بكين تأمر والأطراف تتجاهل.. كيف غيرت منظمة التجارة العالمية معادلات القوة الداخلية في الصين؟

تُسلِّط المقالة التالية من الفورين أفّيرز، التي نالت "جائزة السياسة العالمية للباحثين الناشئين" في عام 2020، الضوء على تعقيدات النظام الاقتصادي الصيني من الداخل، والتغييرات المتفاوتة التي أدخلها انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية. بكلمات أخرى، تجيب المقالة عن سؤال "ما الصين الحديثة؟"، ويتضح من المقالة أنها مُنتج مركَّب بالغ التعقيد، تمتلك فيه هوامش السلطة القوّة لمقاومة المركز ولا يملك المركز إلا الانصياع.

 

حينما انضمَّت الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، نال الحدث إشادة بالتقدُّم اللافت لنظام الاقتصاد العالمي وشهادة قوية على التزام البلاد بالإصلاح. التوصُّل إلى صفقة تطلَّب 15 عاما من المفاوضات، ما عكس التحدي المُتمثِّل في التوفيق بين اقتصاد الحكم الشيوعي الصيني وبين قواعد التجارة العالمية من جهة، وإصرارَ المجتمع الدولي على التزام الصين بتعهُّدات وشروط طموحة من جهة أخرى. وعلت آمال المسؤولين الأميركيين بأن تؤدي تلك الشروط لدخول المنظمة إلى تثبيت الصين على طريق تحرير السوق وإدماج البلاد في النظام الاقتصادي الدولي. وسمَّى الرئيس الأميركي بيل كلينتون دخول الصين إلى منظمة التجارة العالمية بأنه "فرصتنا الأهم لخلق تغيير إيجابي في الصين منذ السبعينيات"، وجادل بأنه "سوف يُلزِم الصين باللعب وفق قواعد نظام التجارة الدولية".

 

عبَّرَ الرئيس الصيني جيانغ زيمين ورئيس الوزراء تشو رونغ جي عن عزم مماثل بتأمين عضوية منظمة التجارة العالمية. في نظرهم، لم يكن الانضمام إلى المنظمة مناسبا لبلد بحجم الصين وإمكانياتها الاقتصادية فحسب، بل إنه كان سيُرغم الصين على المُضي قُدما في الإصلاحات الداخلية المطلوبة. وأشار الإعلام الصيني الحكومي في تلك الفترة إلى أن الدخول إلى منظمة التجارة العالمية سيكون من شأنه أن "يُسرِّع عملية إصلاح الصين وانفتاحها"، ويُطلق العنان لـ "إصلاح القوانين والتنظيمات والسياسات"، ويُسهِّل تأسيس "نظام قضائي فعّال نزيه"، وأن يجلب المنافسة الخارجية اللازمة جدا إلى جهاز مشروعات الدولة (SOE) العقيم. قبلت الصين شروطا أقسى من تلك التي قَبِل بها أي عضو آخر جديد أو سابق أو انضم حينها إلى المنظمة. لم تتضمَّن تلك الالتزامات فقط تخفيضا ضخما للتعريفات الجمركية المفروضة على الواردات القادمة إلى الصين، وإنّما تضمَّنت ترميما شاملا للمؤسسات والسياسات الداخلية بهدف السماح لقوى السوق بحرية أكبر في السيطرة على الاقتصاد. تعهَّدت الصين بتحسين حكم القانون عبر تمكين المحاكم وزيادة مستوى الحماية لحقوق الملكية الفكرية، وأن تسمح للشركات باستقلالية أكبر وبأن تَحُدَّ من تدخُّل الحكومة في شؤونها، وأن تُجدِّد التنظيمات بحيث يكتسب الحكم مزيدا من الشفافية.

China's Foreign Trade Minister Shi Guangsheng signs the membership document at the signing ceremony for China's new membership to the WTO on the third day of the conference in Doha, November 11, 2001. U.S. President Bush Sunday welcomed the World Trade Organization's approval of membership for China and Taiwan, saying it would strengthen the global trading system and expand economic growth. REUTERS/POOL NH/RKR

ولَّدت التزامات من هذا النوع توقُّعات واسعة بأنَّ عبور الصين إلى منظمة التجارة العالمية سيجلب معه تغييرا ضخما ويربط الصين ربطا أوثق بشبكات الاقتصاد الدولي ومؤسساته، لكن هذه الآمال تبدو اليوم أشبه بأحلام وردية. في عام 2018، صرَّح مكتب الممثل التجاري الأميركي، روبرت لايتهايزر، بأن الولايات المتحدة "أخطأت في دعم انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية"، مُجادلا بأن "النظام الاقتصادي السياسي للتجارة" في الصين كان "غير متوافق مع النهج القائم على السوق الذي تصوّره علانيةً أعضاءُ منظمة التجارة العالمية". في هذه الصفحات عام 2018، زعم مسؤولان سابقان في إدارة أوباما، هما كيرت كامبل وإيلي راتنر، أنَّ "النظام الدولي الليبرالي قد عجز عن تطويع الصين أو استمالتها بالقوة التي توقعها". وتكاد تُجمع الآراء في واشنطن، وفي الصين على نطاق أوسع، بأن نموذج الصين الاقتصادي لم يكن يتَّجه نحو حرية السوق منذ عام 2001، ولكنه انصهر إلى شكل من أشكال رأسمالية الدولة التي تأمل الصين في تصديرها عالميا. لقد سمحت عضوية الصين في منظمة التجارة العالمية، بحسب ما يذهب إليه توافق جديد في الآراء، وعبورها إلى الاقتصاد الأميركي من بين اقتصادات عالمية أخرى دون إلزامها فعلا بتغيير سلوكها، بعواقب كارثية على العُمَّال والأجور حول العالم. تبدو الصين وأنها تتفق ظاهريا مع الأحكام الدولية، لكنها تلعب وفق قواعدها الخاصة، وتستغلّ الثغرات وصُنّاع السياسة السذج في الخارج.

