رغم ظروف الهجرة والغربة.. طلاب مصريون يتفوقون بجامعات تركيا

طالبان مصريان يتحديان الهجرة قسرا ويتفوقان في تركيا
عبد الرحمن المرسي (يمين) ومصطفى سعودي طالبان مصريان متفوقان في تركيا (مواقع التواصل الاجتماعي)

تعد كليات الطب والهندسة -أو ما يطلق عليها المصريون "كليات القمة"- حلم الشباب المصري بعد الثانوية العامة، وفي سبيلها يعاني الطلاب وأسرهم ضغطا نفسيا وماليا من أجل تحقيق حلم الالتحاق بها، لكن هذه المعاناة تتفاقم مع فئة من الطلاب هم أولئك الذين اضطرتهم التقلبات السياسية إلى مغادرة مصر قسرا والبحث عن فرصة للحياة والنجاح في مكان آخر.

وعقب إطاحة الرئيس المنتخب محمد مرسي إثر الانقلاب العسكري الذي قاده الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي في صيف 2013 عندما كان وزيرا للدفاع، تعطلت مسيرة كثير من الطلاب المصريين، وبات حلمهم في التفوق الدراسي ودخول كليات القمة على وشك الانهيار، حيث هاجر آلاف منهم مع أسرهم خوفا من القمع الأمني أو بحثا عن حياة هادئة آمنة.

الجزيرة نت التقت مع طالبين مصريين هاجرا قسرا خشية التقلبات السياسية، وسعيا نحو الحلم الذي تحول بعد سنوات قليلة من الجهد والكفاح إلى واقع، مع احتلالهما مراكز متقدمة في نتائج جامعات تركية.

رحلة البحث عن الحلم

الطالب المصري مصطفى سعودي لم يكن يعلم أنه سيكون من الأوائل في كليته العلمية، ليحقق حلمه الذي عانى في سبيله الغربة ولغة جديدة وظروفا معيشية تحتاج إلى استقرار.

استرجع سعودي تلك الأيام الصعبة في مصر، عندما درس في كلية الهندسة بجامعة عين شمس مدة عام ونصف، لتصطدم أحلامه بالانقلاب العسكري، ويتحول من طالب منشغل بالدراسة وتحصيل العلم إلى مطارَد أمنيا صادر بحقه حكم غيابي بالمؤبد 25 سنة، مما اضطره إلى مغادرة البلاد.

تنهّد قليلا وهو يسرد رحلة البحث عن الحلم قائلا "كانت وجهتي دولة ماليزيا، ولكنني لم أستقر فيها، ثم توجهت إلى تركيا، وهناك بحثت عن عمل لتوفير نفقات الحياة أولا قبل التفكير في استكمال الدراسة".

وأضاف "ثم بدأت قصتي مع البحث عن الجامعات الحكومية للدراسة فيها، وتوجهت إلى جامعة إسطنبول التقنية عام 2014، وتجاوزت اختبار اللغة الإنجليزية، ولكني فوجئت بأن الدراسة باللغة التركية و30% منها فقط بالإنجليزية، مما دعاني لسحب أوراق تقدمي والانتظار للعام اللاحق، حتى إتقان التركية".

الوالدان سرّ النجاح

وأشار الطالب الجامعي إلى أن والدته كانت دافعا له للاستمرار في السعي لتحقيق حلمه، حيث قدّم أوراقه لجامعة خاصة، ودرس وعمل في الوقت نفسه، كما حرص أيضا على تعلّم اللغة الألمانية تمهيدا لمحاولة الهجرة إلى ألمانيا.

غير أنه تراجع وتشجّع لإتمام دراسة الهندسة الصناعية في جامعة "بيلغي" التركية، أملا في التحويل منها لاحقا إلى جامعة إسطنبول التقنية التي طالما حلم بها، وبالفعل التحق بتلك الجامعة وانتقل إلى قسم هندسة الفضاء من أجل تحقيق حلمه.

وأكد سعودي أنه كانت هناك عوامل نفسية عاناها أثناء الدراسة، منها وجوده مع طلاب يصغرونه سنا، والغربة عن وطنه وأهله، وقلقه عليهم من الأحداث الأمنية في مصر، ولكن كان هناك دافع قوي له وهو تحقيق حلمه وحلم والديه، وإسعادهم بتفوقه.

وقال سعودي "مرّت سنوات الدراسة سريعا رغم صعوبات الفصل الأخير بسبب كورونا، لكن بفضل الله نجحت وحققت حلمي وأصبح ترتيبي الثالث على مستوى الجامعة".

واستكمل حديثه "حققت حلمي وحلم أهلي وأتممت دراستي الجامعية رغم الظروف التي مررت بها، وهناك من حاول تثبيطي بالحديث عن عدم جدوى التعليم والشهادات، وأن البحث عن عمل أولى".

 

عبد الرحمن المرسي طالب مصري تحدّى الهجرة القسرية وتفوّق في الجامعات التركية (مواقع التواصل)

خُطى كتبت علينا

بدوره، يروي خريج جامعة إسطنبول التقنية للهندسة الصناعية عبد الرحمن المرسي (25 عاما) قصته عن تحقيقه المركز الأول على دفعته الدراسية في جامعة المنصورة (شمال القاهرة)، إلى الحصول على المركز الثالث في أكبر جامعة تقنية بتركيا.

وقال المرسي -في حديثه للجزيرة نت- "درست في مصر هندسة إنتاج وتصميم ميكانيكي في جامعة المنصورة، وكنت الأول على دفعتي في السنة الدراسية الأولى".

واستدرك "لكن نظرا للظروف السياسية والمطاردات الأمنية داخل مصر، قررت السفر لاستكمال الدراسة في الخارج، وسافرت إلى ماليزيا، ثم انتهى بي المطاف في تركيا لاستكمال دراستي الجامعية".

وأضاف "عام 2014 أصدرت وزارة التعليم العالي التركية قانونا يسمح للطلاب العرب بمعادلة شهاداتهم الجامعية واستكمال الدراسة في جامعة إسطنبول التقنية، فقدمت أوراقي في قسم الهندسة الصناعية وكان من نصيبي القبول به".

ومستلهما بيت الشعر الشهير "مشيناها خطى كتبت علينا .. ومن كتبت عليه خطى مشاها"، يقول المرسي إن  الحياة بالنسبة للمغترب الإجباري تختلف كثيرا عن المغترب طوعا.

نجاح من رحم الأزمات

وقال "كانت مشكلات الحياة في بلد لا تعلم لغته وعادات شعبه أصعب من الدراسة ومشكلاتها التي كانت تجربة فريدة تعلمت منها الكثير، وجعلتني أعرف الكثير عن نفسي وكيفية الاعتماد عليها".

وتذكّر معاناة الوصول إلى حلمه، قائلا إن الدراسة في تركيا كانت صعبة نظرا للغربة والبعد عن الأهل، إلا أنها كانت في الوقت نفسه فرصة للتغلب على وحشة الاغتراب بقضاء أغلب الوقت في الدراسة وفي مكتبة الجامعة.

ورغم صعوبات اللغة والتواصل مع الأساتذة والطلاب في البداية، لكنه قال إن "القسم الذي درست فيه تميّز بالتيسير، والحمد لله، ربنا أكرمني وحققت المركز الثالث على مستوى قسم الهندسة الصناعية بجامعة إسطنبول التقنية".

المصدر : الجزيرة