بالصور- هكذا حوّل الفقر مطرب مقامات عراقيا شهيرا إلى راعي أغنام

رمضان كرمياني أثناء رعي الاغنام (الجزيرة)
مطرب المقامات العراقي رمضان كرمياني يتحسر على ضياع عقود من عمره (الجزيرة)

السليمانية- "لا أريد حياة مدينة أكون فيها ثقيل الظل على الناس" بهذا اختصر رمضان كرمياني مطرب المقامات الشهير في إقليم كردستان العراق معاناته بعد أن ألمّ به الفقر وعسر الحال ليُقرّر ترك الفن والعمل كراعي أغنام في صحراء قاحلة لا أنيس فيه إلا وحدته التي يتغنّى بها ويتسامر معها عند اشتداد حاله.

بدأ كرمياني المولود عام 1963 رحلته مع الفن عام 1980، وحجز لنفسه مكانة خاصة في طرب مقامات الحجاز والنهاوند وبيات والسيكا وغيرها، وعُرف بهذا النوع من الفن الصعب بين جيله، ووضع بموهبته الفطرية ألحانا لأكثر من 80 أغنية لمطربين معروفين في كردستان، أبرزهم صلاح داوده وحسين علي وصابر كوردستاني وغيرهم الكثير.

مثل الكثيرين من أقرانه، يعيشُ كرمياني أوضاعاً اقتصادية صعبة بعد أن قطع قطار عمره مسافات طويلة جدا على سكك الحياة، مع زيادة رقعة المرض في جسده، فلم يجد ضالته إلا في رعي الغنم لتأمين لقمة العيش لعائلة مكوّنة من 8 أفراد.

اللافت في قصة هذا الفنان أنه هجر حياة المدينة وقرّر العيش في قرية صغيرة تسمى "قره تامور" تقع بالقرب من الشارع الرئيسي العام بين مدينتي جمجمال-سنكاو ضمن محافظة السليمانية، والمثيرُ للاستغراب أن هذه القرية لا يوجد فيها أي منزل آخر سوى منزل كرمياني، وهذا ما زاد من معاناته أكثر بأن تصبح حياته خالية من الخلان والرفاق والأحباب كما كان معتادا على ذلك.

لم يكُ الفقر حالةً وليدة اليوم بالنسبة لكرمياني الذي نشأ وترعرع في عائلة عاشت سنوات حياتها مع ضنك الفقر، وهذا ما أجبره على عدم دخول المدرسة، لكنه تعلّم القراءة والكتابة مع مرور الأيام من خلال ممارسته اليومية.

رمضان كرمياني أثناء رعي الاغنام (الجزيرة)
كرمياني هجر حياة المدينة وقرّر العيش في قرية صغيرة (الجزيرة)

اختيار الطريق الصعب

هذه الحسرة في نفس المطرب العراقي دفعته إلى أن يضحي بنفسه من أجل ألا يعيش أولاده السبعة (3 أولاد و4 بنات) كما عاش هو، وأن يستمروا في استكمال الدراسة، فضحّى من أجلهم إلى أن وصلوا إلى مراتب متقدّمة، فاستطاع الأولاد أن يتخرجوا من الجامعة، وتواصل إحدى بناته دراستها بالمرحلة الخامسة في كلية الطب، وما زالت الأخريات يكملن دراستهن دون انقطاع.

رمضان كرمياني أثناء رعي الاغنام (الجزيرة)
كرمياني بات يغني لأغنامه بعد أن كان يطرب جمهوره (الجزيرة)

"اخترتُ شعار ألا أريد حياة مدينة أكون فيها ثقيل الظل على الناس، وأعرف أنه الطريق الأصعب بالنسبة لي، لكن لا حيلة لي أمام ماكينة الفقر، وأحياناً أبكي من شدّة وجعي وحزني على نفسي، فحالتي تشبه ذاك الأب الذي يُمنع من رؤية ابنه الوحيد" هكذا يصف كرمياني حاله للجزيرة نت.

رغم مأساته، يرى كرمياني في رعي الأغنام ولاسيما إرضاع وإطعام صغارها، أنه يدفعه للغناء بروح شبابية كما كان بداية مسيرته الفنية، وتُذكره بجلسات الطرب التي كان يحضرها مع رفاقه، ويتعجب كيف تنصتُ له الأغنام، كأنّما تريد أن تقول له "فيك من الوجع ما يكفي لتوزيعه على السماء التي فوقنا والأرض التي نمشي عليها".

بالمقارنة مع الفن والغناء، يؤكد مطرب المقامات أن وضعه المادي تحسن كثيراً بعد أن أصبح راعياً، ويتحسر على ضياع عقودٍ من عمره.

رمضان كرمياني وهو يمسك احد صغار الخروف أثناء رعي الاغنام (الجزيرة)
كرمياني مُجبر على العمل كراعي أغنام لتأمين لقمة العيش لأسرته (الجزيرة)

رؤية الموت

"كشمعةٍ تذوب بهدوء في ظلام دامس لتُنير الدرب خوفاً أن تضيّع عصافير صغيرة طريقها نحو أمّها إلى وكر الذئب" هكذا يصف الابن البكر مه بست رمضان (31 عاما) والده مطرب المقامات، ويضيف "يُتعبني كثيرا إحساس ورؤية والدي أن يتحوّل إلى راعي أغنام وهو مطرب شهير".

يقول الابن بشيءٍ من الحسرة والألم وهو يرى والده متهالك الجسد لكنه مُجبر على العمل لتأمين لقمة العيش لإخوته وأخواته بأن "هذه الحال بمثابة الموت في حدّ ذاته".

يتساءل رمضان عن أسباب عدم تمتع والده بحياة رفاهية مثل الكثير من المطربين والمطربات بالإقليم رغم أنهم لا يمتلكون خبرة طويلة في الفن أو الغناء مثل والده، ويختم حديثه للجزيرة نت بمطالبة الجهات المعنية بتخصيص راتب لوالده ليُعيل به عائلته وهو يعيش حالة مادية وصحية صعبة للغاية.

(الجزيرة 1) رئيس جميعة الفنون الشعبية في كردستان جزاي ساز
جزاي ساز طالب الجهات المعنية في كردستان العراق باحترام وتقدير الفن والفنانين (الجزيرة)

حياة مريرة

أمّا رئيس جمعية الفنون الشعبية في كردستان جزاي ساز، فيصف حال كرمياني والكثير من الفنانين في الإقليم ببيت شعري للشاعر الكردي المعروف هيمن مركرياني بما معناه أن "الفنان والحياة السعيدة لا يجتمعان، حياة الفنان مرّة وصعبة".

ويعبر ساز عن ألمه لرؤية كرمياني ينتقل من عالم الفن والطرب والغناء إلى عالم آخر مُختلف ومُغاير تماما لم يتعوّد عليه أبداً مع معاناته المستمرّة مع المرض والفقر، ويستغرب ما وصل إليه حال الكثير من الفنانين الكرد وسط إهمال مُتعمد من الجهات المعنية.

وتمنى رئيس الجمعية من الجهات المعنية في كردستان احترام وتقدير الفن والفنانين لأن الفن لغة التخاطب بين شعوب العالم "وإن تراجعنا عن احترام الفن، فهذا يعني التخلف عن ركب الدول المتقدمة".

المصدر : الجزيرة