 

لكن إن كانت الآمال المُعلَّقة على انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في غير محلها، فكذلك هو التوافق الجديد في الآراء، الذي يعمد إلى التبسيط المفرط لقصة مركّبة تحمل في طياتها دروسا مختلفة حول مسار الإصلاح وفرصه في الصين وحول مستقبل تحرير التجارة عالميا. بالتأكيد إن الصين لم تتبع المسار الذي تَصوَّره كلينتون، أو، في هذا الشأن، التصوُّر الذي استشرفه كلٌّ من جيانغ وزي. لكن بدلا من الحكم على دخول الصين إلى منظمة التجارة العالمية بالاعتماد على مصطلحات تصنيفية للنجاح أو الفشل، ثمة طرق أكثر فعالية سنأتي على ذكرها فيما يأتي لفهم الطرق التي أدَّت فيها عضوية منظمة التجارة العالمية إلى خلق تأثير إيجابي داخل الصين، ومتى ولماذا بدأ ذلك التغيير الإيجابي يتباطأ ومن ثم يعكس مساره. الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية كان له أثر تحرُّري أقوى في بعض نواحي الدولة الصينية من نواحٍ أخرى، وهذا التحرير كان أشد قوة في مراحل معينة مما كان في مراحل أخرى. حتى سنوات قليلة مضت على الأقل، أدَّى عبور الصين إلى جسم التجارة العالمية إلى تعزيز موقف الإصلاحيين الصينيين ومساعدة السلطات بالدفع باتجاه التغييرات الضرورية، مما أظهر أنَّ المؤسسات المتعددة الجنسيات تستطيع أن تدفع باتجاه الإصلاح الداخلي في الصين. لكن الدافع للإصلاح فَتَر، ودفعت أطراف أخرى داخل الصين بالاتجاه المعاكس، مما ذهب بالاقتصاد إلى سيطرة دولتية أكبر. ليس من المستحيل رعاية التغيير الإيجابي في الصين، لكنه سيكون غير متكافئ، سيتعرَّض للمواجهة، وسيتطلَّب ضغطا ومشاركة خارجيين متواصلين.

 

عنوان ميدان

شنَّت الصين طريق الإصلاحات لأول مرة تحت حكم دينغ شياو بينغ في عام 1978، عندما بدأ الزعيم الصيني بالتدريج يفتح الاقتصاد عبر تفكيك الزراعة الجماعية (الزراعة الجماعية والزراعة المشتركة هي أنواع للإنتاج الزراعي تُشغَّل فيها مقتنيات العديد من المزارعين بوصفها مشروعا مشتركا – المترجمة)، سرّعت الصين وتيرة إصلاحات السوق الحرة هذه خلال السنوات التالية، مما أتاح مساحة أكبر للمشروعات الخاصة، وفتح الباب أمام الشركات الأجنبية، وخصخص بوتيرة ثابتة مشروعات الدولة الضخمة. وأخذ الاقتصاد المُحتضِر في سبعينيات القرن الماضي ينمو بوتيرة لافتة بلغت 10% من النمو السنوي حتى نهاية التسعينيات. لكن تلك القصة حول النمو السريع والتحرير المستجد تُخفي صورة أكبر تعقيدا من هذه بكثير: لقد كان اقتصاد الصين يتألف من أمواج متلاطمة لأطراف مختلفة تسعى وراء مصالح مختلفة، بل ومتناقضة أحيانا. لقد كان العبور إلى منظمة التجارة العالمية في 2001 حافزا لأنصار تحرير السوق، لكنّ آخرين غيرهم تجنَّبوا أو ظلَّوا يُعادون إصلاح التحرير.

1980: Chinese Vice Premier Deng Xiaoping. (Photo by Keystone/Getty Images)
دينغ شياو بينغ

الدولة الصينية شاسعة، مُترامية الأطراف وتغلب عليها اللا مركزية، بالأخص فيما يتعلَّق بسياسة الاقتصاد. يشتمل الحزب الشيوعي الصيني على قرابة 90 مليون عضو، وهو ما يجعله أكبر من الدولة الـ 16 على مستوى الكثافة السكانية في العالم (جمهورية الكونغو الديمقراطية التي تتألف من نحو 89 مليون نسمة). لأعضائه طيف واسع من الخلفيات والآراء، من التنفيذيين أنصار تجربة الأعمال التجارية الدولية إلى رفاقٍ حتى النخاع في الحزب الشيوعي، يدرُسون مُثُلَ الرئيس شي جينبينغ بحماسة قلَّ نظيرها. تُشرف الحكومة المركزية على نحو 30 إقليما، ومئات المدن، وآلاف المقاطعات. نتيجة لذلك، لطالما ناضلت بكين من أجل تنسيق وتنفيذ وتدعيم السياسات على امتداد ربوع البلاد. تتوخى الحكومات الضخمة [لهذه الأقاليم] الكثير من التعقّل في كيفية تدبير اقتصاداتها المحلية. يتنافس الحكام والعُمَدُ فيما بينهم لإنتاج معدلات نمو أعلى من السابق وأكثر إبهارا من ذي قبل، كما أنهم يتمتعون باستقلالية كافية لسَنّ المبادئ التوجيهية القادمة من بكين انتقائيا، وتفسيرها بإبداعية بل وحتى تخريبها.

