الدورات الرمضانية في قطر.. عادة تتوارثها الأجيال ومنجم لصناعة الأبطال

كانت الدورات الرمضانية تقام في الفرجان والملاعب الترابية، ثم انتقلت لتحظى بالاحترافية في الملاعب العشبية المجهزة أو داخل الصالات الرياضية المكيفة.

الدورات الرمضانية تطورت في السنوات الأخيرة تطورا كبيرا (الجزيرة)

الدوحة ـ مثل العادات والتقاليد صارت الدورات الرمضانية إرثا يتناقله الأبناء عن الآباء والأجداد جيلا بعد جيل، ويرتبط القطريون فيها بممارسة مختلف الألعاب الرياضية في الشهر الكريم.

لم يكن القطري طلال البلوشي يعلم أن شغفه في صغره بمتابعة دورات كرة القدم الرمضانية سيغير حياته، ويجعله محبّا للساحرة المستديرة، ومن ثم منحه الدافع لتحقيق حلمه في ممارسة اللعبة في أحد أكبر الأندية القطرية وتمثيل منتخب بلاده.

مدة زمنية قليلة قضاها البلوشي وهو صغير بين المتابعة والممارسة في ملاعب الفرجان، كانت كافية لالتحاقه بصفوف فرق الفئات السنية بنادي السد، حتى أصبح أحد أفرد الجيل الذهبي للفريق الأول الذي نال لقب دوري الأبطال الآسيوي عام 2011، وكذلك منتخب قطر الفائز بلقب "خليجي 22".

ومثله مثل غيره من اللاعبين، لم يستطع البلوشي بعد احتراف كرة القدم المشاركة في الدورات الرمضانية، إلا أنه بعد مرحلة الاعتزال وجد الفرصة سانحة لتحقيق حلم طال انتظاره، في أن يكون أحد الفاعلين في هذه الدورات، والملهمين للأجيال المقبلة.

ويقول البلوشي، المشارك في بطولة الكأس الرمضانية، للجزيرة نت، إن الدورات الرمضانية لها أجواء رياضية ودينية خاصة تجذب الجميع للتفاعل معها، كما أنها تعدّ باعثا لكثير من النشء على حب مختلف الألعاب والتعلق بها منذ الصغر.

الدورات الرمضانية تمثل مظهرا مميزا للشهر المبارك (الجزيرة)

صورة مختلفة

والدورات الرمضانية التي تمثل مظهرا مميزا للشهر المبارك اختلفت بصورة كبيرة هذه الأيام، فبعدما كانت تقام بعشوائية في الفرجان والملاعب الترابية، انتقلت لتحظى بالاحترافية في الملاعب العشبية المجهزة أو داخل الصالات الرياضية المكيفة، وفقا للبلوشي.

ويضيف أن الدورات الرمضانية لم تعد مقتصرة على كرة القدم فقط كالسابق، حيث تنوعت وباتت تقام في مختلف الرياضات، الأمر الذي زاد من أعداد المشاركين في ممارسة الرياضة، فضلا عن صناعة أجيال محبّة لمختلف الألعاب، ومعدّة للتفوق الرياضي في المستقبل.

وتعدّ دورة صالح صقر البوعينين التي انطلقت عام 1974 أبرز الدورات الرمضانية التي تقام في قطر ومنطقة الخليج، فقد حافظت الدورة طوال سنوات طويلة على تاريخها وتراثها، إلا أنها لم تقم هذا العام للمرة الأولى بعد 47 نسخة متتالية.

بطولة ناصر بن خالد للتنس من أقدم الدورات الرمضانية في قطر (الجزيرة)

تاريخ طويل

ويقول صالح البوعينين -للجزيرة نت- إن الدورة أُجّلت لتقام في العام المقبل، وذلك في ظل عدم الاستعداد الكامل لإقامتها وتنظيمها بالصورة التي تليق بتاريخها الطويل، وتحافظ على مكانتها المميزة.

الدورات الرمضانية تطورت بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة بفضل رعاية الشركات الكبرى ورصد جوائز ضخمة للمشاركين، فضلا عن بثها مبارياتها على القنوات التلفزيونية ووسائل الإعلام، وهو ما حوّلها من مجرد ممارسة للرياضة والتسلية إلى تنافس ورغبة في تحقيق الانتصار، وفقا للبوعينين.

وانطلقت الدورات الرمضانية في مختلف البلدان الإسلامية وارتبطت بالشهر الفضيل منذ القدم، وكانت تقام على الملاعب الترابية في الأحياء والحارات، وكان لها رونقها الخاص، إلا أنها مع مرور الوقت والتطور بدأت تقام على أفضل الملاعب العشبية سواء كانت طبيعية أو صناعية، أو داخل أحدث الصالات الرياضية.

دورة كتارا الرمضانية للشطرنج شهدت إقبالا كبيرا (الجزيرة)

فرصة للمواهب

ويوضح البوعينين أن الدورات الرمضانية برز فيها كثير من اللاعبين الذين أصبحوا بعد ذلك نجوم الكرة القطرية، أشهرهم منصور مفتاح وماجد الصايغ، أما حاليا فتعدّ الدورات فرصة للمواهب الجديدة للتعبير عن نفسها، لا سيما في ظل عدم سماح القوانين بمشاركة اللاعبين المحترفين.

ولم تعد الدورات الرمضانية مقتصرة على كرة القدم فقط، فهناك دورات في مختلف الألعاب ككرة السلة والطائرة واليد والتنس والبادل والرماية والشطرنج، ولكن جماهيريتها ليست بمستوى كرة القدم.

مواهب الدورات الرمضانية لا تقتصر على كرة القدم، فالرامي الأولمبي محمد الرميحي كان من الذين ترعرعوا وسط هذه الأجواء الرياضية المميزة، وفي رحابها تعلّق بالرياضة وبات شغوفا بممارستها، حتى برز في منافسات الرماية.

ويقول الرميحي -للجزيرة نت- إنه أحبّ الدورات الرمضانية منذ صغره، في ظل مصاحبته للأهل والأصدقاء، وهو ما جعله يتعلق بممارسة الرياضة، ثم تطور الأمر بعد ذلك إلى احتراف الرماية.

تألق الرميحي في منافسات بطولة نيشان الرمضانية (الجزيرة)

دورات متعددة

ورغم خططه التدريبية وبرنامج إعداده لدورة الألعاب الآسيوية المقررة في الصين 2023، فإن الرميحي لم ينس هذه الأجواء الرمضانية العائلية، إذ يتحين الفرصة بين وقت وآخر للمشاركة فيها ولو بالحضور على الأقل.

وتشهد قطر هذا العام دورات رمضانية عدة تطلقها الشركات والمؤسسات الإعلامية والوزارات، وتحظى باهتمام بالغ في وسائل الإعلام خصوصا أنها تشهد مشاركة كثير من نجوم كرة القدم القطرية الكبار المعتزلين.

وفي أبرز الدورات الرمضانية التي تقام هذا العام بطولة الكأس الرمضانية لكرة القدم، وكذلك بطولة الكأس للبادل، وبطولة ناصر بن خالد الرمضانية للتنس في نسختها الـ30، وبطولة كتارا للشطرنج، وبطولة "نيشان فودافون" الرمضانية.

المصدر : الجزيرة