موكويغي.. بلسم المغتصبات وبطل نوبل

epa03454360 Dr. Denis Mukwege, Director of Panzi Hospital in the Democratic Republic of the Congo, gestures during a news conference in Stockholm, Sweden, 01 November 2012. On 25 October gunmen killed a guard and fired at a renowned Congolese doctor in his home in Kinshasa. Mukwege is a gynecologist devoted to the cause of women victims of rape in Congo. He founded the Panzi Hospital in Bukavu. Mukwege, 57, and his team have treated more than 30,000 victims of violent rapes during the last 10 years. EPA/HENRIK MONTGOMERY
لم يكفّ موكويغي يوما عن مد يده لتخفيف آلام لا تستطيع الذاكرة محوها بسهولة (رويترز)

 إيمان مهذب-الجزيرة نت

"بعد أن هجم مسلحون تحت جنح الظلام على بيتنا وألقوا رصاصاتهم نحو أبي وأخوتي الصغار الثلاثة ليردوهم قتلى اقتادوني إلى الغابة، ولمدة ثلاثة أيام بلياليها كنا نمشي دون توقف، وفي مكان قريب من قرية مجهورة وتحت الأشجار تداول كلهم على اغتصابي وقد كانوا كثرا لدرجة جعلتني أفقد فيها حواسي".

هكذا تحدثت تيريز عن جرائم الاغتصاب التي تعرضت لها في الكونغو الديمقراطية، وعن الفظاعات التي ارتكبت بحقها وبحق مئات الآلاف من النساء اللواتي كن ضحايا حرب مرت من فوق أجسادهن.

تيريز التي بكت بحرقة خلال حديثها لبرنامج "القصة كاملة" الذي بثته القناة الفرنسية الثانية في 16 مارس/آذار 2016 كادت تفقد عقلها بعد أن اغتصبت لمئات المرات ربما، لكنها استعادت حياتها بفضل ما قدمه لها الدكتور دينيس موكويغي.

في مناطق النزاعات "تخاض الحروب فوق أجساد النساء" هكذا يقول الطبيب الذي خصص جهوده منذ سنوات ليداوي جراحا غائرة في أجساد نساء وجدن أنفسهن ضحايا نزاع دامٍ.

‪(رويترز)‬ مئات الآلاف من الكونغوليات تعرضن للاغتصاب الجماعي
‪(رويترز)‬ مئات الآلاف من الكونغوليات تعرضن للاغتصاب الجماعي

 حرب وآلام
لم يكفّ الرجل يوما عن مد يده لتخفيف آلام لا تستطيع الذاكرة محوها بسهولة، ولإعادة الابتسامة والرغبة في الحياة إلى شابات وأمهات وأطفال ارتكبت بحقهن فظاعات جسيمة، وقناعته في ذلك أن "الإنسان يكف عن أن يكون إنسانا عندما يفقد القدرة على بذل المحبة ومنح الأمل للآخرين".

وخلال سنوات الحروب الطويلة في الكونغو الديمقراطية أيقن موكويغي أن "الاغتصاب كان إحدى أدوات الحرب الفعالة في بلاده، فقد كان يمارس بشكل عام وجماعي، ليدمر الضحية وعائلتها وكل النسيج الاجتماعي".

ربما كان قدر هذا الطبيب الذي تخصص في أمراض النساء والتوليد في فرنسا أن يرمم ما دمره الآخرون، فمنذ عودته إلى جنوب مدينة كيفو عام 1989 أحيا قسم أمراض النساء في مستشفى ليميرا الذي لم يعمر طويلا لتدمره حرب الكونغو الأولى عام 1996.

لكن ذلك لم يثن موكويغي عن البقاء ليؤسس بعد ثلاث سنوات مستشفى بانزي لتسهيل عمليات ولادة النساء الذي سرعان ما تحول إلى عيادة لضحايا الاغتصاب مع غرق كيفو في رعب حرب الكونغو الثانية (1998-2003) وجرائم الاغتصاب الجماعي.