 

عندما كانت الصين تتجهَّز لدخول منظمة التجارة العالمية كان نظامها للحوكمة الاقتصادية مختلطا تماما، فقد ناصر بعض الأطراف داخل الحزب الشاسع للدولة تحريرا يقوم على مبادئ السوق الحر، بينما أراد آخرون إستراتيجية كتلك التي تبنَّتها اليابان وكوريا الجنوبية قبل عقود من الزمن، التي تتضمَّن تقديم حوافز مالية وإدخال تدابير إدارية لدعم الشركات في صناعات تُرى على أنها إستراتيجية، بينما نصح آخرون بالالتزام باقتصاد الصين المُوجَّه من الدولة.

 

كان على هذه الأطراف المختلفة في اقتصاد الصين الضخم والمركب التفكير في هذه النقلة المُزلزلة من الدخول في منظمة التجارة العالمية. لقد أدَّى الدخول إلى العديد من التغييرات المهمة، وثبَّت موقع الإصلاحيين داخل البلاد، الذين نفَّذوا في السنوات الأولى التي تلت دخول المنظمة تخفيضات ضخمة على التعريفات الجمركية المفروضة على الواردات إلى البلاد، وخفَّفوا القيود على تراخيص التجارة بهدف الدفع بالتنافس الداخلي والخارجي على حدٍّ سواء، وقلَّصوا حجم القطاع المملوك للدولة، وأدخلوا تحسينات على أداء قوى السوق في الاقتصاد. لقد مكَّنت بكين حكم القانون وحماية حقوق الملكية الفكرية من أجل تحسين إمكانية وقابلية إقامة الأعمال التجارية في الصين والحد من تدخُّل الحكومة.

Trucks unload shipping containers from a cargo ship at Qingdao port in Qingdao, Shandong province September 2, 2011. China's exports hit a record high in July as shipments to Europe and the United States proved surprisingly buoyant, allaying concerns that debt problems abroad may hold back the world's No. 2 economy. REUTERS/Stringer (CHINA - Tags: BUSINESS TRANSPORT)

قادت الحكومة المركزية الكثير من التغيير الحاصل، لأنها شعرت بوطأة الضغط الناجم عن الامتثال لقواعد منظمة التجارة العالمية بحِدَّة أكبر مما فعلت الأقاليم والمدن القابعة عند قاعدة الهرم الإداري. لقد دفعت عضوية منظمة التجارة العالمية الصين لإجراء إصلاحات تشريعية وتنظيمية جبارة من أجل إخضاع القوانين والسياسات الداخلية لنظام التجارة الدولية. على سبيل المثال، أصلحت الصين قانونها المنظم لجودة المنتجات بهدف تحسين المعايير وتعزيز قدرة الدولة على ضبط البضائع المقلدة وذات الجودة المتدنية، وأصلحت أيضا قانون فحص السلع بهدف تأسيس عملية تصديق مُوحَّدة للبضائع المحلية والأجنبية ووضع إصلاحات مماثلة لقوانين الجمارك، والقواعد الحاكمة لمنتجات الأدوية، وحقوق الملكية الفكرية، والتراخيص، وقوانين العلامة التجارية. كما أنها أصلحت مؤسسات اقتصاد قومية بهدف تعزيز القدرة التنظيمية للدولة، دامجة عددا من الوكالات لإنهاء التداخل فيما بينها. وقد تصدَّرت "الإدارة العامة الجديدة للإشراف على الجودة والتفتيش والحجر الصحي" (AQSIQ) تقييمَ نحوِ 21,000 معيار فني داخلي، وأنهت العمل بـ 1,400 منها، وراجعت نحو 9,000 معيار آخر بهدف ملاءمة نظام المعايير في البلاد مع قواعد منظمة التجارة العالمية.

 

لم تتوقف جهود الحكومة في التحرير عند الإصلاحات القانونية والمؤسسية، فقد أسَّست بكين مراكز أبحاث واستشارات في أجزاء متفرقة من البلاد بهدف توفير الإرشاد في مسائل تخص قواعد منظمة التجارة العالمية وإجراءاتها، وأطلقت السلطات حملة قومية عبر وسائل إعلام الدولة بهدف رفع الوعي بتبعات انضمام البلاد إلى منظمة التجارة العالمية، وعقدت ورشات تدريب للمسؤولين الحكوميين بهدف مساعدتهم على اجتياز العملية المعقدة من تنفيذ قواعد المنظمة.

