الكوكوريتش.. وجبة تركية عسيرة الهضم على الاتحاد الأوروبي

تتكون وجبة كوكوريتش من أمعاء لحم الضأن المشوية برفقة بهارات خاصة
وجبة الكوكوريتش تتكون من أمعاء لحم الضأن المشوية برفقة بهارات خاصة (الجزيرة)

تشتهر تركيا بمأكولاتها الشعبية التي تباع في الشوارع، ويحافظ الأتراك على تناولها باعتبارها موروثا قوميا، ومن بين أشهر هذه الأكلات وجبة الكوكوريتش Kokoretsi، معشوقة الأتراك التي أصبحت مادة للخلاف السياسي بين أنقرة والاتحاد الأوروبي.

فحظر بيعها وتناولها أحد شروط أوروبا لانضمام تركيا إليها، كونه يجري تحضيرها من أمعاء الماشية التي تتعارض مع المعايير الغذائية الأوروبية.

وتتكون كوكوريتش من أمعاء لحم الضأن المشوية برفقة بهارات خاصة، يتم لفها بشطيرة خبز بعد أن تنظف جيدا بالماء وتنقع بالليمون والخل والملح والثوم والفلفل وزيت الزيتون، وبعد ساعات من النقع تلف على سيخ كسيخ الشاورما، ويتم شواؤها على نار هادئة فوق الفحم عادةَ، وتقدم كسندويش مع السلطة والخس والبندورة والبصل والأعشاب المجففة.

أهم من أوروبا

تنتشر أسياخ الكوكوريتش في كل أنحاء تركيا، وقد يظنها البعض شاورما للوهلة الأولى، حتى وإن دقق النظر رآها تختلف اختلافا كليا عن الشاورما، ولا عجب بانتشارها فهي تحظى بشعبية كبيرة جدا لدى الأتراك، وتستطيع إيجادها في كل شارع تقريبا بأسعار شبه رخيصة، وبسرعة جيدة تستطيع أن تأكلها وقوفا أو إن رغبت بإكمال مسيرك مشيا.

ويعيش الشارع التركي جدلا كبيرا منذ أن طلب الاتحاد الاوروبي منع هذا النوع من الطعام كأحد شروط الانضمام له، حيث يعتبر المواطن التركي ذلك مساسا بهويته القومية.

ويقول هاكان أوسطا صاحب مطعم جالا كوكوريتش "إنه جزء من تقاليد وهوية الشعب التركي، فقد زاد الاقبال على الكوكوريتش بعد موقف الاتحاد الأوروبي منها".

وأوضح للجزيرة نت بأن الكوكوريتش تحضر من أمعاء الماعز والخراف حيث يتم تنظيفها جيدا ثم تتبيلها ولفها على سيخ يشبه الشاورما، وبعد شوائها يتم تقديمها على شكل ساندويتشات.

وأكد أن مسألة تنظيف الكوكوريتش مهمة للغاية "ونحن دقيقون جدا في هذا الموضوع، حيث يجري إخراج الأمعاء من بطن الماشية في المسلخ وهو مكان موثوق به، وهنا ننظفها مرة أخرى ثم نغسلها عدة مرات بالماء والخل ثم نقوم بإعدادها".

تنتشر أسياخ الكوكوريتش في كل أنحاء تركيا، وهي تشبه الشاورما لكنها تختلف اختلافا كليا عنها
أسياخ الكوكوريتش تنتشر بكل أنحاء تركيا وهي تشبه الشاورما لكنها تختلف كليا عنها (الجزيرة)

أما حسن أكاي فعند سؤاله -أثناء تناوله شطيرة الكوكوريتش عن أيهما يفضل الكوكوريتش أم أوروبا- توقف عن الأكل وأجاب بنبرة صوت مرتفعة "طبعا الكوكوريتش، فهو ألذ الأطعمة على الإطلاق، والشعب التركي لا يمكنه التنازل عن تناول هذه الوجبة".

ويقول أيضا "حبنا للكوكوريتش تشبه حكايات الحب التي لا تنتهي، ولا يمكننا التخلي عنه أبدا".

الجذور

ويقول المؤرخ التركي زكي بيرم أوغلو إن الكوكوريتش أكلة بلقانية أو يونانية، وهي مشهورة في كل من تركيا وألبانيا واليونان وأرمينيا، وكل هذه البلدان تسميها بهذا الاسم مع الاختلاف البسيط بالأحرف.

