منذ زمن الآشوريين إلى يومنا هذا.. "البرمة" تتربع على الموائد الموصلية

الموصل- في أجواء الشتاء الباردة والماطرة بمدينة الموصل -مركز محافظة نينوى شمالي العراق- يتناول غالبية الموصليين صباحا فطورهم التقليدي المفضل "البرمة" الذي توارثوه عن أجدادهم منذ مئات السنين.

رغم تنوع الأكلات واندثار بعضها واستحداث أطباق جديدة مختلفة، لا تزال "البرمة" تتصدر الموائد الصباحية الشتوية في الموصل.

يحضّر رعد المعاضيدي (47 عاما) "البرمة" ليلا ليتناولها في وقت مبكر جدا، خلال الشتاء، لأنها وجبة غنية بالسعرات الحرارية وذات قيمة غذائية عالية لغناها بالبروتين والدهون التي تمدّ الجسم بالطاقة.

 

أما مكوّناتها، فتضم غالبية البقوليات، مثل العدس الأسود (الماش) والفاصولياء الحمراء (العوين) والبرغل والحنطة (من عائلة القمح)، وهناك من يضيف إليها الحمّص والباقلاء (الفول) واللحم الدسم الذي يحتوي على الشحوم.

يقول المعاضيدي للجزيرة نت إن هذه الأكلة حافظت على أصالتها ومكانتها لدى أهل الموصل جيلا بعد جيل، مشيرا إلى أنها لم تنتقل إلى مناطق عراقية أخرى.

على نار هادئة.. منذ زمن الآشوريين

كان أبناء الموصل، كسائر العراقيين، يخبزون على "تنور الطين"، إلا أن نساء الموصل كُنّ يُبقين التنور ساخنا إذا كان هناك طبخ للبرمة، فيُجهّزنَ القِدْر الذي يحتوي على المكوّنات، مع الملح وبعض البهارات، ويضعنه على نارٍ هادئة طوال الليل.

وفي الصباح، يتناول أفراد العائلة هذه الوجبة الدسمة، بعد أن تتحوّل جميع مكوّناتها حساء متجانسا، فيشعر الشخص بالشبع لساعات النهار.

ويفضل الشاب العشريني عثمان عبد المعين تناول "البرمة" حتى في محل عمله، ويحرص على إحضار الأكلة الجاهزة فجرا من المطابخ المتخصصة في طهيها حتى لا يفوته "ماعون البرمة الموصلية"، بينما يرفض الأكلات الجاهزة والسريعة، ويصفها بـ"غير الصحية".

 

يقول عالم الآثار العراقي أحمد قاسم الجمعة إن أكلة "البرمة" الموصلية متوارثة منذ عصر الآشوريين.

ويضيف أن آشور ناصر بال، ملك الإمبراطورية الآشورية خلال الفترة 883- 859 قبل الميلاد، أقام وليمة كبرى بمناسبة تدشين العاصمة "كالح" (تقع أثارها الباقية اليوم على بعد 30 كيلومترا جنوب الموصل)، ودعا إليها الكثير من الزعماء والملوك آنذاك، وقدّم إليهم أكلة "البرمة"، وذلك وفق الرسوم والكتابات المسمارية التي عثر عليها في المكان.