 

اصطدم هذا الجهد لإدخال مزيد من حرية السوق بمقاومة عميقة للبيروقراطية والجهاز الصناعي في البلاد. لقد خشي أبناء القطاع المملوك للدولة من أن المنافسة الخارجية ستُلحق الضرر بأعمالهم التجارية، والتمست صناعة السيارة من جيانغ حماية أكبر عندما كان يتفاوض على صفقة دخول المنظمة، وتكدَّرت الوزارات الصناعية الكبرى في بكين من فكرة أنْ تؤدي القواعد الدولية الآن إلى الحد من استقلاليتها في صنع السياسة، واحتج القطاع الزراعي على فتح أسواق الصين على البضائع عالية الدعم من الدول المتقدمة.

BEIJING, CHINA - OCTOBER 9: China's President Hu Jintao (L) motions former president Jiang Zemin (C) to take a seat at the Commemoration of the 100th anniversary of the Xinhai Revolution at the Great Hall of the People on October 9, 2011 in Beijing, China. The Xinhai Revolution in 1911 toppled the Qing Dynasty, which was the last of the 2000 years of imperial rule in China. Speaking at the commemoration Chinese President Hu Jintao made mention of the importance of uniting China's ethnic groups. (Photo by Minoru Iwasaki-Pool/Getty Images)
جيانغ زيمين

انتفعت الأعمال التجارية الأجنبية على الفور من التدابير التي أعقبت دخول الصين المنظمة. بحلول العام 2003، أبلغ نحو 70% من الشركات الأميركية المستطلعة آراؤها في الصين بأن الإصلاحات الصينية الداخلية قد حسَّنت المناخ لأعمالها التجارية "إلى حدٍّ كبير" أو "إلى حدٍّ كبير جدا". لم تكن تلك التدابير لتحدث لولا الدفعة الخارجية المُتمثِّلة في الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. كما أنها عكست الدرجة التي نجح بها قادة الصين في استخدام التزامات التجارة المتعددة الأطراف بهدف الدفع بإصلاحات داخلية عسيرة.

 

لكن إجراءات الحكومة المركزية ليست الركن الوحيد في الحكاية. فالسلطات الإقليمية، التي أفلتت من التدقيق المباشر لمنظمة التجارة العالمية، لم تُطابق التزام بكين. لقد أعاد دخول الصين إلى منظمة التجارة العالمية تشكيل الاقتصادات المحلية، ودعا التنافسَ الأجنبي إلى البلادِ وخلقَ فرصا للتجارة في الخارج. كان على الحكومات الإقليمية أن تحافظ على نمو اقتصاداتها والتعامل، في أثناء ذلك، مع التهديدات التي يُحتمل أن تفرضها الواردات، وأن تسعى وراء الأرباح الممكنة من وراء الصادرات. استجاب بعض القادة الإقليميين بتحرير أسواقهم وتسهيل سَنّ تنظيمات صديقة للأعمال التجارية، لكنّ كثيرين غيرهم وجدوا طرقا للمقاومة وتعزيز مصالحهم بطرق أخرى.

 

على سبيل المثال، أصدر إقليم آنهوي سياسة صناعية في 2001، مُستمدَّة من نجاح كوريا الجنوبية في صادرات السيارات، بتكريس دعم الدولة لشركات بعينها (شيء أشبه بسياسة التشايبول الكورية – المترجمة). بينما لاحظت السلطات في إقليم شاندونغ أن المنطقة ينبغي أن "تنتهز الفرصة" التي خلقها الدخول إلى منظمة التجارة العالمية لتوسعة صناعة بناء السفن وتطويرها، ما عنى عدم العمل بسياسات التحرير وإنما زيادة "التسليفات المميزة" والإعانات المالية بهدف توسعة الصادرات إلى خارج الإقليم. واستجابت سلطات قضائية أخرى أصغر نطاقا لتهديد المنافسة المحتدمة بتدخُّلات أقوى هدفت إلى قمع قوى السوق، باستخدام أوامر توجيهية إدارية لإعادة تشكيل الأعمال التجارية المحلية. على سبيل المثال، دشَّنت محافظة يانبيان المستقلة شمال شرق الصين حملة إعادة هيكلة في عام 2003 بهدف تدعيم صناعة الأسمنت الخاصة بها. بدلا من السماح للسوق بتحديد الشركات التي سيُكتب لها عمر جديد وتلك التي ستموت، اختارت الحكومات [الإقليمية] الرابحين والخاسرين [بنفسها]، فسحبت تراخيص أعمال تجارية، وقطعت تزويد الكهرباء عن أخرى، وفكَّكت الآلات والمعدات في المصانع التي اعتُبِرت صغيرة جدا أو عديمة الفعالية.

