إثيوبيا: طقوس وتقاليد فريدة في "مهرجان أريتشا" احتفالا بقدوم الربيع

الحشود حول بحيرة أرتشا بأديس أبابا
الحشود حول بحيرة "هورسيدي" بمدينة بيشوفتو في أديس أبابا يحتفلون بمهرجان "أريتشا" (الجزيرة)

أديس أبابا – احتشد آلاف الإثيوبيين من قومية الأورومو في أديس أبابا، أمس السبت للاحتفال بـ"مهرجان أريتشا" القومي، والذي يقام بالعاصمة للمرة الرابعة، بعد أن كان الاحتفال به مقصورا على مدينة دبرزيت بإقليم أوروميا لأكثر من 150 عاما.

ويحتفل بمهرجان "أريتشا" والمعروف أيضا بـ"هورا فينفيني" سنويا، بتنظيم من قومية الأورومو كبرى قوميات إثيوبيا، في أول أحد من أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، وهو بمثابة "عيد الشكر" على نهاية موسم الأمطار وبدء فصل الربيع بأزهاره وخضرته وفق تعبير المحتفلين.

سيدات من قومية الأورومو
سيدات من قومية الأورومو يرتدين الزي التراثي لقوميتهن (الجزيرة)

تهنئة رسمية بالاحتفال

ومنذ مساء أول أمس الجمعة، بدأ المئات من أبناء قومية الأورومو بالتوافد من مختلف الأقاليم مرتدين زيهم القومي المطرز بالألوان الزاهية إلى وسط العاصمة أديس أبابا للمشاركة في المهرجان، الذي انطلقت فعالياته صباح أمس السبت، وسط إجراءات أمنية وتنظيم دقيق على مداخل الطرقات الرئيسية المؤدية لمكان الاحتفال.

وعشية انطلاق المهرجان، هنأ رئيس الوزراء آبي أحمد، الشعوب الإثيوبية وخاصة قومية الأورومو بمهرجان "أريتشا" السنوي، وقال في رسالته "أهنئكم جميعا؛ شعوب وقوميات إثيوبيا، خاصة شعب أورومو على الانتقال من الصيف إلى الربيع المشرق -وفق طقس إثيوبيا حاليا- بالتغلب على المشاكل والتحديات من صنع الإنسان والطبيعة"، مشيرا إلى أن الاحتفالية تعني "الشكر للخالق على موروثاتنا من الآباء والأجداد لـ(نظام قدا)".

وأضاف آبي أحمد، أن احتفال "أريتشا" يعد منبرا للسلام والوحدة والتكافل بين الجميع وتعزيز الأخوة، وتعني مرحلة جديدة نحتاج أيضا أن نجدد فيها الأفكار والخطط وقيم التعايش وفق ما ورثناه من ثقافة وأصول نظام "قدا".

و"قدا" نظام إداري محلي لقومية الأورومو تتعامل به منذ أكثر من 150 سنة، ولعب دورا كبيرا في حل النزاعات والصراعات، فهو تقليد اجتماعي إداري قديم لشعب الأورومو في إثيوبيا، وبعض الشعوب في شمال كينيا، وتم تسجيله ضمن قائمة اليونسكو للتراث غير المادي في العام 2017.

ويمر العضو في هذا النظام بـ 11 مرحلة تبدأ من سن الثامنة سنوات حتى تقلُّد القيادة في فروع القومية والتي يطلق عليها "أبا قدا" أي الزعيم والقائد، ولكل فرد في هذه المجموعات حقوق ومسؤوليات بحسب عمره والمرحلة التي يمر بها، في حين يعاد تنصيب السلطان بالانتخاب كل 8 سنوات، وهو ما يميز نظام "قدا" في الحياة السياسية والاجتماعية معا.

ويعتبر "قدا" من النظم التي ساعدت في بناء إقليم أوروميا، وأسهم في التنمية التي يشهدها الإقليم بصورة واضحة، من خلال الاستقرار والسلام والتعايش السلمي الذي فرضه هذا النظام على شعوب المنطقة، وفق مسؤولين في إقليم أوروميا.

جانب من المشاركين في احتفال أرتيشا
جانب من المشاركين في احتفال أريتشا (الجزيرة)

مشاركة ثقافية واسعة

وعبّر عبدي ربي دانيتو، أحد المشاركين في الاحتفالية، عن سعادته بالحضور الكبير الذي شهدته احتفالية أريتشا بمدينة أديس أبابا، وقال إن المشاركة الواسعة من أبناء قومية الأورومو وأزياءهم وتقاليدهم؛ أمر مشرّف.

وقال عبدي، وهو من سكان العاصمة أديس أبابا، للجزيرة نت "إن الاحتفال بمهرجان أريتشا السنوي يعد من أكبر الاحتفالات القومية في إثيوبيا والذي تنظمه كبرى القوميات في القرن الأفريقي كونه يشتمل على العديد من البرامج الثقافية والتراثية الغنية". موضحا أن "هذا المهرجان مهم لدينا لإظهار ثقافتنا وتراثنا الغني والكبير من حيث الملابس التقليدية بألوانها المتعددة وتصاميمها المختلفة وإبراز تقاليدنا وتعايشنا".

