مسجد الاستقلال في جاكرتا.. رمز للحرية والتسامح والتحرر من الاستعمار

مسجد الاستقلال بجاكرتا عاصمة إندونيسيا بني على أرض مساحتها 9.5 هكتارات (الجزيرة)

جاكرتا- بعد سنتين من القيود في إقامة العبادات الدينية خلال جائحة كورونا، فتح أكبر مسجد في جنوب شرق آسيا "مسجد الاستقلال" في العاصمة الإندونيسية جاكرتا أبوابه بشكل طبيعي خلال شهر رمضان الحالي.

وقال الإمام الأكبر لمسجد الاستقلال الحاج نصر الدين عمر إن العبادات بكل أنواعها تقام فيه بشكل اعتيادي، فضلا عن الإفطارات الرمضانية الجماعية للصائمين، وصلاة التراويح، والاعتكاف في العشر الأواخر من هذا الشهر المبارك، تزامنا مع إصدار كل من رئيس جمهورية إندونيسيا جوكو ويدودو ومجلس الإفتاء في البلاد بداية رمضان الجاري أمرا بفتح أبواب المسجد خلال هذا الشهر المبارك مع الالتزام بالإجراءات الصحية، مثل فحص درجة الحرارة للمصلين قبل الدخول ولبس الكمامة.

تاريخ بناء مسجد الاستقلال يعود لفترة استقلال إندونيسيا عن الاستعمار البريطاني عام 1945 (الجزيرة)

وقال أبو هريرة رئيس قسم العلاقات العامة في لجنة مسجد الاستقلال "لم يُحدد عدد المصلين في صلاة التراويح خلال رمضان 1443هـ، وأيضا من دون ترك مسافة بين صفوف المصلين بخلاف السنتين الماضيتين بسبب القيود التي وضعتها الجائحة من تحديد عدد المصلين، إضافة إلى استخدام سجادات المصلين الخاصة كنوع من الاحتراز بسبب كورونا، كما سمح هذا العام أيضا بالاعتكاف في مسجد الاستقلال في العشر الأواخر من شهر رمضان".

مسجد الاستقلال رمز الحرية والتسامح

يعود تاريخ بناء المسجد إلى أيام الاستقلال عن الاستعمار الهولندي عام 1945 بعد أكثر من 350 عاما، إذ طمح الإندونيسيون إلى تشييد مسجد يمثل رمزا للحرية والاستقلال وافتخارا لشعبه ويصبح مكانا مقدسا للعبادات.

مسجد الاستقلال بجاكرتا (الجزيرة)

وأطلق أول وزير ديني في الحكومة الإندونيسية آنذاك العلامة وحيد هاشم و200 من الرموز الإسلامية أخرى -أمثال العلامة أغوس سالم وأنوار تشوكرو أمينوتو- فكرة بناء مسجد يحمل اسم "الاستقلال"، وكان ذلك سنة 1953.

ولاقت فكرةُ بناء مسجد الاستقلال ترحيبا من الرئيس الإندونيسي آنذاك المهندس سوكارنو، وقررت حكومته تمويل المشروع بما قيمته 12 مليون دولار أميركي، كما ترأس سوكارنو لجنة الهندسة واختار مكان البناء على آثار حصون الهولندي، أو ما يعرف بحديقة "ويهلمينا" بجانب كنيسة "كاثيدرال"، وذلك بهدف جعله رمزا للتسامح بين أصحاب الأديان في إندونيسيا.

تم تشييد أول أعمدة مسجد الاستقلال في 24 أغسطس/آب 1961 (الجزيرة)

وبعد إطلاق مؤسسة مسجد الاستقلال مسابقة للتصميم الهندسي للمسجد تحمل المعاني الدينية والتسامح والحرية والاستقلال، شارك فيها 30 متنافسا، وفاجأ الجميع فوز المهندس المسيحي فردريك سيلابان بالتصميم، وتابع بعدها وضع اللبنة الأولى، وتشييد أول الأعمدة في 24 أغسطس/آب 1961، تزامنا مع الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم بحضور آلاف المسلمين.

واستمرت عملية بناء مسجد الاستقلال 17 عاما؛ من 1961 في عهد سوكارنو إلى عام 1978 في أيام سوهارتو، تخللت هذه الفترة ظروف سياسية زعزعت البلاد وشهدت خلالها محاولة الثورة الشيوعية عام 1965، حتى تم تدشين المسجد في 22 فبراير/شباط 1978.

البناء الأساسي لمسجد الاستقلال بطول 6666 سنتيمترا تمثل عدد الآيات القرآنية (الجزيرة)

أكبر مسجد في جنوب شرق آسيا

وبني المسجد على أرض مساحتها 9.5 هكتارات؛ وتضم البناء الأساسي للمسجد بطول 6666 سنتيمترا تمثل عدد الآيات القرآنية، والقاعات والمصليات والمآذن والطبقات والحدائق ومواقف السيارات ونوافير المياه، وتتسع قاعات المسجد الأربع إلى 200 ألف مصل، وتضم القاعة الأساسية 12 عمودا تمثّل تاريخ ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، وتحمل عليها قبة بمساحة 45 مترا تمثل سنة استقلال الدولة 1945، ونقشت على سقفها آية الكرسي وسورة الإخلاص، وكتب على الحائط الأمامي لفظ الجلالة "الله" واسم الرسول "محمد".

ويجسد مسجد الاستقلال طرازا مميزا للتصميم الحديث بجدرانه وبلاطه من رخام الأحجار المنقوشة والمركبة من المواد الفولاذية الحديدية غير القابلة للتآكل، وبتصميم هندسي عال لتنقية الهواء يضمن للزائرين الارتياح والإعجاب.

مؤسسة مسجد الاستقلال تسعى إلى تحقيق التنمية للأمة بوجهة نظر وسطية إسلامية وبثقافة إندونيسية وعالمية (الجزيرة)

وتحوّل مسجد الاستقلال أيضا إلى هدف للسياحة الدينية الشهيرة في إندونيسيا في شارع حديقة وجايا كوسوما، إضافة إلى دخوله سجل المحميات الثقافية في وزارة التعليم والثقافة، فأصبح شاهدا على التطور والتنمية في العاصمة جاكرتا.

المصدر : الجزيرة