"تادرارت أكاكوس" الليبية تحتضن سكانا من العصر الحجري

نحو 30 أسرة تعيش حياة أشبه ما تكون بحياة الإنسان الحجري في تادرارت أكاكوس وسط الجبال، حيث يعتمدون على الرعي كأسلوب حياة لهم، ولا توجد كهرباء أو أي معلم من معالم الحياة الحديثة.

جبال اكاكوس تحتضن سكان من العصر الحجري
تكوينات صخرية مدهشة بفعل المناخ عبر الزمن (الجزيرة)

جبال أكاكوس- وسط الصحراء الليبية، تقبع عائلات من الطوارق هجروا المدن بتطورها العمراني، ليختاروا أكواخا من الأحجار والقش لتكون مأواهم، والصحراء القاحلة لتكون موطنهم.

نحو 30 أسرة تعيش حياة أشبه ما تكون بحياة الإنسان الحجري في تادرارت أكاكوس وسط الجبال، حيث يعتمدون على الرعي كأسلوب حياة لهم، ولا توجد كهرباء أو أي معلم من معالم الحياة الحديثة.

حياة بدائية

بين الجبال المتحجرة وبالقرب من إحدى البحيرات، يسكن أمود حسن وطفلاه في بيت حجري كأنه بني في العصر الحجري.

تحدث أمود حسن -صاحب الـ45 عاما- للجزيرة نت قائلا: "ولدت في الصحراء حيث بنى أجدادنا هذه البيوت من الحجر الذي جلبوه من تادرارت أكاكوس الصخرية، وكانت تبنى بهذا الشكل الذي يراه الزائر. فيها ولدنا وفيها نشأ أبناؤنا".

وأضاف "نعيش هنا قبل نحو 200 عام أو أكثر، حياة متواضعة وبسيطة، لم نكن نملك أبسط مقومات العيش، لكن بإرادة الإنسان البدوي وقدرته على تحمل المشاق، استطعنا أن نكوّن أسرا وأن نعيش في هذه البيوت المبنية من الأحجار".

جبال اكاكوس تحتضن سكان من العصر الحجري
بيوت صامدة منذ العصر الحجري (الجزيرة)

يحكي أمود أنهم يحافظون على أرض أجدادهم وإرثهم، ألا وهي النقوش الأثرية التي تركها الإنسان القديم الذي عاش في تلك المنطقة قبل 50 ألف عام قبل الميلاد.

من جهته، ما زال أزم مغار (64 عاما) وأسرته في هذا المنزل الحجري رافضا إزالته أو مغادرته، يقول مغار إنه عاش في هذا البيت وترعرع بين الكهوف والآثار، وما زالت معالم هذه البيوت حاضرة لغاية الآن، وتدل هذه المباني على التنوع الثقافي الذي عاشته ليبيا في الحقبة القديمة.

وأجبر مناخ الصحراء وندرة المياه سكان هذه المناطق على التكيّف، حيث استخدموا جميع الموارد الموجودة من حولهم من أجل البقاء على قيد الحياة. ورغم صعوبة الحياة فإنها تميزت بالبساطة، إذ يستخدمون الخشب والنباتات الصحراوية في بناء المنازل.

جبال اكاكوس تحتضن سكان من العصر الحجري
رسائل من الماضي السحيق على صخور أكاكوس (الجزيرة)

الماضي والحاضر

يحتفظ سكان الصحراء الليبية الطوارق بأسرار الطبيعة، فلديهم معارف ومهارات موروثة منذ القدم جعلتهم يحافظون على البساطة ويحققون الاكتفاء الذاتي من خلال الزراعة أو الصيد.

يقول أستاذ التاريخ فاروق الباقرمي، للجزيرة نت، إن البيوت الحجرية مناطق تحمل فرصا كبيرة لتطويرها، كي تصبح منتجعات سياحية عالمية تربط بين الماضي والحاضر.

ويضيف أن هناك مناطق جذب أثرية وطبيعية إلى جانب الثقافة البدوية الأصيلة التي يحافظ عليها السكان المحليون في جبال أكاكوس.

ويؤكد الباقرمي أن "تجربته مع البيوت الحجرية متميزة، حيث توفر صورة مختلفة عن المدن الكبرى، وتركز على أنماط الحياة البسيطة بما تتضمنه هذه الثقافة من مزايا وجوانب لا بد من إظهارها للجيل الحالي، وإظهار الترحال عند الرعاة في هذه البيئة وما يصاحب ذلك من مظاهر حياتية للتأكيد على أنهم ليسوا من بقايا الماضي".

وعن سبب اختيارهم الصحراء، قال بعضهم إنها موطن أجدادهم وإنهم يخشون أن يسكن هذا المكان أشخاص آخرون في حال تركوها، معتبرين أن هذه النقوش الأثرية المحفورة بجبال أكاكوس كنزا ثمينا يحمونه بوجودهم بالقرب منه.

ويقضى هؤلاء أغلب أوقاتهم في رعي الماشية وتأمل تضاريس الطبيعة من حولهم، في حين يلعبون الألعاب الشعبية أوقات التسلية.

القارة الليبية

وتشتهر جبال أكاكوس بكهوفها القديمة، كما أنها غنية بمجموعة المنحوتات المرسومة على الصخر، وتكمن أهمية هذه اللوحات والمنحوتات في أن تاريخ بعضها يعود إلى ما قبل الميلاد، وهي مرآة تعكس ثقافة وطبيعة التغيرات التي طرأت على أنماط الحياة المتنوعة للشعوب التي تتالت على هذا الجزء من الصحراء الكبرى قديما.

ويقول بشير بابا، مدير مراقبة آثار مدينة غات، للجزيرة نت: "إن الحياة في السابق تميزت بالبساطة والتعاون، حيث كانت العائلات تتعاون مع بعضها بعضا في ترميم هذه البيوت في فصل الصيف، استعدادا لاستقبال الشتاء".

جبال اكاكوس تحتضن سكان من العصر الحجري
عائلات اختارت الصحراء مكانا لها منذ أكثر من 200 عام (الجزيرة)

وأضاف بابا أن في القرية نحو 30 عائلة صامدة تنبض بالحياة، وبيّن أن بعضا من الجهات البحثية تقوم بين فترة وأخرى بزيارة المنطقة لدراسة هذه البيوت وإعداد البحوث حولها.

والطوارق شعوب سكنت الصحراء الكبرى واختارتها موطنا دائما لها، وسكان تادرارت أكاكوس هم أيضا من الطوارق، إلا أنهم تميزوا عن بقية شعبها بتمسكهم أكثر بالعيش في الصحراء رافضين كل مغريات المدينة من كهرباء ومبان صحية وسبل الرفاهية كافة.

وتمتد هذه المنطقة الجبلية الشاسعة على نحو 250 كيلومترا مربعا في صحراء منطقة فزان، وتشمل أكثر المناظر الطبيعية فرادة في العالم، وتحتوي على عدد لا يحصى من عجائب الطبيعة التي أنتجتها عوامل المناخ الصحراوي.

وتقول منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) إن "أكاكوس تحتوي على بعض المناظر الأكثر استثنائية في العالم، وهي من العجائب الطبيعية الفريدة"، كما أن موقع أكاكوس كان قد أدرج من قبل المنظمة على قائمة التراث العالمي عام 1985، ليكون من 981 موقعا في العالم تعترف بقيمتها العالمية الاستثنائية.

المصدر : الجزيرة