القليط.. خبز الصيادين في جزيرة قرقنة التونسية

يتميز خبز القليط بصلابته مقارنة ببقية انواع الخبز (الجزيرة)
خبز القليط يتميز بصلابته مقارنة ببقية أنواع الخبز، ولهذا يستخدمه الصيادون (الجزيرة)

تونس- "إذا أردت تعلم الصبر فعليك بتعلم الصيد".. بهذه الكلمات بدأ الريس عليّ (51 عاما) الصياد من جزيرة قرقنة التونسية حديثه للجزيرة نت حول مشقة مهنة الصيد ومتعتها في آن، فهو يقضي رفقة زملائه أياما طويلة في البحر للظفر بما يجود به الأبيض المتوسط من أنواع مختلفة من الأسماك.

يبدأ عليّ ورفاقه التحضيرات قبل مغادرة اليابسة، يعملون كخلية نحل دون توقف: واحد يحضر معدات الصيد وآخر يعد مؤونة الطعام التي يسمونها "السبيشة"، وتتكون بالأساس من مستلزمات الحساء التونسي وزيت الزيتون وخبز "القليط" الذي تختص به جزيرة قرقنة ويطلق عليه اسم "خبز الصيادين".

قرقنة هي أرخبيل بحري يضم عدة جزر تقع في شرق تونس، تتبع محافظة صفاقس، وتعتبر من أجمل الوجهات السياحية في البلاد، ومساحتها 160 كيلومترا مربعا، وتتميز جزرها بشواطئها الساحرة ومناظرها الطبيعية الخلابة، ويعتمد سكانها على صيد الأسماك، إذ تتميز بأجود الأنواع.

الريس علي لا يستغني عن خبز القليط في جميع أكلاته (الجزيرة)
الريس علي لا يستغني عن خبز القليط في جميع أكلاته (الجزيرة)

أصل خبز القليط

بحسب روايات كبار السن في جزيرة قرقنة، فإن خبز "القليط" أصله إيطالي (la galette)، وقد عرفه صيادو الجزيرة من قديم الزمان عند التقائهم صيادي إيطاليا الذين يقتربون من سواحل الأرخبيل التونسي لاصطياد الإسفنج، وكانوا يقضون مدة طويلة في عرض البحر تصل حتى شهرين، ويتخذون من الخبز الصلب مؤونة لأنه لا يتعفن بسرعة، بل تدوم صلاحيته إلى أشهر.

أما عن طريقة إعداده، فيقول العم "هادي" أصيل منطقة قرقنة إنها سهلة ولا تتطلب مجهودا، حيث يتم عجن الدقيق مع القليل من الملح في الخلاط دون غمره بالماء أو إضافة "الخميرة"، ويطوع على شكل دائرة بها ثقوب. يقول إن ثمنها في السابق كان على عدد الثقوب الموجودة على قطعة "القليط".

يصف العم هادي خبز القليط بأنه تراث مادي تتميز به جزيرة قرقنة عن غيرها من المناطق التونسية، ويروي للجزيرة نت كيف أن أزمة الدقيق (الفارينة) في التسعينيات أرجعها ديوان التجارة آنذاك إلى كثرة استهلاك سكان قرقنة خبز القليط الذي يتطلب دقيقا أكثر من غيره بما أنه لا يخمر، وتم قطع تزويد الجزيرة بمادة الدقيق آنذاك ولم تعد إلا بعد خروج السكان في مظاهرات.

يتناول العم علي خبز القليط مع زيت الزيتون والسمك (الجزيرة)
العم علي يتناول خبز القليط مع زيت الزيتون والسمك (الجزيرة)

سرّ مقاومة الاندثار

لا يزال صيادو جزيرة قرقنة متمسكين بأكل خبز القليط رغم قلته في محافظتهم، إذ لم يبقَ سوى فرن وحيد بمدينة صفاقس لهذا النوع من الخبز، نظرا لقلة الطلب عليه من قبل السكان العاديين الذين استبدلوا به خبز الشعير الأقل صلابة.

يقول الريس عليّ إن رحلاته البحرية رفقة زملائه تدوم أسابيع أحيانا، وجميع المواد الغذائية تتعفن مع مرور الوقت ولا يبقى سوى خبز القليط، كما لو أنه خرج للتو من الفرن، فلا يتأثر برطوبة الجو ولا الحرارة، فهو صلب كصلابة سواعد الصيادين الذين يقضون أغلب حياتهم في عباب البحر.

ويتميز المطبخ القرقني عن باقي مطابخ الجهات التونسية الأخرى بكثرة استخدام السمك في جميع الأكلات تقريبا، فسكان الجزيرة تفننوا في إتقان "مرق السمك"، وهو حساء مكونه الأساسي الأخطبوط أو أي نوع آخر من الأسماك، ويؤكل بخبز "القليط" الصلب، حيث توضع قطع صغيرة في الصحن وتغمر بالحساء بهدف تليينها، إذ إن هذا الخبز صلب جدا.

المصدر : الجزيرة