وضمن المشاركة في الاحتفال الرسمي بـ"ميدان الصليب" أو "الثورة" كما يعرف وسط العاصمة، توافد العشرات من أبناء قومية أورومو، المشاركين في الاحتفالية إلى "منتزه أريتشا"، (البحيرة المباركة) وفق اعتقادهم، وذلك للتبرك من خلال الرش بالعشب المبلل بماء البحيرة، وتبادل التهاني وعبارات الشكر بحضورهم هذه المناسبة.

وتابع عبدي، "تشارك جميع القوميات الإثيوبية مع أبناء قومية الأورومو صاحبة المهرجان دون أن يفرقنا المعتقد أو الانتماء العرقي، فالمهرجان بوتقة للتسامح والتعايش. نأتي هنا للاحتفال بنهاية موسم الأمطار الذي حرمنا من الالتقاء جراء الأمطار الغزيرة، لنهنئ بعضنا البعض بنجاح موسم الأمطار والتخطيط للمستقبل والاستفادة من موسم الأمطار الناجح".

وأشار عبدي، إلى أنها "مناسبة مهمة للشعب والوطن من خلال العمل معا في الزراعة والترتيب للعام المقبل والتشارك في الأفكار والخطط المستقبلية لإبراز قيمنا وتقاليدنا في مختلف المجالات".

جانب من الوفود في طريقهم الى وسط العاصمة
الاحتفال بـ"أريتشا"يعبر عن احترام الشباب لعادات وتقاليد ظل الأجداد يحتفلون بها منذ مئات السنين (الجزيرة)

أريتشا.. السلام والوحدة

وعبّر سراج يوسف، الذي حضر من مدينة دري داو شرق إثيوبيا، عن سعادته بالمشاركة، وقال للجزيرة نت إنه سافر ليلا ليتمكن من الوصول باكرا إلى أديس أبابا لحضور هذا الاحتفال المهم جدا عند قومية الأورومو.

وأشار سراج يوسف، وهو من قومية الأورومو، إلى أن الاحتفال بـ"أريتشا" تعبير عن السلام والوحدة والاستقرار والازدهار في مختلف المجالات، وقال "هي عادات وتقاليد ظل أجدادنا يحتفلون بها منذ مئات السنين خلال شهر "مسكرم" ويعرف بالأروموية "فري بتا"، وهو نهاية سبتمبر/أيلول ومطلع أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، مضيفا أن "الاحتفال هو رسالة للعالم بأننا نعمل معا من أجل ازدهار بلادنا بالوحدة والتكافل والعمل المشترك".

الحشود المشاركة في الإحتفالية
سراج يوسف أحد المشاركين: الاحتفال رسالة للعالم بأننا نعمل معا لازدهار بلادنا بالوحدة والتكافل والعمل المشترك (الجزيرة)

اليوم الثاني من الاحتفالية

ويشهد الاحتفال بـ"أريتشا" أو "هورا فينفيني" -الذي تتواصل فعالياته اليوم الأحد بمدينة "دبرزيت" في إقليم أوروميا- اهتماما كبيرا، حيث نظمت منذ أسبوع معارض تراثية وثقافية ومنتدى للتعريف بقيم المهرجان وأهدافه، وسط مشاركة رسمية وشعبية.

وأشادت أدانيش أببي، عمدة مدينة أديس أبابا، في بيانها في ختام مهرجان أريتشا بدور سكان المدينة بالنجاح الذي شهدته الاحتفالية، قائلة "يؤكد نجاح الاحتفالية على احترامنا لقيمنا الثقافية ومستوى تنظيمنا احتفالاتنا معا، فالاحتفال أظهر تعاوننا، ووحدة شعوبنا".

وأشارت عمدة العاصمة، إلى أن الاحتفال ينظم للمرة الرابعة بأديس أبابا بمشاركة الآلاف من المواطنين في أديس أبابا بأزيائهم المتعددة وألوان ملابسهم التقليدية الزاهية.

ودأبت قومية "الأورومو" على الاحتفال بمهرجان "أريتشا" في مطلع أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام، في بحيرة "هورسيدي" بمدينة بيشوفتو، والتي تبعد 40 كيلومترا عن أديس أبابا، وهو الاحتفال الرئيسي لهم، ويمثل "عيدا للشكر" على انتهاء موسم الأمطار وبدء موسم الربيع في البلاد.

وإقليم أوروميا الذي تقطنه قومية الأورومو يعد أكبر أقاليم إثيوبيا الـ11 بالبلاد، ويتمتع بحكم ذاتي في إثيوبيا، وتحده أقاليم العفر والأمهرة وبني شنقول من الشمال والغرب، وإقليم شعوب جنوب إثيوبيا والحدود الكينية من الجنوب، وإقليم الصومال الإثيوبي شرقا.

المصدر : الجزيرة