المرزوقي لميدان: الثورات القادمة ستكون أكثر عنفا.. وقيس سعيد سيختفي وليس الأحزاب

المروزقي لميدان: الثورات القادمة حتمية وأكثر عنفا، وقيس سعيد سيختفي وليس الأحزاب
الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي (الجزيرة)

انتهى أمس السبت، 17 ديسمبر/كانون الأول، الاقتراع في الانتخابات التشريعية التونسية المبكرة، بنسبة مشاركة بلغت 8.8% هي الأدنى منذ الثورة التي أطاحت بحكم زين العابدين بن علي عام 2011، وذلك بسبب مقاطعة أحزاب عدّة للانتخابات التي يراها معارضو الرئيس قيس سعيد باعتبارها ترسيخا لحكم الفرد الواحد، بينما يراها مناصروه خطوة أخرى في تمكين مشروع التغيير.

وبهذه المناسبة، نستضيف في منصة ميدان التابعة لموقع الجزيرة نت، وبالتنسيق مع الجزيرة دوت كوم (الجزيرة الإنجليزية)، الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي، لنسأله عن عدّة قضايا مثل الانتخابات التشريعية الحالية، ومستقبل الأحزاب السياسية في تونس، والوضع الاقتصادي، وعن تنبؤاته للمرحلة القادمة وتقييمه لسنوات ما بعد الثورة.

 

  • ميدان: دعني أسألك أولا سؤالا لعله الأكثر إلحاحا في أيامنا هذه، إذ يرى العديد من المراقبين أن تونس تحوّلت بصورة دراميّة، من كونها قصة نجاح الربيع العربي الأبرز والنموذج الذي تطلَّعت إليه بقية المنطقة إلى الوقوف في مصاف الدول التي تعثرت فيها مسيرة الثورات.. فما الخطأ الذي حدث؟ وعلى مَن يقع اللوم؟
A protester from Tunisia's marginalised rural heartlands smiles as he prepares to spend his second night outside the Prime Minister's office in Tunis January 24, 2011. Protesters demonstrated in the capital on Sunday to demand that the revolution they started should now sweep the remnants of the fallen president's old guard from power. The arabic words on his face read, "Will power". REUTERS/Zohra Bensemra (TUNISIA - Tags: POLITICS CIVIL UNREST SOCIETY)
الثورة التونسية أثناء الربيع العربي (رويترز)

المرزوقي: أعتقد أن الأمر لا يتعلق بتونس وحدها، بل بالربيع العربي كله، فما رأيناه في تونس رأيناه في مصر وسوريا وليبيا واليمن. ما حدث من الناحية الواقعية، في رأيي، أنه كان هناك قرار إقليمي بالتعامل مع "مشكلة" الربيع العربي وتجنُّب عدوى الثورات. هذا ما حدث تماما، فللأسف، تدمرت سوريا بسبب الحرب الأهلية، وكذلك اليمن وليبيا، ومصر بسبب انقلاب عسكري، وتونس أيضا بسبب انقلاب دستوري، عن طريق الانتخابات وتقديم رشاوى للإعلام، إلخ. لذا، فإن فشل تونس في الحقيقة جزء من فشل الربيع العربي كله، وربما هذا هو الدرس الأهم الذي تعلمناه مما حدث في السنوات العشر الأخيرة، فعملية التحول الديمقراطي في أي بلد لم تعد مسألة محلية، بل هي حاليا مسألة إقليمية وعالمية. ما يعني أن تونس لم تكن لتنجح بأي شكل بسبب القرار الذي اتُّخِذ على المستوى الإقليمي من قِبَل قوى إقليمية بإيقاف وتخريب التحول الديمقراطي. لذا دعنا نتحدث عن المشكلة كلها، وليس عن مشكلة محددة، بالطبع نحن نتحمل المسؤولية عما حدث في تونس، لكنني أعلم أن ذلك كان نتيجة تدخل عامل خارجي بالأساس، لذا علينا النظر إلى الساحة كاملة، وألا نركز على تونس وحدها.