ولفت إلى أن هذه الوجبة دخلت تركيا عبر مدينة أزمير منذ نحو 100 عام، وانتقلت لاحقا إلى عموم الولايات لتنتشر وتصبح ضمن الوجبات الأساسية والمميزة.

وأضاف للجزيرة نت "على الرغم من تنوع المطبخ التركي منذ الخلافة العثمانية التي حكمت الكثير من الحضارات وتأثرت بطعامها فإن الكوكوريتش دخل تركيا نهاية القرن 19 حينما غيّر العثمانيون عاداتهم القديمة وتحولوا للعادات الأوروبية الجديدة".

وزاد المؤرخ التركي "الكوكوريتش ليس قديما جدا في تركيا، لكن لدينا خبرة طويلة بالأطعمة المتعلقة بمخلفات الحيوانات منذ أن صنعنا حساء الكرش وشوربة رأس الخروف قبل مئات السنين".

معايير أوروبية

من جهته، قال ياسين كوفانتش أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ارجيس بقيصري "حينما سعت تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي عام 2005 قدم لها الاتحاد شروطا كثيرة يجب أن تفي بها قبل الانضمام، وكان من بين هذه الشروط حظر بيع الأمعاء الحيوانية التي يصنع منها طبق الكوكوريتش كونها تتعارض مع المعايير الصحية للاتحاد".

وأضاف للجزيرة نت "الحكومة التركية لم تناقش حينها مسألة حظر الكوكوريتش لوجود شروط أهم بكثير تتعلق بالحريات والشأن السياسي والاقتصادي يجب الاتفاق عليها أولا مع أوروبا" لافتا لصعوبة تقبل الشعب التركي لحظر الكوكوريتش في حال تم الاتفاق على الملفات الأخرى.

وأشار إلى أن الطبق الأسكتلندي المسمى "هاجيس" Haggis يتكون من جميع مخلفات الحيوان. وقياسا، يمكن أن يدخل الكوكوريتش إلى الاتحاد الأوروبي، مبينا أن الأمعاء الحيوانية تصنع وتؤكل بحرية في إيطاليا وإسبانيا واليونان، والأخيرة بلد يأتي منه الكوكوريتش.

وأوضح كوفانتش بأن ما هو مهم للاتحاد الأوروبي هو المعيار الصحي للأغذية والوفاء بشروط النظافة وليس نوع الأكل، مضيفا "في الدول الأعضاء تُعطى الأهمية لما يستهلكه الناس، ومن حق كل دولة أن تقرر طعامها".

عامل تركي أثناء اعداد شطيرة كوكوريتش من أجل تقديمها لأحد الزبائن1
إعداد شطيرة الكوكوريتش (الجزيرة)

أنقرة لن تمنعها

وذكرت صحيفة حرييت في تقرير لها أنه بموجب سياسات الاتحاد الاوروبي يحظر بيع الأمعاء الحيوانية والكبد والأدمغة والعينين والطحال والأجزاء الاخرى التي يصعب طهيها بأمان. ومن اللافت أن القانون الاوروبي فشل قبل ذلك في حظر الكوكوريتش بشكل كامل في اليونان، فالشعب اليوناني يعتبرها أكلة تقليدية في عيد الفصح الأرثوذكسي.

وقالت الصحيفة التركية "لقد حظر الاتحاد الأوروبي الدول الأعضاء من أكل الكوكوريتش بعد تفشي جنون البقر بدعوى أن أحشاء الماشية ضارة بالصحة، وتسبب القرار بغضب كبير في أثينا، وتم نشر مقالات وبرامج مع تحليل وافر بالصحافة والتلفزيون اليوناني حول الموضوع".

وأضافت "الآن يأتي اليونانيون لأكل الكوكوريتش في تركيا، والاتحاد الأوروبي لا يمكنه تعليمنا ماذا نأكل، ولا يمكنه التدخل في أسلوب حياتنا".

وكان وزير الزراعة والشؤون الريفية السابق مهدي إيكر أكد، في تصريحات صحفية، أن أنقرة لن تفرض أي قيود على الوجبات التركية المتعلقة بأحشاء الحيوانات والتي تسمى بالتركية بالسقطات، مثل الكوكوريتش وعظام الرأس وحساء الكرشة.

وأوضح إيكر أن عمليات التقييم ستتم وفقا لمعايير الاتحاد الأوروبي من أجل حماية المستهلك، وأن المواطن في ديار بكر والمواطن في باريس وهلسنكي سيخضعان لنفس المعايير من حيث نظافة الطعام.

المصدر : الجزيرة