنوبي العراق) أتت أولا في عدد المنتحرين الذي بلغت 59 حالة عام 2018.

دراسة دولية
ووفق دراسة أميركية أجراها مركز غالوب للدراسات الدولية حول نسب الانتحار وأسبابه، حل العراق رابعا عالميا عام 2018 بعد كل من تشاد والنيجر وسيراليون.

الدراسة أكّدت أن تفاقم المشاعر السلبية كالحزن والخوف والقلق والكآبة، هي دوافع تودي بالشباب إلى بغض حياتهم والميل للتخلص منها.

سعدون طالب بضرورة أخذ الحكومة زمام المبادرة والتصدي لاستفحال ظاهرة الانتحار (الجزيرة نت)
سعدون طالب بضرورة أخذ الحكومة زمام المبادرة والتصدي لاستفحال ظاهرة الانتحار (الجزيرة نت)

الحكومة مسؤولة
طرق الانتحار تتنوع وتختلف ما بين الشنق والحرق أو باستخدام السلاح الناري أو تناول مواد سامة أو إلقاء النفس من أحد الجسور.

وبعد تفاقم الظاهرة بشكل مفزع، يرى مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان مصطفى سعدون ضرورة أخذ الحكومة زمام المبادرة والتصدي لحالة استفحلت في المجتمع. وأكّد للجزيرة نت أن "عدد المنتحرين عام 2003 كان 15 شخصا لكنه ارتفع إلى 1532 حالة عام 2013".

الارتفاع المريع في عدد حالات الانتحار يلقي على الحكومة مسؤولية تدارك الأمر وتوفير فرص العمل، وعلى المجتمع المدني أن يأخذ دوره في التوعية والتثقيف وإثارة الوازع الأخلاقي والديني.

أبو سامر أحد المارّة على جسر الشهداء وسط بغداد، يرى أن التفكك الأسري وتفشي المخدرات وغياب دور المؤسسة التربوية، أسباب أفقدت الحياة رونقها وجعلت من يلقون بأنفسهم من الجسور وكأنهم ذاهبون إلى فردوسهم المفقود.

وحتى عهد قريب كان الانتحار مفردة نشازا لا يروق للأذن سماعها، لكنها سرعان ما تغولت في الأرجاء وأصبحت حديثا يتداوله الناس دون تحفظ، مع ذكر أرقام من قضوا وهي تزداد في كل رواية.

المصدر : الجزيرة