بينهم لاجئة سورية.. قصص أوائل الثانوية العامة بالأردن

عائلة الطالبة مجد ملكاوي الحاصلة على العلامة الكاملة بعد الإعلان عن اسمها ضمن أوائل المملكة (الجزيرة)

لم تكن الطالبة الأردنية مجد محمد ملكاوي تتوقع أن تتفوق في الثانوية العامة وتحصل على العلامة الكاملة 100%، وأن تكون ضمن 78 طالبا وطالبة يحصلون على العلامة ذاتها، وذلك لأول مرة في تاريخ التعليم بالمملكة.

مجد تقطن في أحد أطراف الأردن، ببلدة ملكا الواقعة في محافظة إربد (شمالي الأردن)، وتدرس في مدرسة ملكا الثانوية للبنات (حكومية)، لم تصدق نتيجتها للوهلة الأولى، غير أن والدها المهندس محمد يؤكد تفوق ابنته منذ صغرها وقدرتها على التركيز خلال الدراسة.

الإرادة سر التفوق

كانت الساعة تشير إلى الخامسة فجرا حينما أخبرت خالة مجد العائلة بظهور النتائج، واكتشفت عائلة محمد ملكاوي أن ابنتها حققت الهدف الكبير بالعلامة الكاملة، ويعبر والد مجد عن فرحته بقوله "الرقم كامل، شعور العائلة لا يوصف، فرحة كبيرة، ودمعة التفوق غالية وعزيزة، لا يمكنني وصف شعورنا جميعا بذلك، لكن ما فعلته هو احتضان ابنتي بكل فخر".

وتقول الطالبة مجد للجزيرة نت إنها كانت تدرس طوال الأيام، وسط فترات متقطعة من الراحة، وإن جائحة كورونا والعزل ووفاة جدتها، والإرادة في التفوق والنجاح ظروف عززت تركيزها وتكثيف ساعات الدراسة، مع المساعدة في بعض دروس التقوية الخصوصية.

مجد -التي تنوي دراسة الطب في جامعة حكومية- تشير إلى دور مدرستها ومعلماتها بتقوية إرادتها كما زميلاتها، إضافة إلى متابعتهن الطالبات خلال التعليم عن بعد، ولا تنكر فضلهن الكبير في تفوقها.

وأعلنت وزارة التربية والتعليم الأردنية نتائج الثانوية العام لعام 2020 صباح اليوم السبت بعد نجاح أكثر من 96 ألف طالب بنسبة نجاح عامة بلغت 56.5%، ووصلت نسبة النجاح في الفرع العلمي 74.5% والفرع الأدبي 46% والصناعي 30.9%، فيما حقق 71 طالبا وطالبة معدل 100% في الفرع العلمي، و7 في الفرع الأدبي، حيث حصل طالب واحد من كل ألف طالب بالفرع العلمي، وطالب واحد من كل 13 ألف طالب في الفرع الأدبي على علامة كاملة.

الطالب مصعب غزال: سأتوجه لدراسة الاقتصاد الرقمي أو الذكاء الاصطناعي (الجزيرة)

علامة كاملة.. لكن ليس الطب

"لن أدرس الطب، بل سأدرس الاقتصاد الرقمي أو الذكاء الاصطناعي"، هذا ما يريده الطالب مصعب محمد غزال الحاصل على العلامة الكاملة في الفرع العلمي، بعد دراسة بسيطة وصلت في أغلب الأيام إلى 4 ساعات فقط، لكنها زادت بعد أزمة كورونا.

بدوره، يقول المهندس محمد غزال -والد مصعب- إن العائلة توقعت تفوق نجلها، غير أنها لم تطلب منه تحقيق ذلك، وتركته يدرس ضمن أجواء بسيطة ومريحة بعيدة عن الضغوط النفسية داخل بيت لم يستجد عليه شيء لوجود طالب ثانوية عامة، مؤكدا أن نجله لم يحصل على دروس خصوصية (تقوية)، وإنما كان يتوجه إلى معلميه في مدرسته الخاصة.

عائلة الطالب مصعب غزال عقب إعلان نتائج الثانوية العامة (الجزيرة)

الأول رغم التعب

الطالب حمد العنزي من سكان قرية بلعما التابعة لمحافظة المفرق (شمالي المملكة)، كان ينتقل خلال تعليمه من بيته إلى محافظة الزرقاء قاطعا بواسطة وسائل النقل العامة مسافة 60 كيلومترا، ليلتحق بتخصص الزراعة الذي فضله ليكون جسرا له لدراسة الهندسة الزراعية، فرغم بعد المسافة والجهد والتعب حقق حلمه ليكون الأول في التخصص على مستوى المملكة بمعدل 98.7%.

ووسط فرحته، يتحدث العنزي للجزيرة نت عن تعبه الذي تواصل معه خلال دراسته لعامين (الأول والثاني ثانوي)، لتستغرق مدة التنقل أكثر من ساعة، ليرحل التعب والانتظار أمام لحظة إعلان النتيجة ورؤيته فرحة والديه في عيونهما، مؤكدا أن دراسته لم تتجاوز 3-4 ساعات يوميا، مع تركيز عال وتنظيم للوقت.

