رحلة مسجد النور في كارلسروه الألمانية.. من غرفة في الجامعة إلى أحد أكبر مساجد المدينة

مسجد النور يستقبل طلاب المدارس والجامعات الألمانية للتعريف بالإسلام وتصحيح بعض المفاهيم للمساهمة في تغيير الصورة النمطية عند الألمان عن الإسلام والمسلمين

محراب مسجد النور في مدينة كارلسروه الألمانية والذي يساهم بتغيير الصورة النمطية عند الألمان عن الإسلام (الجزيرة)

كارلسروه – تعتبر مدينة كارلسروه ثاني مدينة في مقاطعة بادن فورتمبيرغ بعد شتوتغارت، يبلغ عدد سكانها نحو 313 ألف نسمة، وتعد مدينة جامعية تملك أفضل الجامعات الهندسية في ألمانيا، فضلا عن أنها تملك صناعات متنوعة.

وكانت كارلسروه وجهة للطلبة العرب، كما أنها إحدى المدن التي جاءتها العمالة التركية في ستينيات القرن الماضي، ولهذا تجد فيها عددا من المساجد والجمعيات العربية والإسلامية، ومنها مسجد النور، فما حكايته؟

مسجد النور المسجد يضم قاعات تعليم العربية والقرآن والتربية الإسلامية وملاعب للأطفال (الجزيرة)

من قاعة في جامعة إلى مسجد في قلب المدينة

في رده على سؤال الجزيرة نت عن تأسيس المسجد، قال مدير جمعية الحوار والتفاهم بين الشعوب علي العابدي إن "فكرة تأسيس مسجد النور كانت بداياتها مع مجموعة من الطلبة والعمال الذين كانت تجمعهم صلاة الجمعة في قاعة في جامعة كارلسروه، فكانت فكرة تأسيس مسجد في عام 1988 بتأجير شقة في وسط المدينة تزيد مساحتها على 80 مترا".

وأضاف أنه "في بداية التسعينيات بدأ التفكير في التكييف القانوني للمسجد، فكان تأسيس جمعية الحوار، ومنها مسجد النور في يونيو/حزيران 1994".

وهذا ما دفع القائمين على الجمعية للبحث عن امتلاك مكان، وكان هذا في مبنى بشمال المدينة مساحته 240 مترا مربعا، واستمر المسجد في مكانه الجديد إلى عام 2006، ثم تم الانتقال إلى مكان آخر كملكية أيضا، وذلك بسبب تزايد عدد المصلين ورواد المسجد وتوسعة الأنشطة والفعاليات، يتابع العابدي.

وختم العابدي حديثه للجزيرة نت بأن "المكان الجديد في جنوب المدينة، ويقع على مساحة تصل إلى 4 آلاف متر مربع وبإمكانيات كبيرة تستجيب لتوسع وتنوع نشاط المسجد، والذي يتكون من قاعة الصلاة، وقاعات تعليم العربية والقرآن والتربية الإسلامية، وملاعب للأطفال، وقاعة متعددة الاستخدامات، ومطعم، ودكان، وسكن للإمام، وموقف سيارات".

علي العابدي: المكان الجديد بمساحة 4 آلاف متر مربع وبإمكانيات تستجيب لتنوع نشاط المسجد (الجزيرة)

تأسيس جمعية الحوار المسيحي الإسلامي

وعن نشاطات المسجد، قال الشيخ الدكتور علي الشافعي إمام المسجد للجزيرة نت إن "المسجد في أوروبا له دور كبير جدا في حياة مسلميها، فليس حاله كحال المساجد في البلدان الإسلامية، إنما دوره مضاعف لأنه لا يوجد للمسلمين في أوروبا أماكن يتعرفون فيها على دينهم ويمارسون فيها شعائر الإسلام سوى المسجد، فهو جامع وجامعة وحضن تربوي مهم في حياة مسلمي أوروبا".

ويبين الشافعي أن لمسجد النور دورا كبيرا في المحافظة على هوية المسلمين في مدينة كارلسروه وما حولها، وكذلك في التوازن بين المادية والروحية في حياتهم، ونشر الفكر الوسطي والوعي الديني لدى المسلمين، خاصة الشباب منهم.

ونجح مسجد النور في تجميع أغلبية المسلمين في مدينة كارلسروه وضواحيها -ولا سيما من أصول عربية- في إطار من التفاهم والاحترام وعلى نهج من الفهم الوسطي المعتدل وبالعمل على الانفتاح على المجتمع ومؤسسات المدينة والتواصل معهم، بحسب الشافعي.

