الكانون والمقرونة والبركوكش.. أسلحة التونسيين لمواجهة برد الشتاء

A day of Tunisian family on Ramadan amid coronavirus
اجتماع العائلة لتناول الطعام وسيلة التونسيين لمجابهة برد "الليالي البيض والسود" (الأناضول)

تونس- يطلق اسم "الليالي" -في تونس خاصة وبلدان المغرب العربي عموما- على فترة معينة من فصل الشتاء تكون شديدة البرودة، وقد تشهد تساقط ثلوج كثيفة وظهور الصقيع والجليد، خاصة في المناطق الجبلية، ويستدعي ذلك عددا من الإجراءات لمواجهة البرد.

يقسم التونسيون هذه الفترة إلى "ليال بيض" و"ليال سود"، وتعود تسمية هذه الليالي -حسب بعض الروايات- إلى أمازيغ شمال أفريقيا الذين أوجدوا هذا التقويم لضبط فصول السنة ودراسة التغيرات المناخية، وهو ما يشار إليه في المنطقة "بالسنة الفلاحية".

أصل التسمية

تنطلق في تونس فترة الليالي البيض من 25 ديسمبر/كانون الأول إلى 13 يناير/كانون الثاني من كل عام، وتتميز بقلة السحب والغيوم وشدة البرودة ليلا ونزول "الندوة" (الصقيع).

أما الليالي السود، فتمتد من 14 يناير/كانون الثاني إلى الثاني من فبراير/شباط، وتتميز بطقس شديد البرودة نهارا مع ظهور الرياح وبعض العواصف وهطول الأمطار. ويستبشر خلالها الفلاحون بنمو مزروعاتهم طوال بقية فصل الشتاء، مردّدين مقولة "الليالي السود يخضار (يخضر) فيها كل عود".

ولمقاومة قسوة هذه الليالي، يبدع التونسيون من الشمال إلى الجنوب في طرق تدفئة أنفسهم بشتى الوسائل التقليدية المتاحة، خاصة في المناطق الداخلية الفقيرة التي لا يقدر سكانها -لإمكاناتهم الضعيفة- على توفير وسائل التدفئة الحديثة.

منيرة حجلاوي_هطل كميات كبيرة من الأمطار في العاصمة تونس_تونس_خاص الجزيرة نت (صورة خاصة للمراسلة)
تونس العاصمة شهدت في الآونة الأخيرة هطول كميات كبيرة من الأمطار (الجزيرة)

"الكانون" و"العافية"

النار أولى هذه الوسائل، ولكن للتونسيين طقوسهم الخاصة في استعمالها، إذ تحرص العائلات في إقليمي الجنوب والوسط الغربي على تأثيث سهرات الشتاء الباردة الموحشة بما يعرف "بالكانون"، ويقصد به موقد النار.

وتفرش ربة البيت الغرفة الرئيسية في المنزل وتضع "الكانون" محاطا بعدة الشاي وبعض المكسّرات، ويجتمع حوله أفراد الأسرة يستشعرون دفء لهيب الفحم المحترق، مسترجعين ذكريات الماضي.

و"العافية" (هكذا يطلق سكان الشمال الغربي والوسط والجنوب على نار الحطب) يلجؤون إليها لتدفئة أجسامهم من ليالي البرد القارس، فيشعلون في فناء المنزل كميات كبيرة من الحطب المتوافر لديهم، ويجتمعون حولها بشكل دائري، كبارا وصغارا نساء ورجالا، ويتبادلون أطراف الحديث.

وعندما "تطيب العافية" -كما يقولون باللغة العامية، أي عندما يحترق الحطب ويتحول إلى جمر- يدخلونها الغرفة، ويستكمل أفراد الأسرة ليلتهم حولها مستأنسين بدفئها، الذي يتجاوز التدفئة المادية إلى التدفئة المعنوية المتمثلة في تقوية الروابط الأسرية.

منيرة حجلاوي_العافية أو نار الحطب أحد طقوس التدفئة لدى التونسيين_تونس_خاص الجزيرة نت (صورة خاصة للمراسلة)
العافية أو نار الحطب أحد طقوس التدفئة لدى التونسيين (الجزيرة)

أطباق ساخنة

الأكل وسيلة التونسيين الثانية لمجابهة برد "الليالي البيض والسود"، وله طقوسه الخاصة كذلك؛ ففي الأغلب يفضل أن يكون "جاريا" (سائلا) وساخنا.

وتشترك أغلب محافظات البلاد في الأطباق الشتوية، مع اختلاف في بعض التفاصيل من حيث المواد المستعملة وطريقة ربة الأسرة في الطهي، وعلى رأسها "المقرونة" (المعكرونة) والمحمّصة (المحمص) بالقديد (اللحم المقدد) و"البركوكش" (محمص منزلي كبير الحجم).

ويتكوّن طبق "المقرونة" من معكرونة ولحم دجاج وبصل أخضر وبقدونس وجزر وطماطم، والثوم والحمص والفلفل الأخضر والتوابل.

أما طبق "البركوكش بالقديد"، فيضم لحم الخروف المجفف والبصل الأخضر والجزر والطماطم والفلفل والفول الأخضر أو المجفف والفلفل الأخضر والتوابل.

منيرة حجلاوي_الليالي البيض والسود هي تقويم أمازيغي للمناخ يمتاز ببرودة شديدة_تونس_خاص الجزيرة نت (صورة خاصة للمراسلة)
يطلق اسم "الليالي" في تونس على فترة محددة من فصل الشتاء تكون شديدة البرودة (الجزيرة)

قرة العنز

بهذه الطقوس يواجه التونسيون قسوة الشتاء وبرودته، ويواجهون في هذه الفترة ما يصطلحون عليه "قرّة العنز"، وهي فترة تبدأ في 14 فبراير/شباط وتنتهي في 19 منه، وتتميز بالبرد القارس وغزارة الأمطار وهطول الثلج الكثيف.

واختلفت الروايات في تفسير هذه التسمية، أشهرها أنها تتكون من كلمة "قرّة" وتعني البرد، وتعود في أصلها إلى الكلمة العربية "قرّ"، وكذلك من كلمة "العنز"، وقد أضيفت إلى القرّ في هذا التعبير كناية عن شدة البرد في هذه الفترة إلى حد قد تموت معه المواشي، خاصة العنز.

ومن الروايات الشعبية المفسرة أيضا لهذا التعبير قولهم إن كلمة "قرّة" ترجع في أصلها إلى الكلمة الفرنسية (la guerre)، وتعني الحرب، وسميت هذه الفترة كذلك كأن فيها حربا على الماعز، إذ تتأثر سلبا بالبرد الشديد، ويخسر الفلاحون جراءها أعدادا كبيرة من قطعانهم.

المصدر : الجزيرة