من المستفيد من مذابح الأشجار في مصر؟ وما تأثيراتها؟

قطع الأشجار في حي مصر الجديدة الراقي يؤرّق ساكنيه (مواقع التواصل)

القاهرة – لماذا تُهدم الحدائق وتُقطع الأشجار ويُقتلع النخيل في مصر؟ تساؤل يدور في وجدان كثير من المصريين، مع إزالة كثير من الأشجار والنخيل في بعض المحافظات تحت دعوى التطوير.

وثمة تخوفات من افتقاد المساحات الخضراء في مصر وبالأخص في القاهرة الكبرى التي تشهد بالفعل ارتفاعا في نسبة تلوث الهواء، ومن تأثيرات ذلك في البيئة، إذ ينذر بمزيد من المخصصات المالية المستنزفة، فحسب تصريحات إعلامية للدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة، في السادس من يونيو/حزيران الماضي، فإن تلوث الهواء في القاهرة يكلف الدولة أكثر من 47 مليار جنيه سنويًا، وما يعادل 1.4% من الناتج المحلي لمصر، حسب البنك الدولي.

أشجار مصر الجديدة

"ما يحدث من تفعيل لسياسة الحشر واللصق أمر يعكس نقص الرؤية وغياب أسس التخطيط السليم"، يقول عصام، أحد سكان منطقة مصر الجديدة المتضررين من تغيير شكلها، للجزيرة نت، مضيفًا أنهم تضرروا من اقتطاع مساحات خضراء كبيرة من مصر الجديدة مثل شوارع هيليوبلس ومنطقة روكسي، والدخول أخيرا إلى شارع نهرو وحديقة الميرلاند التي لطالما كانت تمثل رمزا من رموز المنطقة الجمالية.

 

ولفت إلى أن استقطاع مساحات من حديقة الميرلاند والاتجاه لخفض عدد الأشجار وتقليص مساحات المشاة يؤدي بالنهاية إلى التكدس المروري وزيادة الضوضاء، عوضًا عن أن الخروج والدخول من منطقة إلى أخرى سينطوي على صعوبات، بسبب عدم وجود مساحات، متعجبًا من كلام عمرو السنباطي النائب بدائرة مصر الجديدة عن اقتطاع 10 آلاف فدان من حديقة الميرلاند لإنشاء نصب تذكاري لا يعرف كغيره من المتضررين لمن يرمز ولا مدى أهميته مقارنة بأهمية الأشجار، حسب كلامه.

 

وأشار إلى أن الحدائق العامة والأماكن الخضراء ليست رفاهية بل مطلب ضروري من أجل الحفاظ على البيئة وجمال العاصمة ككل باعتبارها وجهة وقبلة للسياح بجانب كونها من أهم المحافظات بالجمهورية.

يذكر أن حديقة الميرلاند أُسّست في عهد الملك فاروق عام 1949 على مساحة 50 فدانا، وتضم كثيرا من الأشجار التاريخية، في منطقة مصر الجديدة، التي تعد أحد أهم المناطق الراقية في مصر، وأُسّست عام 1905 على يد البارون البلجيكي إمبان، وهي قائمة على نظام الحدائق المفتوحة والمباني ذات الطراز العمراني الفريد.

تدشين نصب تذكاري مكان الأشجار بحديقة الميرلاند (مواقع التواصل)

إزالات ممنهجة

وفي الأيام الأخيرة أزالت الجهات المحلية كثيرا من الأشجار والنخيل داخل مناطق ومدن متفرقة بمصر بدعوى التطوير، ففي محافظة بورسعيد منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، تمت إزالة نخيل تاريخي بشارع 23 يوليو يتعدى عمره 100 عام، حسب صفحة "بورسعيد بين الماضي والحاضر" المتخصصة في التراث البورسعيدي على موقع التواصل فيسبوك، في الوقت الذي اقتطعت فيه بطريقة خاطئة حسب ما ذكرته الصفحة، وهو ما تم قبل ذلك في عامي 2015 و2019 فيما عرف وقتئذ باسم مذبحة أشجار حديقة قناة السويس وحديقة المنتزه.

 

كما امتدت يد الهدم في الشهر الماضي إلى أشجار بقرى دملو وورورة، التابعتين لمدينة بنها بمحافظة القليوبية، تحت دعوى تجميل شكل جسر النيل بالمنطقة.

 

وفي العام الجاري أزيلت كميات هائلة من أشجار حديقة المنتزه التاريخية في محافظة الإسكندرية، وذلك أثار غضب كثير من المصريين، لما كانت تتّسم به المنطقة من طبيعة أخاذة وأشجار نادرة أنهت ذكريات الماضي لهذه الحديقة التي يتعدّى عمرها 100عام.