Employees work along the assembly line of Anhui Jianghuai Automobile Co. Ltd in Hefei, Anhui province December 7, 2009. China's economy probably turned the corner in three important areas last month, with consumer prices, exports and imports likely to rise in year-on-year terms for the first time since the global financial crisis struck. REUTERS/Jianan Yu (CHINA TRANSPORT BUSINESS)

بناء على ذلك، نَجَمَ عن دخول الصين إلى منظمة التجارة العالمية طيف واسع من التحوُّلات التي غالبا ما أخذت اتجاهات متناقضة. لقد أدَّى الدخول في البداية إلى إطلاق جهود شاملة في تحرير الاقتصاد، وإعادة تشكيل السياسات بما يتماشى مع القواعد الدولية، ومَكَّن المؤسسات باتجاه دعم السوق الحر، وحدَّ من دور التدخُّل المباشر للدولة، لقد حوَّل المشهد الاقتصادي الصيني ووسَّع على نطاق هائل من نطاق الأعمال التجارية الخاص بالمشروعات الخاصة والأجنبية في الصين. لكن البلاد نفسها لم تسر بالخطوات ذاتها نحو التحرُّر. لقد تبنَّت الحكومات الإقليمية وفرة من الإستراتيجيات للسعي وراء النمو الاقتصادي، التي تناقض العديد منها بوضوح مع جدول أعمال بكين لعملية التحرير. وظهر تفاوت داخلي صارخ في السياسات الاقتصادية داخل الصين، مع تعزيز بعض المناطق التزامَها بتحرير السوق واتّباع مناطق أخرى طرقا أكثر دولتية.

 

لقد استوفت الصين معظم شروط العبور إلى منظمة التجارة العالمية خلال بضع سنوات. خُفضت التعريفات الجمركية على الواردات الأجنبية، وأزيلَت العديد من العقبات غير الجمركية. أما التصريح بالمشاركة في التجارة الخارجية، الذي اقتصر سابقا على المشروعات المملوكة للدولة والشركات الأجنبية التي أقامت في مناطق اقتصادية متميزة، فقد وُسِّع بحيث يشمل كل الشركات بما فيها المشروعات الصينية الخاصة. لقد حسَّنت الصين إجراءات الحماية القانونية وخفَّفت أعباء [التوجيهات] الإدارية عن كاهل الأعمال التجارية. وتدافع الاستثمار الأجنبي من جديد إلى الصين بعدما خبا بريقه خلال أزمة النمور الآسيوية في أواخر التسعينيات.

 

عنوان ميدان

لكن الإصلاحات الصديقة للسوق ستفقد بريقها لصالح الحكومة المركزية. يستخدم المراقبون في الصين مصطلح "غيوجين مينتوي" أو "الدولة تتقدم، والقطاع الخاص يتراجع" لوصف انزلاق الحكومة المركزية الذي بدأ نحو منتصف العقد الأول من القرن الحالي (أي العام 2005 تقريبا) باتجاه تدخُّل أكبر للدولة في الاقتصاد. لقد دفعت عدة عوامل داخلية وخارجية بالحكومة المركزية الصينية القوية إلى اعتناق رأسمالية الدولة. في السنوات الأولى التي أعقبت العبور إلى منظمة التجارة، قادت الوزارات المؤيدة للإصلاح في بكين أجندة تحرير السوق، وقد كانت هذه الأجندة مدعومة بالإلزامات التي فرضتها تعهُّدات الصين لمنظمة التجارة العالمية. قادت وزارة التجارة، أو وكالة التجارة الصينية، جهود مواءمة نظام التجارة الصيني مع القواعد الدولية، وحثَّت "الإدارة العامة الجديدة للإشراف على الجودة والتفتيش والحجر الصحي" (AQSIQ) على اتباع المعايير الدولية، وأنشأت صلة مباشرة بمنظمة التجارة بهدف إدارة النزاعات المحتملة. استفادت هاتان الوكالتان استفادة أكبر تحت قيادة كلٍّ من جيانغ وزي، اللذين لم يكونا يميلان حقا إلى الإصلاح ولكنهما تمكَّنا أيضا من الاشتباك مع البيروقراطية المركزية المتمددة للإبقاء على الإصلاحات في مسارها الصحيح. تحت هذين الزعيمين، أدخلت الحكومة إصلاحات مهمة للاقتصاد الكلي بهدف إعادة ضبط الترتيبات المتعلقة بتشارك العائدات بين المركز والأطراف، وإدارة التضخم على نحو أفضل، وتحسين الإشراف المركزي على القطاع المصرفي. وفي إعادة هيكلة ضخمة أجراها عام 1998، خفَّض زي حجم البيروقراطية المركزية إلى النصف، من 8 ملايين موظف إلى 4 ملايين موظف، وخفَّض عدد الوزارات المركزية من 40 وزارة إلى 29 وزارة.

الإدارة العامة لمراقبة الجودة والتفتيش والحجر الصحي
الإدارة العامة لمراقبة الجودة والتفتيش والحجر الصحي

لكن بينما أوفت الصين بالتزاماتها لمنظمة التجارة العالمية في موعدها، أخذت قوى تحرير السوق تفقد زخمها، وكان لسرعة استيفاء الصين شروط المنظمة أثرُ كبح جماح الحاجة المُلِحَّة إلى الإصلاح. دون الضغط الخارجي الذي سلّطه دخول المنظمة في 2001، كان من الصعب على الإصلاحيين في بكين الاستمرار في الدفع باتجاه مزيد من التحرير. وبدلا من ذلك، حصلت الوكالات المتصارعة التي أشرفت على السياسة الصناعية على امتياز بسط نفوذها.