"لقد أرهبونا لمدة ثمانية أشهر، وفي أحد الأيام وخلال هجوم للقوات الكونغولية استطعنا الهرب، عندما طلبوا منا الحديث عما تعرضنا له أجبناهم: لقد مر جميعهم من فوق أجسادنا" عبر هذه الكلمات لخصت سيدة ما تعرضت له النساء في الكونغو الديمقراطية.

‪(رويترز)‬ موكويغي يواصل العمل دون كلل لإنقاذ ضحايا الاغتصاب
‪(رويترز)‬ موكويغي يواصل العمل دون كلل لإنقاذ ضحايا الاغتصاب

مأساة وأرقام
أما الأرقام التي وثقت تعرض نصف مليون امرأة للاغتصاب منذ بداية سنة 2000 وإن كانت تعبر عن حجم المأساة وثقلها إلا أنها تنقل التفاصيل القاتلة لكل عملية اغتصاب جماعي، فحتى إن نجت الضحية من الموت فإنها قد لا تعود إلى حياتها بسهولة.

وفي محاولاته لتخفيف وطأة هذه الجرائم عالج موكويغي نحو خمسين ألفا من ضحايا جرائم الاغتصاب من نساء وأطفال وحتى رضع عمرهم بضعة أشهر في مستشفى بانزي.

ورغم تجاوزه عقده السادس بثلاث سنوات لا يزال قلب موكويغي ينبض بالعطاء للدفاع عن ضحايا الاعتداءات الجنسية، فهو يعتبر أن كل امرأة تعرضت للاغتصاب بمثابة زوجته، وكل أم تعرضت للاغتصاب بمثابة أم له، وكل طفل تعرض للاغتصاب بمثابة واحد من أبنائه.

وخلال استضافته في برنامج القناة الفرنسية الثانية "القصة كاملة" قبل أكثر من سنتين للحديث عن تجربته قال الطبيب الكونغولي "إن الاغتصاب مع استخدام العنف الشديد في الكونغو الديمقراطية جعلنا نفكر في محاولة لمساعدة النساء بعد أن تعرضن لانتهاكات جسيمة تصل إلى تهتك أجهزتهن التناسلية، نحن نحاول أن نمنحهن حياة جديدة، نحن نعمل على ذلك يوميا".

وعن ذلك تقول إحدى النساء المغتصبات "وجدت نفسي في غرفة العمليات وقد بدأ الدكتور موكويغي بعلاجي، لقد شعرت بعطفه وحبه، لقد علمني كيف أحب نفسي من جديد وكيف أستعيد الأمل".

في غرفة العمليات ذاتها أو في غرفة مشابهة ربما تلقى موكويغي أمس الجمعة نبأ نيله جائزة نوبل للسلام، حيث تلقى المواطنون الخبر بالبهجة مثلما هو الحال في سائر أنحاء البلاد.

‪‬ نال موكويغي جائزة نوبل مناصفة مع العراقية ناديا مراد
‪‬ نال موكويغي جائزة نوبل مناصفة مع العراقية ناديا مراد

تتويج واعتراف
توجت الجائزة سنوات من العمل الدؤوب للرجل لكنها في نظره هي "اعتراف بمعاناة النساء ضحايا الاغتصاب والعنف الجنسي في كل دول العالم وفي جميع القارات، وتعويض عادل لهن".

وعبر الموقع الرسمي لجائزة نوبل قال "علمت بالنبأ وأنا في غرفة العمليات عندما بدأ (الناس) فجأة بالصياح، يمكنني أن أرى في وجوه العديد من النساء إلى أي مدى هن سعيدات لتكريمهن، كان مؤثرا فعلا".

تقول تيريز ومثلها من المغتصبات في الكونغو إن ما فعله الدكتور موكويغي من أجلهن جعلهن ورغم كل الآلام يتجاوزن هذه المحنة، وحين تصل هذه الكلمات إلى "الطبيب البطل" فإنها تثلج صدره، لكن قلبه لا يزال مثقلا بهموم الحروب التي تمر من فوق أجساد النساء.

المصدر : الجزيرة + وكالات