بعد قرار منع التجمعات في مصر.. موائد رحمن "ديلفري" للمحتاجين

وجبات جاهزة للإفطار باتت وسيلة المحسنين لإطعام الصائمين المحتاجين وعابري السبيل (مواقع التواصل)

تقترب الساعة من السادسة مساء، قبيل أذان المغرب بتوقيت القاهرة، فتسارع بدرية -وهي أرملة مسنة- إلى الشارع تاركة أطفالها في شقتها، أو بالأحرى غرفتها الملحق بها دورة مياه، لتلحق موعد توزيع وجبات الإفطار الرمضاني في الشارع القريب من مسكنها.

تجلس بدرية على الرصيف المقابل لأحد المتاجر انتظارا لوجبات إفطار ساخنة توزعها إدارة المتجر عليهم في المكان ذاته الذي كانت تقام فيه العام قبل الماضي مائدة رمضانية، اختفت بسبب قرار حكومي بمنع موائد الرحمن ضمن ما جرى منعه من تجمعات تجنبا لانتشار فيروس كورونا.

طقس يومي

هذا الطقس اليومي تمارسه بدرية بين أخريات جمعتهن الحاجة لوجبة متكاملة مجانية لهن ولأولادهن، وتعارفن وصرن يرتدن للمكان.

تقول بدرية للجزيرة نت: لا أعمل بسبب عدة أمراض مزمنة لازمتني بعد تحملي عملا شاقا في الخدمة وتنظيف البيوت، واليوم لا دخل لي سوى ما يقدمه المحسنون والجمعيات الخيرية، وهو قليل، وأستغل ازدياد أعمال الخير في رمضان لكي أوفر ثمن وجبة يومية لي ولأولادي الثلاثة، لن أقدر عليها وخصوصا أنهم لا يتناولون وجبة متكاملة وفيها بروتين حيواني إلا في رمضان وبعض الأيام في مواسم أخرى في السنة.

عبد الشكور أحد عمال "التراحيل" يتسلم وجبته من أحد المحسنين ثم يبحث عن مكان يتناول فيه إفطاره (الجزيرة)

ضيوف الأرصفة

ومن الملاحظ ازدياد أعداد الجالسين على الأرصفة بالقاهرة قبيل أذان المغرب مباشرة، رجالاً ونساء، توحي هيئاتهم بالبساطة والحاجة، يتقاربون في جلساتهم ربما بشكل أخطر صحيا من جلسات الموائد.

وعلى رصيف أحد الشوارع بالجيزة، يجلس عبد الشكور، وهو من عمال "التراحيل"، يتلفت حوله بانتظار المرور اليومي الروتيني لسيارة أحد المحسنين اعتاد توزيع وجبات مغلفة على الجالسين على الرصيف.

يتهلل وجهه بابتسامة حينما يرى سيارة قريبة الشبه من السيارة المنتظرة، ثم تتلاشى ابتسامته عندما تمر متجاوزة إياه فيتبين أنها ليست هي التي ينتظرها، ويقول للجزيرة نت بأسى إنه يعمل في القاهرة منذ 5 سنوات، يجلس على الرصيف ذاته طوال أشهر السنة منتظرا قدوم طالبي العمالة، فيتجمع لديه كل حين مبلغ مالي يرسل جانبا منه لأسرته في الصعيد، وينفق من الباقي على نفسه.

وجبات جاهزة للإفطار تقدمها إحدى الجمعيات للمحتاجين (مواقع التواصل)

حيل لفعل الخير

وفي رمضان، يقل العمل لكن عبد الشكور يبقى في القاهرة، ويقول إن موائد الرحمن كانت توفر شكلا كريما لسد حاجته للطعام، فهو يجلس بين آخرين بينهم محتاجون وعابرو سبيل بل وأصحاب سيارات أجرة وخاصة، حل أذان المغرب وهم في الشارع فجلسوا إلى مائدة الخيرين.

اليوم -يضيف- بات عليه الانتظار في عرض الشارع بالمكان ذاته الذي يقضي فيه نهاره انتظارا لطالبي العمالة، أو بانتظار مرور سيارة أحد المحسنين.

وما تفعله إدارة المتجر وصاحب السيارة المجهول وغيرهما هي محاولات لتجاوز قرار الحكومة منع موائد الرحمن، وصار على راغبي فعل الخيرات في شهر الخير الوصول إلى الصائمين المحتاجين في أماكن تجمعهم ومنحهم الوجبات التي كانت من قبل توضع على الموائد.