 

  • ميدان: فيما يخص "التهديدات" التي تُمثِّلها أماكن مثل تونس، أو انتشار الربيع العربي في المنطقة كلها، مَن هم بالتحديد الذين يُمثِّل ذلك تهديدا لهم؟ كما أنك تحدثت عن قرارات اتُّخِذَت أيضا، فمَن اتخذ هذه القرارات؟ ولماذا يُعَدُّ الربيع العربي تهديدا لهذه القوى الإقليمية؟

المرزوقي: حسنا، حدث ذلك لأن الربيع العربي يُعبِّر عن حقيقة ظهور أجيال جديدة، أُسميهم "الأجيال الإلكترونية"، هذا الجيل الجديد يعارض بشدة النظام السياسي القديم المتوارث من العصور الوسطى، ويتمحور حول حكم الرجل الواحد أو القبيلة الواحدة أو الحزب الواحد. الآن لديك هذا التعارض العميق بين هذا "الجيل الإلكتروني"، حيث يرتبط شبابنا بشدة بالحرية بجميع أنواعها، وبين النظم الحاكمة. ولننظر مثلا لما حدث في إيران، فالأمر متصل بجيل جديد يقف ضد النظام السياسي القديم. هذا النظام السياسي القديم في الوطن العربي نعرف أنه كان مسؤولا عن الموقف الذي كنا فيه قبل الثورة، وأعتقد أن الجيل الجديد ضاق ذرعا بذلك النوع من النظام، وهو يطالب بالمزيد من الحرية وبنظام أكثر فعالية، ودعنا لا ننسى أن الأسباب الأساسية للانتفاضات في بلادنا كانت اجتماعية واقتصادية بالأساس، ولم تكن طلبا للديمقراطية والحرية فحسب، لذا أعتقد أنه حتى لو أن ما حصلنا عليه من السنوات العشر الأخيرة هو فشل الربيع العربي، فأنا أعتقد أن المسألة مسألة وقت، لأن الموقف الآن في تونس وكل مكان آخر في المنطقة يمكن تلخيصه في أمرين: فشل الثورة، وفشل الثورة المضادة. ولذلك أتوقع حدوث موجة جديدة من الثورة، لأن الثورة المضادة لم تستطع تحقيق أي شيء، لذا فعملية التغيير مستمرة، والتحدث عن فشل الثورة في تونس أو مصر أو غيرها هو أمر سابق لأوانه.

 

  • ميدان: مع حلول موعد الانتخابات البرلمانية، كيف ترى قرارات الرئيس قيس سعيد الأخيرة، التي يراها معارضوه باعتبارها تتجه ناحية تصفية الحياة الحزبية، فكيف ترى المشهد السياسي في تونس مع قُرب تشكُّل برلمان جديد؟ 
Tunisia's President Kais Saied attends the China-Arab summit in Riyadh, Saudi Arabia December 9, 2022. Saudi Press Agency/Handout via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS PICTURE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY
قيس سعيد (رويترز)

المرزوقي: الحياة الحزبية موجودة منذ 70 عاما، ولن تختفي لمجرد أن شخصا، عابر سبيل، قال "أنا ضد الأحزاب"، لأنها ضرورية لبناء الديمقراطية والمجتمع، ولذا فهو لا يستطيع إلغاءها. إنه يعيش في نوع من الحلم أو الهذيان بأن هذه الأحزاب ستختفي، وهي لن تختفي، ولذا فهو يضيع وقته، لا سيما أن التجربة التي نمر بها ستجعل الشعب التونسي يرى مَن هم الأشخاص الذين خرجوا من اللا شيء، دون خبرة ولا تجربة، ليُشكِّلوا برلمانا باهتا. وهذا ما سيُثبِت للشعب التونسي تفاهة هذا المشروع الشعبوي، وعدم قدرته على إنجاز أي شيء. هو (الرئيس سعيد) الذي سيختفي وليست الأحزاب.