علي الشافعي: يشهد المسجد حركة كبيرة في المناسبات الدينية والأعياد وشهر رمضان (الجزيرة)

وعن العلاقات مع الآخر، قال الشافعي للجزيرة نت "شارك المسجد في تأسيس جمعية الحوار المسيحي الإسلامي، وهو مستمر في المساهمة في نشاطها وفعالياتها، كما شارك في تأسيس إطار يجمع المساجد والجمعيات الإسلامية في مدينة كارلسروه، وهي إطار للتواصل مع إدارة المدينة وسلطاتها، وهي أيضا الجهة التي تقوم على التنسيق مع البلدية في ما يخص مقبرة المسلمين في المدينة".

وعما يخدم النشاط الثقافي والديني، يعد المسجد قبلة للمدارس والمجموعات التي تأتي للتعرف على الإسلام ضمن برامجها التعليمية والتكوينية، ويشهد حركة كبيرة في المناسبات الدينية والأعياد وشهر رمضان، وصلاة العيدين اللتين يصل فيهما عدد المصلين إلى أكثر من 3 آلاف مصلٍ.

الشيخ الهادي السال: يشهد المسجد إقبالا من عدد كبير من الزوار الألمان وتتخلله عدة محطات، منها تعريف عام بالإسلام (الجزيرة)

التفاعل مع المحيط وتقديم صورة الإسلام

ثمة أنشطة يقوم بها المسجد تحت مسمى العمل الخارجي، وقد توجهت الجزيرة نت بالسؤال للشيخ الهادي السال نائب المدير ومسؤول العمل الخارجي عن هذه الأنشطة، فقال "في ذكرى الوحدة الألمانية في 3 أكتوبر/تشرين الأول هناك يوم مفتوح للتواصل مع الألمان، ويشهد إقبالا من عدد كبير من الزوار الألمان وتتخلله عدة محطات، منها عنصر تعريفي عام بالإسلام".

وأضاف السال أنه يتم تنظيم حلقة للإجابة عن كل الأسئلة التي يطرحها الزوار، وتنتهي الزيارة بتناول المأكولات والحلويات الشرقية مع قهوة وشاي، وتتخللها نقاشات ثنائية مع المنظمين للتعمق في مسائل تهم الزائرين، إضافة إلى المشاركة في بعض الزيارات لمواقع أثرية في مدينة كارلسروه ومحيطها مصحوبة بتبادل ثقافي بين الطرفين.

كما يستقبل المسجد العديد من التلاميذ في المدارس الألمانية وطلاب الجامعات وكذلك منظمات المجتمع المدني في مدينة كارلسروه ومحيطها، للتعريف بالإسلام والمسجد ودور المسجد في حياة المسلمين.

"وفي هذه الزيارات نقوم بالرد على الأسئلة والاستفسارات وتصحيح بعض المفاهيم عن الإسلام والمسلمين، وقد تمكن مسجد النور من خلال هذه النشاطات وعبر السنين من المساهمة في تغيير الصورة النمطية عند الألمان عن الإسلام"، يقول الشيخ السال.

طلاب مدرسة النور التي تقوم على رعاية ما يزيد على 500 طالب وطالبة من مختلف الأعمار (الجزيرة)

خطط مستقبلية طموحة

وعن الخطط المستقبلية للمسجد، قال وحيد البحيري عضو مجلس الأمناء ومسؤول مشروع التوسعة للجزيرة نت إن "القائمين على المسجد نجحوا في تطويره أكثر من مرة، وإننا نسعى مستقبلا إلى توسعة أكبر له، حيث يزداد عدد المسلمين، ولا بد من مراعاة ذلك وتطوير الوسائل الثقافية التي يشرف عليها المسجد، ولا سيما أنه يحظى باحترام الألمان هنا".

ويضيف "حصل إمام المسجد سنة 2005 على جائزة الاندماج من بلدية المدينة، مدرسة النور بأقسامها الثلاثة: القرآن الكريم، واللغة العربية، وتعليم الإسلام باللغة الألمانية، وتقوم المدرسة على رعاية ما يزيد على 500 طالب وطالبة من مختلف الأعمار، ولله الحمد والمنة تخرج في المدرسة من يقوم على التعليم فيها الآن، وتخرج فيها من حفظ القرآن كاملا".

خطبة العيد في مسجد النور (الجزيرة-أرشيف)

وختم "طموحنا المستقبلي سيكون على مرحلتين: المرحلة الأولى بناء مدرسة من طابقين ذات مواصفات حديثة وتكلفتها قرابة 2.5 مليون يورو، والمرحلة الثانية توسعة المسجد وما يتبعه من مرافق مختلفة مطعم، وقاعة رياضة، وقاعات للشباب بتكلفة 2.4 مليون يورو تقريبا".

المصدر : الجزيرة