 

هذا التحوُّل في السلطة البيروقراطية جاء مصحوبا بتغيير في السلطة عام 2003 من جيانغ وزي إلى الرئيس هو جينتاو ورئيس وزرائه وين جياباو. كان اختلاف الزعيمين عن أسلافهما في الآراء الجوهرية حول الإصلاح بسيطا مقارنة باختلاف القدرة على ضبط بيروقراطية الدولة. لم تكن لدى هو ووين القوة السياسية التي كانت لدى أسلافهما بضبط الدولة، وكان وين تحديدا قد قضى معظم مسيرته المهنية في الحكومة المركزية. لقد صعد إلى القمة بدعم من شبكات منسوجة بإحكام في بيروقراطية بكين. ومع أن هذا المحيط لربما منحه بعضا من الأفضلية في فهم الحفريات الداخلية للدولة المركزية، لكنه تركه أيضا مدينا لتلك البيروقراطية. وعلى عكس زي الذي تمكَّن من اقتطاع نصف حجم الحكومة المركزية في 1998، فإن محاولة إعادة الهيكلة الإدارية التي أجراها وين في عام 2003 كانت غير ناجحة نسبيا. وأشارت تقارير في ذلك الوقت إلى أن وين قد خطَّط لإنهاء 7 وزارات، لكن المطاف انتهى به إلى التخلُّص من وكالة مركزية واحدة. وعوض ذلك، اكتسبت الوكالات المخصصة للسياسات التصنيعية مثل "لجنة الإصلاح والتطوير القومي" (NDRC) نفوذا أكبر: باتت (NDRC) تُعرف بـ "مجلس الدولة المصغَّر". وفي عام 2008، كانت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات المُنشأة حديثا قد أضافت إلى دور الحكومة المركزية النشط في سَنّ سياسات صناعية دولتية.

 

تلقَّت قضية إصلاحات السوق الحرة ضربة أخرى عندما فشل أعضاء منظمة التجارة العالمية في الاتفاق على حزمة شاملة أخرى لتحرير التجارة بوصفها جزءا من جولة الدوحة للمفاوضات في جنيف عام 2006. كان الخلاف حول الإعانات الزراعية وضرائب الواردات قد أجَّج الخلاف داخل الجسم التجاري، وأدَّى المأزق الذي أعقب ذلك إلى تقوية موقف الوكالات في بكين التي أشرفت على السياسة الصناعية ولم تلتزم بمتطلبات منظمة التجارة العالمية الصديقة للسوق. لقد عنى هذا الخلل داخل الجسم التجاري أن الإصلاحيين الصينيين لن يكون بمقدورهم تكرار نجاح العام 2001، وقد فقدوا الزخم الخارجي المتجدد للتحرير الداخلي.

رئيس مجلس الدولة الصيني وين جياباو (يمين) يلتقي باسكال لامي المدير العام لمنظمة التجارة العالمية في قاعة الشعب الكبرى في بكين ، 5 سبتمبر 2006.
رئيس مجلس الدولة الصيني -أنذاك- وين جياباو (يمين) يلتقي باسكال لامي المدير العام لمنظمة التجارة العالمية -أنذاك- في بكين 2006

بدأ مسار السياسة الجديدة للحكومة المركزية يتضح في الخطة الخمسية لعام 2006، وهي بصمة السياسة الصينية الدورية. وقد ركَّزت الخطة على الإبداع الداخلي وخفَّضت اعتماد الصين على التكنولوجيا الخارجية، وأعادت تأكيد الدور الطاغي للدولة في الاقتصاد، وبالتبعية عرقلت قيام الشركات الأجنبية بأعمالها في الصين. وفقا للاستبيانات السنوية التي تُجريها غرفة التجارة الأميركية لأعضائها في الصين، فإن الآراء الإيجابية في أوساط الشركات الأميركية العاملة في الصين قد انخفضت إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق في عام 2006.

 

ثم عزَّزت الأزمة الاقتصادية العالمية في العام 2008 وتبعاتها من المنعطف الدولتي للنظام بما جلبته من تدخُّل حكومي أكبر وكشف لعورات رأسمالية السوق الحر. لقد استجابت الصين للمنحدر بحِزَم إنقاذ نقدية بقيمة 580 مليار دولار، وحوَّلت كثيرا من تلك الأموال عبر جهاز مشروعات الدولة (SOE) والحكومات الإقليمية. وبسط هذا الإنفاق سيطرة الدولة المركزية وعزَّز التبرير الأيديولوجي للدولتية. ومع أن العديد من الدول الثرية التي أُرغمت على سَنّ برامج مساعدات مالية سرعان ما عادت إلى حالة التقشف الاقتصادي (والدور المحدود للدولة)، فإن الصين استمرت على الطريق الذي بدأته قبل الأزمة، باتجاه فرض مزيد من السيطرة على الاقتصاد. كان القطاع المملوك للدولة يتقلص بوتيرة ثابتة في السنوات التي أعقبت دخول الصين إلى منظمة التجارة العالمية. في عام 2001، كان 40% من كل الوظائف في الصين مملوكا لقطاع الدولة. ثم انكمش هذا الرقم إلى 20% بحلول العام 2008، لكن هذا التراجع تعرَّض لانتكاسة في السنوات التي تلت عام 2008، وأظهر تغيُّرا طفيفا حتى انتهاء إدارة هو-وين في العام 2012. بين العامين 2008-2012، ارتفعت الأصول التي تُديرها شركات الدولة من نحو 12 تريليون يوان إلى أكثر من 25 تريليون يوان.

