قميز.. حكاية الفرس القرغيزية وحليبها

امرأة تحلب فرس في المناطق الريفية شمال بيشكك العاصمة - الأوروبية
حليب الفرس جزء أساسي من الحياة اليومية للبدو القرعيز (الأوروبية)

نسيبة محمود-بشكك

عرف حليب الفرس "قميز" -الذي يعني "الخمر الأبيض"- في قرغيزستان في القرن الخامس قبل الميلاد، حيث كان البدو يتناولون هذا الشراب أثناء تنقلهم من مكان إلى آخر.

ويعتبر حليب الفرس من المشروبات الأساسية لدى الشعب القرغيزي، ويشرب في موسم خاص في الفترة من منتصف أبريل/نيسان حتى منتصف يوليو/تموز كل عام، بعد ولادة الفرس؛ ففي هذه الفترة يأتي الناس -خاصة المرضى- إلى الجبال لمدة بين عشرة وعشرين يوما، بحسب مرض الشخص.

ويستعمل القرغيزيون "قميز" بثلاث طرق، ويعتقدون بأن له فوائد علاجية، حيث يشرب مباشرة بعد حلبه، لينشط الدورة الدموية ويساعد على شفاء الكثير من الأمراض؛ مثل آلام المعدة والغازات والسمنة، ويأتي الناس خصيصا للعلاج لشرب هذا النوع من الحليب.

أما الطريقة الثانية، فيخلط مع حليب الماعز أو البقر، وهو ما يضعف فاعليته في العلاج.

والثالثة أن يسكب الحليب في إناء خشبي مباشرة ومن دون غليه، ويخفق عدة ساعات، وكلما خفق أكثر يصبح أفضل وأطيب طعما.

‪حليب الفرس مشروب تقليدي على المائدة القرغيزية خاصة عند البدو‬ (الأوروبية)
‪حليب الفرس مشروب تقليدي على المائدة القرغيزية خاصة عند البدو‬ (الأوروبية)

تحلب الفرس في اليوم أربع مرات: في الساعة التاسعة صباحا، ثم في الواحدة ظهرا ثم في الثالثة، وأخيرا في الخامسة مساء، بمعدل يصل إلى ما بين خمسة وسبعة لترات من الحليب في اليوم الواحد.

وتمتاز منطقة أرشان (شمال قرغيزستان وتبعد ستين كيلومترا عن العاصمة بشكيك) بالجبال الخضراء والجبال الثلجية والجو النقي والأنهار الجارية، وتعتبر منطقة سياحية ذات مناخ معتدل، حيث يأتيها السياح للراحة والاستجمام، وتشتهر بتربية الخيول وحليب الأفراس.

نورا (57 عاما) سائحة قدمت من أوزبكستان، بعدما سمعت عن فوائد "قميز" كعلاج، وتقول للجزيرة نت "أتيت من أوزبكستان مع حفيدتي خصيصا لشرب قميز للعلاج؛ فمنذ سنوات طويلة وأنا أعاني من انتفاخ في البطن، وذهبت للعديد من الأطباء، وتناولت الكثير من الأدوية، ولم أشف، حتى أتيت إلى بشكيك وبدأت أشرب حليب الفرس أربع مرات في اليوم، وذلك بعد حلب الفرس مباشرة".

عائلة قرغيزية تحضر الجبن المالح من حليب الفرس (الأوروبية)
عائلة قرغيزية تحضر الجبن المالح من حليب الفرس (الأوروبية)

وتضيف نورا "منذ تسعة أيام وأنا أشرب الحليب فقط، لكنني لا أشعر بالجوع؛ هنا الطبيعة رائعة، تشعر بالاسترخاء وراحة البال، وأنا الآن أشعر بصحة ممتازة، ولا أعاني من أي آلام مثل الماضي، وأنوي القدوم في السنة القادمة لأبقى فترة أطول إن شاء الله".

وقالت سيفينج حفيدة نورا، وتبلغ من العمر ست سنوات، "أتيت مع جدتي من أوزبكستان لنستمتع بوقتنا ونشرب الحليب كل يوم، ولتشفى جدتي من مرضها".

وقالت كاتيا (أربعون عاما) "أنا أعيش في منطقة كرابالتا، وأتيت أنا وزوجي إلى هنا لنشرب قميز لتنشيط دورتنا الدموية، وزوجي كان يعاني من آلام في المعدة، والآن يشعر بتحسن كبير، ونحن هنا منذ سبعة أيام، أشعر هنا بالسعادة والراحة".

ولأن حليب الفرس يمثل المشروب الشعبي عند القرغيزي، نجده يقدم في المطاعم الشعبية ويباع بأسعار زهيدة في الشوارع والميادين والمحلات، ويقدم في المناسبات والأعياد خاصة في فصل الصيف.

أطفال يمتطون فرسا في مهرجان للحياة التقليدية في قرغيزيا وتظهر الخيام التقليدية (الأوروبية)
أطفال يمتطون فرسا في مهرجان للحياة التقليدية في قرغيزيا وتظهر الخيام التقليدية (الأوروبية)

ونظرا لأهمية الخيول في حياة القرغيزيين ترتفع أسعارها إلى عشرات آلاف الدولارات، لأنها تشكل أهمية صحية واقتصادية وتاريخية في حياة الشعب القرغيزي، حيث يتناول القرغيزيون لحم الخيل بشكل اعتيادي، ويعتبرونه من اللحوم المفيدة لجسم الإنسان، ويقدمونه طعاما في الأعياد والأعراس والعزاء، ويعد تقديم لحم الحصان للضيوف مؤشرا على إكرام الضيف.

وتلقى تربية وتجارة الخيول في قرغيزيا رواجا واسعا، خاصة في المناطق الجبلية ذات الطبيعة الخلابة والطقس المتميز، وهي أيضا مراع مناسبة للخيل، وفي فصل الشتاء تتم حماية الخيول في الحظائر لتجنيبها البرد الشديد والثلوج.

المصدر : الجزيرة