 

  • ميدان: هل لك أن تشرح لنا -من وجهة نظرك- الأهداف التي تقف وراء تحركات الرئيس التونسي قيس سعيد؟

المرزوقي: قيس سعيد هو جزء من الثورة المضادة، فهو لم يلعب أي دور في الثورة، وأنا أعرف ذلك لأنني ناضلت ضد الديكتاتورية طيلة عشرين عاما، ولم أقابله أبدا خلالها، فهو لم يلعب أي دور للإطاحة بالديكتاتورية، أو أي دور في بناء الديمقراطية الجديدة خلال سنوات رئاستي الثلاث، بل كان جزءا من الثورة المضادة، وذلك لسبب آخر مختلف عن أسباب النظام السياسي القديم، وأنا أعتقد أنه يلعب دوره الخاص للعودة إلى النظام السياسي القديم.

في دستور عام 2022، الذي أعدَّه قيس سعيّد بنفسه، ويشبه إلى حدٍّ كبير دستور الاستقلال، أعاد مرة أخرى حكم الرجل الواحد الذي يملك جميع سلطات الحكومة في يده، وهذا تماما ما لم نرغب فيه بعد الثورة، إذ قررنا أننا لم نعد نرغب في حكم الرجل الواحد، لأن ذلك تماما ما دمَّر بلدنا، وجميع البلدان العربية. يحدث ذلك في مصر مثلا، كما دمرت رغبة الرجل الواحد العراق، وسوريا، وكذلك ليبيا، ولذلك لم نكن نريد في تونس العودة إلى ذلك النظام السياسي. أما هذا الرجل، فإنه يعود مجددا إلى النظام السياسي القديم، لذلك فإنه سيواجه المشكلة ذاتها التي واجهها أسلافه، لأنه لا يمكن لرجل واحد أن يحكم أمة، بل نحن في حاجة ماسة اليوم إلى أن يكون لديك برلمان، وهيكل إداري، ومؤسسات، وقوانين، أن يكون لديك نظام ديمقراطي، وهو النظام الذي نحتاج إليه من أجل الأمن والتنمية لأي أمة. ومجددا أقول: حسنا، لدينا ثورة فاشلة، تلك القوى الإقليمية حرصت على إفشالها، لكن مرة أخرى، الثورة المضادة لا تحقق أي شيء، وقيس سعيد لا يحقق أي شيء، وأعتقد أنه ربما لن يبقى في السلطة طويلا.

 

  • ميدان: كنتَ قد كتبت سابقا مقالا في موقع الجزيرة نت يتحدث عن صعود السياسة الشعبوية حول العالم، وصعود الساسة الشعبويين، وقد ذكرت قيس سعيّد ضمن أمثلتك باعتباره نموذجا سياسيا مضادّا للنخبة السياسية التقليدية، فهل ترى أن ما نراه اليوم في تونس يُعَدُّ مثالا لمظهر سياسي أوسع يمتد على اتساع جغرافيا العالم؟
Supporters of Tunisia's Islamist opposition party Ennahda attend a protest against Tunisian President Kais Saied, in Tunis, Tunisia October 15, 2022. REUTERS/Zoubeir Souissi
أنصار حزب النهضة الإسلامي المعارض في تونس يشاركون في احتجاج ضد الرئيس التونسي قيس سعيد في تونس العاصمة (رويترز)

المرزوقي: أتفق معك تماما، هي ظاهرة عالمية. انظر إلى ما يحدث في البرازيل، حتى في الولايات المتحدة، كان رئيسها السابق دونالد ترامب مثالا نموذجيا لما يكون عليه القادة الشعبويون. وبالعودة إلى لتونس، فما حدث فيها هو أنه حينما تؤسس نظاما ديمقراطيا جديدا، فهذا البناء يتطلَّبُ وقتا طويلا. والأمر من الناحية العملية محبط، لأن عليك أن تنتظر النتائج، فلا يمكنك بين ليلة وضحاها أن تراها، فالنتائج الاقتصادية والديمقراطية لا يمكن تحقيقها فورا، بل تستغرق وقتا طويلا، وبالنسبة للشعوب فهي بطبيعتها غير صبورة، لأنها عانت طويلا من الديكتاتورية، لذلك تريد منك تحقيق إنجازات فورية، ليس فقط فيما يتعلَّق بالحرية السياسية، بل والتنمية الاجتماعية والاقتصادية أيضا.