 

منذ صعود شي إلى سدة الحكم في العام 2012، أخذ اقتصاد الدولة يتعاظم ويزداد وضوحا. كان استثمار القطاع الخاص يتوسع بوتيرة أسرع من استثمارات الهيئات الدولتية، لكن هذه الديناميكية بدأت تضعف بعد العام 2012، بل إنها عكست مسارها بين عامَيْ 2015-2016. استمرت الصين بالسعي وراء التجارة الحرة في علاقاتها الخارجية، ووقعت العديد من الصفقات مع الدول البعيدة والقريبة على حدٍّ سواء، لكن الطاقة السياسية لإصلاح السوق المحلي قد نضبت تقريبا.

 

لقد شهدت السنوات الماضية اكتساب جهاز مشروعات الدولة مزيدا من القوة والنطاق، تُعزِّزه في ذلك السياسات القومية التي تُعزِّز دور الدولة والسيادة الشاملة للحزب الشيوعي على الاقتصاد. كما أن بصمة الصين على الاقتصاد الخارجي قد تعاظمت أيضا، ولعلَّ أوضح أشكالها برنامج البنية التحتية والاستثمار الذي أطلقه شي تحت عنوان "مبادرة الحزام والطريق"، الذي أطلق المخاوف من أن تكون الصين تسعى لتعميم نسختها من رأسمالية الدولة عالميا، لكن هذا النوع من المخاوف مبالغ به.

 

عنوان ميدان

قد تكون الصين سحقت الآمال في أن التحوُّل إلى اقتصاد ليبرالي للسوق الحر يكون متكاملا مع النظام الاقتصادي الدولي. لكن حتى في الوقت الحالي، فإنَّ نموذجها من رأسمالية الدولة ليس بالجبروت الذي يُصوِّره الجميع. في العديد من الجوانب، لا تزال الصين تستفيءُ بظلال دخولها إلى منظمة التجارة العالمية. وفي نهاية المطاف، من المُستبعَد للنظام الصيني أن يُبرهن على قوة تكفي لمقاومة الآثار المحررة للعولمة أو أن تكون منسقة بما يكفي للسعي وراء طموحاتها على المسرح العالمي عبر جهاز المشروعات المملوكة للدولة.

 

بعدد من الطرق، عزَّزت منظمة التجارة العالمية عجز الحكومة المركزية عن منع الحكومات الإقليمية من تفسير الأوامر التوجيهية العليا لخدمة مصالحها. لقد جلب الدخول إلى منظمة التجارة العالمية طفرة جديدة في رأس المال الأجنبي إلى الصين، مُقلِّلا اعتماد الحكومات الإقليمية على بكين من أجل التمويل، ومُتيحا لها الاعتماد على موارد بديلة للسعي وراء أهدافها الخاصة، والمرونة لرفض الإملاءات القادمة من العاصمة.

 

على سبيل المثال، على الرغم من رغبة بكين في توجيه النمو الاقتصادي نحو زيادة الإنتاجية، وتعزيز التقدُّم التكنولوجي، وتدريب مزيد من قوة العمل الماهرة، فقد ركَّزت الحكومات الإقليمية على نهج كمي للنمو يعتمد على استثمار رأس المال ومشاريع التنمية المهمة، مما قوّض الجهد القومي الشامل. بدلا من إقامة استثمارات بعيدة المدى لرفع إنتاجية الشركات وقدرتها على الإبداع، يعتمد المسؤولون المحليون على الاستثمار الأجنبي المباشر لتوسعة نطاق الإنتاج من أجل تحقيق مكاسب قصيرة الأجل، مما يؤدي إلى ظهور مشاريع تُكرِّر أعمالا أخرى وتُولِّد مشكلة فائض القدرات.

 

وسياسة الصين فيما يسمى سيارات الطاقة الجديدة (الكهربائية والهجينة) توضح هذا الانقسام. في عام 2012، أصدر مجلس الدولة التابع للحكومة المركزية سياسة صناعية لهذه السيارات شدَّدت على أهمية تعزيز الإبداع وحذَّرت الحكومات الإقليمية بوضوح من "إقامة الاستثمارات ضعيفة الجودة وتكرار المشاريع الأعمى". لكن في تلك السنة نفسها، أصدر إقليم خوبي سياسته الخاصة التي تجاهلت تركيز الحكومة المركزية على الإبداع التكنولوجي والجودة المرتفعة، وشدَّدت بدلا من ذلك على الحاجة إلى "تعزيز الاستثمار" و"الإنتاج على نطاق واسع" بهدف رفع وتيرة تصنيع المركبات. لم يكن خوبي وحيدا في الدفع بالتوسع السريع وإغفال أهمية الأولوية بعيدة المدى من تحسين الإمكانيات التكنولوجية. بحلول العام 2017، تعين على الحكومة المركزية أن تُصدر أوامر توجيهية جديدة للحد من الاستثمار المفرط للحكومات الإقليمية في إنتاج سيارات الطاقة الجديدة.