يقول أحد هؤلاء المحسنين -رفض ذكر اسمه- للجزيرة نت إنه تحايل على القرار عبر فتح موقف سيارات، يملكه ويؤجره لمبيت السيارات، لكي يُدخل إليه المحتاجين فيمنحهم الوجبات ويأكلون وقوفا وبشكل سريع "منعا لمحاضر شرطية قد يتعرض لها لو أبلغ أحد عنه أنه يقيم مائدة الرحمن، فيتجنب ذلك بعدم وضع كراس ومناضد"، وكان قبل كورونا يقيم مائدة طويلة بطول سور موقف السيارات.

متطوعون يجهزون المشروبات لوضعها مع الوجبات وتوزيعها على المحتاجين على الأرصفة قبيل الإفطار (الجزيرة)

مبادرات مختلفة

وأطلقت جمعيات خيرية فكرة "مطبخ الخير" بدعم من متبرعين ومساعدة من متطوعين، لإعداد وجبات جاهزة وتوزيعها إفطارا للصائمين تحت شعار "وجبتك جاهزة، خذها وافطر في بيتك".

وتوزع جمعية مصر الخير وجبات على المحتاجين قبيل المغرب مباشرة أمام مقر الجمعية، في المكان نفسه الذي كانت تقام فيه سابقا مائدة الرحمن التي كانت تنظمها الجمعية بتبرعات المحسنين واعتاد المحتاجون تناول الطعام عليها كل رمضان وأحيانا في مواسم أخرى، واليوم بات عليهم أخذها والبحث عن مكان يتناولون فيه الإفطار.

تقول أمل وهبة، وهي متطوعة بالجمعية، إن أقل وجبة جاهزة تتكلف نحو 35 جنيها (نحو دولارين) ولا تشترط الجمعية على المتبرعين دفع أثمان عدد محدد بالوجبات، بل تتلقى أي مبلغ يطلب صاحبه توجيهه لإفطار الصائمين، وبعضهم يحب أن يوزع الوجبات بنفسه.

أما عن معدي الوجبات فهم ربات بيوت متطوعات، توصل الجمعية إليهن في منازلهن مستلزمات إعداد الوجبة من خضر وفواكه، فيقمن بالطهي، ثم يسلمن الوجبات في أطباق مغلفة بإحكام.

وطالب مغردون بالتوسع في مبادرات نقل موائد الرحمن إلى بيوت الفقراء وأماكن وجودهم.

وبالمقابل انتقد مغردون حظر الحكومة موائد الرحمن استسهالا للحلول، وأنه كان يمكنها تنظيمها بضوابط بحيث لا يتم حرمان المعوزين والعمال منها، إذ سمحت الدولة بإقامة تجمعات للأغنياء لا داعي لها كحفلات مطربين مشاهير.

رأي مختلف

وللأستاذ بجامعة الأزهر أحمد كريمة رأي مختلف بشأن موائد الرحمن عموما، حيث يسميها "موائد الأرصفة وبعثرة الكرامة"، مؤكدا في تصريحات صحفية أن إطعام الناس لا يجب أن يكون بهذا الشكل المظهري، بل بتوصيله إليهم في منازلهم.

وأكد كريمة أن إعداد أكياس تحتوي على وجبة إفطار طازج متنوع بالبروتينات والخضار والفاكهة والحلوى، وتوصيلها وتوزيعها على بيوت المحتاجين في الخفاء هو الأفضل، لافتا إلى قيامه بذلك عبر جمعيته الخيرية المسماة بـ"تآلف بين الناس" في الأحياء الفقيرة بمنطقة الهرم وضواحيها، وفي مركز العياط بالجيزة.

وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مبادرات مثيلة دون غطاء من جمعيات أو منظمات أهلية، معتمدة على قيام مجموعة من الشباب بالتنسيق -عبر مجموعات على فيسبوك (Facebook)ـ بين مطاعم تقدم الوجبات بسعر رمزي، وبعضها يتبرع بعدد ثابت من الوجبات طوال رمضان، وبين متطوعين أبدوا استعدادهم لتوزيعها بسياراتهم أو دراجاتهم البخارية.

واعتبر أصحاب بعض تلك المبادرات أن كل من هو في الشارع وقت الإفطار ولا يجد مكانا يفطر فيه فهو يحسب من ضيوف الرحمن.

المصدر : الجزيرة