وهذا ما لم نستطع فعله للأسف. ثم هناك ذلك النوع من السياسيين الذي يأتي ليقول: "انظروا، الديمقراطية لا تحقق أي شيء، إنهم يتحدثون فقط، انظر إلى الفساد، إلى البرلمان". بالطبع عندما تؤسس أي نظام سياسي للمرة الأولى سيكون لديك الكثير من الاختلالات، لذلك فهذا النمط من السياسيين يلعبون على حضور تلك المشكلات كي يقولوا: "أنا سأكون الحل". حسنا، ستكون أنت الحل، وأنت الآن المسؤول، فما الذي حققته؟ لذلك أقول: لحُسن الحظ أننا حظينا بهذه الحلقة الجديدة من الثورة المضادة، فالشعب الآن في تونس يرى واقعيا أن الشعبويين لا يحققون أي شيء. والأمر مماثل لما يجري في مصر، فالمصريون يرون حقيقة أن الديكتاتورية الغاشمة لا تحقق شيئا أيضا على مستوى معيشة الناس اليومية. لذلك، أتوقع حدوث موجة جديدة من التحول الديمقراطي قريبا جدا.

 

  • ميدان: بالحديث عن الموجات الاحتجاجية الجديدة، يقول البعض إن أحداث العقد الماضي التي شهدتها تونس وأماكن أخرى أيضا جعلت الكثير يشعرون أن الثورات لا يمكنها أن تنجح، وربما لهذا السبب فنحن لا نرى احتجاجات جماهيرية حاليا.

المرزوقي: نعم، لكن في عام 2010، لم تخرج احتجاجات جماهيرية بالشكل ذاته، أتذكر تلك المرة حينما أضرم أعظم شهداء ثورتنا، محمد البوعزيزي، النار في نفسه، لم أستطع توقع أي شيء، لم أتوقع حدوث مثل تلك الانتفاضة. في الحقيقة، لم يكن بوسع أحد آنذاك القول إن هناك ثورة ستحدث، لكنها حدثت. أقول دائما إن الحديث عن "الربيع" العربي ليس تصويرا دقيقا، الصورة الدقيقة هي الحديث عن بركان.. البركان العربي، أتعرف ما يحدث في حالة البركان؟ يكون في حالة استقرار، وتتخيل أنه سيظل في حالة استقرار دائم، ومن ثم لن تعرف أبدا متى سيثور. في هذه اللحظة، البراكين العربية في حالة استقرار، إذا شاهدتها فستقول هذه الشعوب لن تفعل أي شيء، لكن لا يمكن أن تتوقع في أي لحظة سيندلع البركان، لأن الضغط داخل البراكين يتراكم، الضغط هو الفقر والذل والإحباط والغضب، كل هذا الضغط، أي هذه المكونات تنشط داخل البركان، ولا يعلم أحد على وجه الدقة كيف أو متى سيندلع البركان، لكنك تعرف بالتأكيد أنه سيثور.

 

  • ميدان: نفهم من ذلك أنك تتوقع أن السنوات القليلة المقبلة ستشهد احتجاجات جماهيرية مرة أخرى؟

 

Supporters of Tunisia's Islamist opposition party Ennahda attend a protest against Tunisian President Kais Saied, in Tunis, Tunisia October 15, 2022. REUTERS/Zoubeir Souissi
احتجاجات ضد الرئيس التونسي قيس سعيد (رويترز)

المرزوقي: نعم، وما أخشاه أنها قد تكون أعنف. لأنه بالطبع في تونس ومصر لم تكن الثورات عنيفة، وآمل أن تكون الثورة المقبلة سلمية أيضا، لكنني أخشى أنها على الأغلب ستكون أعنف، لأن مستوى الإحباط والغضب لدى الشباب في تونس ومصر شديد الارتفاع. ومن جهة أخرى، الحكومات خائفة للغاية، لأنها تعلم أن مع الثورة المقبلة لن تكون هناك عدالة انتقالية، ولن يكون هناك عذر لها كما حدث من قبل، عندما تحملنا المسؤولية قلنا إننا يجب أن نحظى بأكثر انتقال سلمي ممكن، في الإشارة إلى العدالة الانتقالية والعدالة التصالحية وإلخ.