تشوب صراعات مماثلة طموحات الصين الاقتصادية في الخارج. على الرغم من أن بعض مشروعات الدولة (لا سيما تلك المسؤولة عن القطاعات الإستراتيجية، مثل السيارات والسفن) قد حافظت على موقف دولتي من التجارة، فإنها ليست جميعا بالممثل الوفيّ أو الأمثلة التي يُحتذى بها لسياسة الدولة. إن دخول الصين إلى منظمة التجارة العالمية قد منح حقوقَ تجارةٍ خارجية أكبر للمشروعات المحلية الخاصة، وخفض عقبات الاستيراد، وسمح للشركات الخاصة بحرية أكبر للعمل. وبمجرد تعرُّضها للمنافسة الأجنبية والقواعد العالمية أصبحت العديد من المشروعات المملوكة للدولة -بالأخص تلك التي تشارك في قطاعات شديدة التنافسية لا تغطيها حماية السياسة الصناعية للدولة- تشبه أطراف التجارة التقليدية، وتستجيب لمؤشرات الأسعار بطريقة الشركات الخاصة نفسها.

 

لكن تصرُّف المشروعات المملوكة للدولة بوصفها وكيلا اقتصاديا للدولة الصينية في الخارج ليس أمرا مُسلَّما به. وبدلا من ذلك، فمن الممكن تحديد المدى الذي يمكن أن تخدم فيه الشركات المملوكة للدولة مصالح بكين بشكل مباشر من خلال مجموعة من العوامل، بما فيها القدرة التنافسية أو الأهمية الإستراتيجية لقطاع معين، والدرجة التي يمكن للحكومة المركزية أن تراقب بها سلوك الشركة في الخارج والسياق السياسي المحدد للبلد الذي تعمل فيه الشركة.

 

عنوان ميدان

ترى بعض الأطراف الدولتية وغير الدولتية الصينية مصالحها متراصفة مع قواعد الاقتصاد العالمي، بينما يسعى آخرون إلى استغلال الثغرات في نظام الحكم العالمي. البعض يتصرف بوصفه عميلا لبكين بكل ثقة، بينما يُحرِّف البعض الآخر السياسة القومية عن مواضعها للسعي وراء مصالحه الضيقة. لقد استمرت هذه الديناميكيات حتى عندما سعى شي إلى إحكام قبضة الحزب الشيوعي على العديد من جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الصين. على الرغم من جهود شي، تظل وضعية الصين في الاقتصاد العالمي في الغالب منتج سياسات داخلية فوضوية لا نتيجة خطة مُحكمة منسقة.

 

هذه الحقيقة تُعقِّد الأمور بالنسبة لواشنطن وحكومات أخرى. بالنظر إلى تعدُّد الأطراف والمصالح المتورطة في الشؤون الاقتصادية الصينية، فإنَّ الدبلوماسية التقليدية من دولة لأخرى، التي تُركِّز على التواصل بين عواصم الدول، ضرورية لكنها غير كافية. لقد حصلت الجهات دون الدولتية، مثل الأقاليم والمدن [في الصين]، على سلطة هائلة في الشؤون الاقتصادية. إن إجراءات الشركات الصينية لا تُمثِّل بالضرورة رغبات بكين. وعلى الدول، والحال هذا، اتباع نهج متعدد الجوانب في التعامل مع الصين على مستويات مختلفة. وسياسة العدوانية التي تتغاضى عن تنوُّع المصالح التي تدفع بالاقتصاد الصيني الهائل ستؤدي في النهاية إلى نتائج عكسية.

 

لقد أثبتت سياسة الولايات المتحدة الأخيرة كيف لا نشجع المزيد من تحرير السوق في الصين. فالحرب التجارية التي شنّتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب قد خلقت ظروفا معاكسة لتلك التي أطلقت عنان الإصلاحات الاقتصادية في 2001. لقد فرضت تعريفات جمركية أحادية الجانب، وشنَّت صراعا تجاريا، وسنَّت حظر صادرات، ووضعت قيودا على الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة. لقد أطَّرت إدارة ترامب العلاقات مع الصين ضمن محددات التنافس الصفري، بل إنها ذهبت إلى حد التهديد بفصل اقتصادَيْ البلدين الضخمين بعضهما عن بعض.

ينظر قادة الصين إلى هذه الإجراءات بوصفها جزءا من الإستراتيجية الأميركية العدوانية لاحتواء الصعود الصيني وتقويضه. لقد مكّنت هذه المواجهة من موقف القوميين والمحافظين المعارضين لتحرير السوق، الذين يشيرون إلى تعنُّت الولايات المتحدة بوصفه سببا لفرض مزيد من الحماية على التصنيع التكنولوجي الفائق وتأمين سلاسل الإمداد في الصين. لقد همّشت الحرب التجارية المسؤولين الداعمين لتحرير السوق الذين نادوا بتغييرات عديدة في السياسة الصينية التي كانت قد طلبتها الولايات المتحدة.

 

لقد أظهر التحرير الشامل الذي بدأته الحكومة الصينية المركزية في بداية هذا القرن الآثار الإيجابية لانضمام البلاد إلى منظمة التجارة العالمية. لكن كان من السذاجة أن نتوقع بأن تفتح الصين اقتصادها كليا وتدمجه في نظام التجارة الدولية، مثلما هو من الاستخفاف الآن الاعتقاد بأنَّ الصين تركت عنها الإصلاح الليبرالي من أجل مغانم رأسمالية الدولة. الاقتصاد الصيني لا هو صديق للسوق كليا ولا هو محكوم من الدولة كليا، وأي سياسة صينية معقولة لن يمكنها التعامل مع النظام وحدةً واحدة.

——————————————————————–

هذا المقال مترجم عن Foreign Affairs ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

المصدر : مواقع إلكترونية