 

وفي منتصف سبتمبر/أيلول الماضي في المنصورة أزيلت حديقة هابي لاند التي تعدّ حديقة تاريخية كونها أحد متنزهات الخديوي إسماعيل، وأسست في عهده وتحوي أشجارا عريقة قبل أن تبسط وزارة النقل يدها عليها وتهدم الأشجار وتستحوذ عليها لأغراض استثمارية، حسب مبادرة "أنقذوا المنصورة" في منتصف الشهر الماضي.

 

تأثيرات مرتقبة

في هذا الصدد، يقول الدكتور أحمد عبد الحميد الخبير البيئي في تصريحات صحفية، إنه يستلزم زراعة نحو 7 شجرات لإزالة التأثيرات الملوثة لسيارة واحدة، فإذا قدّر أنه يسير بالقاهرة نحو مليون ونصف المليون مركبة فهذا يعني الحاجة إلى زراعة أكثر من 10 ملايين شجرة.

ويأتي ذلك في الوقت الذي لا يتعدى فيه نصيب الفرد من المساحات الخضراء (متر×متر) في ظل وجود أكثر من إحصائية كانت قد صدرت تؤكد أن القاهرة من بين أكثر المدن تلوثًا في العالم، مثل منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة التي أصدرت تقريرا عالميا عن تلوث الهواء في مايو/أيار من عام 2018، احتلت فيه القاهرة المركز الثاني بعد نيودلهي الهندية.

 

ولفت عبد الحميد إلى أن الشجرة الواحدة تعمل على تقليل نسبة ثاني أكسيد الكربون بامتصاصها 1.7 كيلو غرام من الغاز، وتضخ ما يبلغ 140 لترا من الأكسجين وهو ما يعكس أهمية الحاجة إلى المساحات الخضراء خصوصا في ظل ارتفاع درجات الحرارة الكبير في مصر في فصل الصيف وما يتعلق بمسألة التغيرات المناخية، وهو ما يعمل في الوقت نفسه على الحفاظ على التوازن البيئي الذي يتم الإخلال به بهدم النخيل وقطع الأشجار وإزالتها من الأماكن التي كانت فيها.

حديقة الميرلاند التاريخية تتعرض لطمس من أجل بناء نصب تذكاري (مواقع التواصل)

ويأتي هذا في الوقت الذي أصدرت فيه منظمة الصحة العالمية دلائل إرشادية جديدة أكثر صرامة لمعايير جودة الهواء يوم ٢٢ سبتمبر/أيلول الماضي، للحد من مستويات ملوثات الهواء وتخفيف عبء المرض الناجم عن التعرض لتلوث الهواء في جميع أنحاء العالم.

رواد مواقع التواصل

واستقبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مسلسل هدم الأشجار والحدائق الذي اجتاح المحافظات والقاهرة الكبرى بمناطق مثل المعادي ومصر الجديدة والمهندسين والدقي بحالة من الاستنكار، إذ علق مينا سليمان "حرام مش هنلاقي هوا نتنفسه بعد كده".

وقال هاني إبراهيم في تدوينه له على تويتر "زرع الأشجار فى مصر خلال أواخر القرن الـ20 تحديدا كان يتم من خلال دراسات بيئية ترصد المناطق الأكثر تضررا من التلوث من الأنشطة سواء بشرية أو صناعية، وعملية الإزالة الممنهجة للأشجار ومن دون وجود بديل أو إجراءات لتقليل التلوث ستكون نتيجته مزيدا من الأضرار على صحة المواطن قبل أي حديث عن منظر جمالي".

كما كتب الدكتور أسامة حمدي منشورا طويلا يتحدث فيه عن ما أسماه "وفاة محافظة المنصورة" التي عرفها بعد اقتصاص حدائقها وتحويلها إلى حدائق صماء.

مبادرات

يذكر أنه سبق أن أعلنت وزارة البيئة عن مواجهة تلوث الهواء عبر مشروع إدارة تلوث الهواء وتغير المناخ في القاهرة الكبرى، ويضم 10 جهات من الوزارات والهيئات والمحافظات في خطة مقرر تنفيذها على مدار 7 سنوات، عوضا عن إطلاق مبادرات مثل مبادرة "اتحضر للأخضر" بجانب مبادرة لزراعة المليون شجرة بمختلف المحافظات وفق ما أعلنت الوزارة.

المصدر : الجزيرة