لكنني أخشى أن الثورة المقبلة لن تكون كسابقتها. آمل أن نتجنب ذلك، لكنني لا أعرف تماما كيف يمكن أن يحدث، لأنه يعني أن نجلس مع الحكومة لإيجاد تسوية، لكنني لا أتخيل مثلا أن يجلس السيسي مع المعارضة المصرية لبحث تسوية، ولا أعتقد أيضا أن قيس سعيد يمكن أن يكون حكيما بالدرجة التي تجعله يجلس ويتحاور لتجنب ثورة جديدة. ولذلك، للأسف أعتقد أنه ستكون هناك ثورة جديدة لعلها تكون أعنف.

 

  • ميدان: في رأيك، ما دور الأحزاب التونسية في المرحلة القادمة؟ وهل ثمة دور تلعبه المعارضة التونسية لمواجهة سردية قيس سعيد والتأثير على المشهد التونسي؟ 

المرزوقي: لا، لأن المعارضة منقسمة بشدة. في الحقيقة، المعارضة في مصر وتونس وسوريا منقسمة بشدة مع الأسف. وأنا أعمل جاهدا في تونس لجعلهم يجلسون معا ويتحاورون مع إغفال الخلافات الأيديولوجية، فهذه المشكلة بين الإسلاميين والعلمانيين موجودة حتى في تونس، إذ لم نتمكن من تجاوز هذه الفجوة، وآمل أن نفعل. لكن وللتاريخ، فالثورة التي حدثت في تونس عام 2011 لم يقم بها حزب سياسي، ولكن قام بها الشعب، الشباب، ولم يقوموا بذلك لأنهم كانوا إسلاميين أو علمانيين، ولكن بسبب المشكلات التي تواجههم. وهذا هو تماما ما سيحدث، وأنا أعتقد أن التغيير سيأتي من داخل المجتمع ومن ثم ستلحق الأحزاب السياسية بالموجة، وليس العكس.

 

  • ميدان: على اعتبار أن جميعها مستهدف، هل ترى أن أمام الأحزاب اليوم فرصة أو أملا في التقارب خلال المرحلة القادمة؟
Demonstrators shout slogans during a protest against Tunisian President Kais Saied after he dissolved the parliament last month, in Tunis, Tunisia April 10, 2022. REUTERS/Zoubeir Souissi
احتجاجات في تونس (رويترز)

المرزوقي: بالنسبة لي القضية المركزية الآن هي استعادة الديمقراطية والقرار الوطني. أما فيما يخص الأحزاب والتقارب بينها، فيجب أن نعي أولا أن طبيعة الأحزاب من حيث تكوينها هو التنافس والتنافر، وذلك في أي دولة في العالم حتى في السويد أو الولايات المتحدة. فعندما كنت في أميركا، شهدت بنفسي الخصومة الكبيرة بين الحزبين، لكنّ الفرق أنها تُضبط في إطار جامع. وهذا الإطار عندنا تَمثَّل في دستور 2014، وهناك نوع من الاتفاق عليه. أما الآن، وبما أن كل الأحزاب مستهدفة، فعليها العمل مع بعضها بعضا، وهذا هو ما أدعو إليه وأسعى إليه طوال الوقت من وراء الستار.

 

  • ميدان: دعني أنتقل إلى الشق الاقتصادي، تونس تسعى للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، فما تأثير هذا الأمر -إن تم- على التخفيف من الأزمة الاقتصادية التي تشهدها تونس اليوم؟

المرزوقي: إلى الآن لم يتم الاتفاق لأن هناك أصواتا متناقضة داخل الحكومة التونسية، لذا أوقف الصندوق العملية حتى تتضح الأمور، فحديث رئيس الجمهورية يخالف حديث رئيسة الحكومة، إذ يُلقي الرئيس خُطبا شعبوية مفادها "أننا لن نقبل وأننا كذا وكذا"، ولكن رئيسة الحكومة تقول العكس. على كل حال، حتى لو وافق صندوق النقد على القرض، فذلك لن يحل مشكلة تونس، بل سيزيد فقط من حجم الديون.