الطالب حمد العنزي الأول في الفرع الزراعي بعد عامين من التعب لبعد مدرسته الحكومية عن سكنه (الجزيرة)

علامة كاملة مع هوية لجوء.. ولكن!

الطالبة المتفوقة بتول فوزي الموسى الحاصلة على العلامة الكاملة لاجئة سورية، تسكن في محافظة جرش (شمالي المملكة)، ودرست الثانوية في مدرسة قفقفا الثانوية للبنات، تنتظر إكمال حلمها بدراسة الطب في الأردن، غير أنها اصطدمت بواقع مرير، إذ لا يسمح للاجئين بالتنافس ضمن المقاعد الحكومية، منتظرة إحدى الجهات الخيرية لمساعدتها في إكمال حلمها.

وتناشد بتول عبر الجزيرة نت جميع الجمعيات والجهات الخيرية مساعدتها في إكمال حلمها، وهي مؤمنة بأن الله سيوفقها لذلك كما آمنت بأنها ستحصل على العلامة الكاملة، مؤكدة أن إصرارها على الدراسة 7 ساعات يوميا والتفوق رغم كل الصعوبات التي واجهتها هو سر نجاحها.

وتشير بتول إلى أنها تحلم بإكمال دراسة الطب في إحدى جامعات المملكة، غير أن تكلفة ذلك ضمن دراسة الموازي مستحيلة لتردي وضع عائلتها المعيشي، إذ بالكاد تؤمّن العائلة قوت يومها بوجود ابن يدرس الهندسة أيضا.

بتول وحمد ومصعب ومجد وغيرهم من الأوائل المتفوقين في الأردن حصدوا ثمار جهدهم خلال عام دراسي كامل أغلقت فيه المدارس ومراكز الدراسة الخاصة جراء جائحة فيروس كورونا، إلا أن ذلك شد من عزمهم وإرادتهم في التفوق والنجاح والحصول على العلامة الكاملة.

وزير التربية تيسير النعيمي يعلن نتائج الثانوية في مؤتمر صحفي (الصحافة الأردنية)

نتائج غير مسبوقة

وكانت نتائج الثانوية العامة في الأردن مفاجئة للشارع الأردني، إذ إنه لم يشهد حصول أي طالب خلال مسيرة التعليم على العلامة الكاملة سوى طالب واحد العام الماضي، في حين حصل 78 طالبا وطالبة في هذا العام على علامة 100%، مما دفع وزير التربية والتعليم الأردني تيسير النعيمي إلى تقديم تبرير لذلك، حيث قال خلال مؤتمر صحفي صباح السبت إن أي نتائج لأي امتحان أو اختبار يجب أن تقرأ في سياقها الزمني والظروف التي رافقت العام الدراسي من اعتصامات وجائحة كورونا.

وأضاف الوزير أن طبيعة الأسئلة عامل مهم في من يصل إلى العلامة الكاملة، وذلك من خلال اختبارات موضوعية تحتمل التخمين، وشمولية أوسع للمحتوى، ولا ذاتية في التصحيح، متسائلا "لماذا هناك حد أعلى للعلامة؟ ألا يعني ذلك أنه من المحتمل أن يحققها بعض الطلبة"، وأنه في ضوء هذا النمط من الأسئلة فمن المتوقع حصول عدد من الطلبة على علامات كاملة.

وأوضح النعيمي أن العلامات ونسب النجاح مرتفعة في كل العالم هذا العام، وأن كثيرا من الدول لم تتمكن من عقد امتحاناتها ولجأت إلى نماذج إحصائية تقدير علامات الطلبة بناء على محطات تقييم أدائهم السابقة، وهو ما كان من غير الممكن تربويا ومجتمعيا في حالتنا.

فاخر دعاس
فاخر دعاس يرى أن نتائج امتحان الثانوية العامة للعام الحالي غير طبيعية (الجزيرة)

من جهته، يرى منسق الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة (ذبحتونا) فاخر دعاس أن نتائج امتحان الثانوية العامة للعام الحالي غير طبيعية.

وقال دعاس إن الوزارة كانت مشدودة للتبرير -خلال المؤتمر الصحفي- أكثر من أي شيء آخر، وإن الشارع الأردني لم يستطع تقبل هذه النتائج، خاصة أن جميع الذرائع التي تحدث عنها الوزير لم تجب عن السؤال الأهم "هل عكس الامتحان مستوى الطلبة أم لا؟ وهل يمكن البناء عليه في قراءة جودة التعليم ومخرجاته؟".

ويضيف دعاس للجزيرة نت أن هناك تضخما في نتائج الثانوية العامة خلال آخر 4 سنوات، وذلك ليس وليد الصدفة، بل نخشى أن يكون ضمن خطة ممنهجة تسعى إلى تدمير امتحان الثانوية العامة، لتكون مدخلا لتطبيق قرار مؤتمر التطوير التربوي الذي عقد عام 2015، وإستراتيجيات التربية الساعية إلى عدم إبقاء التوجيهي كمعيار وحيد للقبول الجامعي، وذلك لتكريس خصخصة الجامعات الحكومية.

المصدر : الجزيرة