تونس تعاني من توقف الماكينة الاقتصادية منذ 10 سنوات، بسبب الفترة الانتقالية الصعبة، حينما ساد عدم الاستقرار. ومع صعود الباجي قائد السبسي في 2014 كان من المفترض أن تستقر الدولة في ظل استحواذه على أغلبية البرلمان، لكن ذلك لم يحدث لأن الثورة المضادة كانت في حالة تفكك ولم تستطع القيام بأي شيء. ثم جاء هذا الانقلاب فزاد الطين بلة، وانهارت الماكينة الاقتصادية تماما بسبب الظروف السياسية المحيطة بها. والآن تقترض الحكومة من هنا وهناك لسد الفجوات، لكن الانهيار الاقتصادي متواصل، ولا ينقذ الاقتصاد التونسي سوى عودة الحكومة والرئاسة ووضوح الأمور، أي الاستقرار السياسي، الذي لا وجود له. وأي قرض تمنحه أي دولة أو جهة فهو قرض ضائع يُطيل من عملية احتضار هذا النظام، لا أكثر ولا أقل.

 

  • ميدان: ختاما، ثمّة مَن يصف مرحلة ما بعد الثورة بـ"العشرية السوداء"، فما الأخطاء التي حدثت في تلك السنوات وقادت إلى هذه النتيجة؟ وهل هناك أي شيء فعلته في فترة رئاستك لو عاد بك الزمن لغيرته؟ هل هناك أي أخطاء ارتكبتها أدت إلى ما تشهده تونس حاليا؟

 

Tunisia's President Moncef Marzouki delivers a speech during a meeting to celebrate International Workers' Day, or Labour Day, in Tunis May 1, 2014. REUTERS/Zoubeir Souissi (TUNISIA - Tags: BUSINESS EMPLOYMENT POLITICS)
الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي (رويترز)

المرزوقي: مجددا، نحن لا نتحمل مسؤولية ما حدث، فقد لعب تدخل أطراف سياسية أجنبية دورا محوريا في تخريب ثورتنا. لكننا بالطبع ارتكبنا أخطاء، أهمها أن الانتقال استغرق ثلاث سنوات لتأسيس دستور جديد ومؤسسات جديدة، وخلال هذه السنوات الثلاث كان الاقتصاد في حالة جمود، فمن المعروف في كل مكان عندما يكون لديك حالة عدم استقرار سياسي، فإن الاقتصاد لا يعمل بصورة جيدة، إذ إن المستثمر الأجنبي، أو المستثمر الوطني، يقول: "انتظر لنرى، انتظر حتى يستقر المشهد، وحينها نبدأ استثمارنا أو نفعل أي شيء آخر".

هذا تماما ما حدث، فقد ورثنا اقتصادا فاسدا وعاجزا، وخلال السنوات الثلاث كان الاقتصاد في حالة جمود، ومن ثم نزل الشعب إلى الشوارع مجددا. صحيح، من أجل الحرية والديمقراطية، لكنهم نزلوا إلى الشوارع أيضا لتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية. ولأننا لم نستطع تحقيق الأمر، إذ إننا استغرقنا ثلاث سنوات، وكانت تلك مدة طويلة لحل المشكلات الاقتصادية؛ استطاعت الثورة المضادة اللعب بقولها: "انظر.. لم يستطيعوا تحقيق أي شيء، أما نحن فنستطيع تحقيق ذلك". حسنا، ها أنتم في موضع المسؤولية، ولم تحققوا أي شيء أيضا. ولذلك، فإنني أرى، مجددا، أن التونسيين والمصريين لا يوجد أمامهم خيار آخر في اللحظة الراهنة سوى النزول إلى الشوارع مرة أخرى، لأنهم إذا قبلوا العيش في ظل نظام شعبوي في تونس، وديكتاتوري في مصر، وبالمثل في غيرها من الدول، فإن ذلك يعني أن المشهد سيسوء يوما بعد يوم.

 

  • ميدان: أشكرك السيد المرزوقي شكرا جزيلا

المرزوقي: بكل سرور.

———————————————————————-

شارك في ترجمة الجزء الإنجليزي من الحوار: هدير عبد العظيم.

المصدر : الجزيرة