هل تحل "دورات التدريب على الزواج" مشكلة الطلاق في تونس؟

منذ صدور مجلة الأحوال الشخصية في تونس عام 1957 انتهت مركزية الطلاق من طرف واحد، بحيث أصبح لا يتم إلا في المحكمة (الفرنسية)

تونس- رغم أن الطلاق الشفهي ليس معمولا به في تونس منذ صدور قانون الأحوال الشخصية وإنهاء "مركزية الطلاق" من طرف واحد في يناير/كانون الثاني 1957، فإن ذلك لم يحل دون ارتفاع حالات الطلاق في بلد يقطنه نحو 12 مليون نسمة، إذ تسجل أروقة المحاكم أرقاما صادمة.

وبحسب معهد الإحصاء الحكومي، سجلت تونس أكثر من 16 ألف حالة طلاق في العام 2022، رغم صعوبة الانفصال وضرورة بحث المحكمة لملابسات كل قضية على حدة، مما يستغرق وقتا طويلا، خصوصا إذا ارتبطت بالعنف الأسري، وآثاره السلبية على الأبناء.

شروط صارمة للطلاق في تونس

وتغيّرت التشريعات القانونية في تونس مع ظهور قانون الأحوال الشخصية، الذي حظر تعدد الزوجات، ووضع شروطا صارمة للطلاق بحيث لا يقع إلا لدى المحكمة بموجب حكم قضائي، وقسّمه إلى 3 أنواع، طلاق بالتراضي (اتفاق بين الطرفين)، وطلاق للضرر الحاصل لأحد الزوجين من الآخر، وطلاق الإنشاء (بناء على رغبة وموافقة أحد الأطراف ورفض الآخر ودون إثبات ضرر معين).

الجزيرة نت-مجلة الأحوال الشخصية تضع شروطا صارمة للطلاق، حيث أن الطلاق لا يقع إلا لدى المحكمة بموجب حكم قضائي،
مجلة الأحوال الشخصية تضع شروطا صارمة للطلاق في تونس (الجزيرة)

يقول أستاذ قانون وناشط حقوقي في الحركة الدولية لحماية حقوق الطفل مصباح السالمي لـ "الجزيرة نت"، إن إجراءات التقاضي تبقى معقّدة من خلال الجهد المبذول للوصول إلى صلح، خصوصا أن القضاء التونسي يضع شروطا صارمة، إذ يبقى الوصول إلى نتيجة الصلح بين المتخاصمين هو الهدف الأول.

ويشير السالمي إلى أن الإجراءات تكون أكثر صعوبة في طلاق الضرر، مقارنة ببقية أنواع الطلاق، لكنها تستغرق في مجملها وقتا طويلا، موضحا أن تجربة القضاة وقلة خبرتهم في الجلسات القضائية يعمق مشكلة الطلاق في تونس ويزيد من معدلاته.

الطلاق.. خلافات وتراكمات

ورغم أن حل الطلاق ينهي معاناة كثير من الأزواج، فإنه في أحيان كثيرة يمثل صدمة للوالدين وللأبناء على حد سواء، يصعب التعافي منها، ويهدد انهيار الأسرة التي تعد النواة الأولى للمجتمع، وتكون انعكاساته السلبية كحدث فارق في حياتهم.

في هذا السياق، يؤكد الباحث في علم الاجتماع سامي بن نصر للجزيرة نت أن علم اجتماع الصورة هو أقرب الاختصاصات الاجتماعية التي تستطيع الإجابة عن سؤال حول سبب انتشار حالات الطلاق في تونس؛ باعتبار أن التفاعل الحقيقي في هذا العلم لا يتم بين البشر أنفسهم، بل من خلال الصورة الذهنية.

ويوضح أن كل شخص له الصورة التي يرغب في الظهور بها، والصورة التي يريد إخفاءها، والصورة الحقيقية التي لا تظهر إلا في مناسبات معينة. وتكمن المشكلة في أن المقبلين على الزواج يركزون على الصورة التي يرغبون في الظهور بها، ويستعملون كل وسائل الدفاع لإخفاء الصورة الحقيقية، وهو ما يتسبب بالمشكلات بين الزوجين لاحقا.

ويعزو بن نصر أسباب الطلاق إلى عدم تقبل أحد الزوجين للآخر المختلف، وهو ما يُعرف بثقافة المقاس (التكافؤ الاجتماعي والتعليمي… الخ)، فضلا عن غياب الحوار والتواصل، واعتماد قواعد خاطئة تفضل عدم مواجهة المتزوجين لمشكلاتهم من خلال طرحها، حتى لا تفيض تلك التراكمات كأس الخلافات.

حل مبتور

أجريت الكثير من الدراسات الميدانية بغية إيجاد حلول ناجعة لمشكلة الطلاق التي تهدد حياة آلاف الأسر في تونس. كما أثارت تطبيقات إلكترونية، صُمِّمت لهذه الغاية، جدلا واسعا بين الناشطين الحقوقيين والمحامين، باعتبارها لا تقدم حلولا علمية دقيقة للمشكلة، بقدر ما تبحث عن الأرباح الاقتصادية.

وأثار أول موقع إلكتروني تونسي متخصص في هذا المجال موجة واسعة من الانتقادات؛ إذ راح يروّج أنه يعمل على وضع حد لارتفاع نسب الطلاق في البلاد، من خلال توعية المقبلين على الزواج، وراح يقدّم نفسه على أنه يوفر خدمات آمنة اقتصادية ومضمونة على هذا الصعيد.

ويرى رئيس جمعية القضاة في تونس أحمد الرحموني، أن حملات الإعلانات التي أطلقها الموقع حول الطلاق لا تعالج أسباب زيادة حالات الطلاق، فضلا أنها لا تقدم تعاونا مشتركا لمواجهة هذه المشكلة الاجتماعية، بقدر ما تبحث عن الإثارة والمال.

ويقول الرحموني، في حديثه للجزيرة نت، إن القانون التونسي يقتضي وجود محاولات للإصلاح بين الزوجين تجنّبا للانفصال، لكن ذلك لم يبلغ الغاية المنشودة، مشيرا إلى أنه رغم التكلفة الباهظة لإجراءات الطلاق، والتعويضات المترتبة عليه، لم يكن رادعا للوقوع في "أبغض الحلال" الذي تضاعفت معدلاته في السنوات الأخيرة.

رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء أحمد الرحموني
أحمد الرحموني: القانون التونسي يقتضي وجود محاولات للإصلاح بين الزوجين تجنّبا للانفصال (الجزيرة)

ويشير رئيس جمعية القضاة في تونس إلى عدم وجود أي مرحلة تحضيرية للزواج، بخلاف تقديم الشهادة الطبية الذي يعتبرها القانون التونسي إجبارية لإتمام إجراء عملية الزواج، موضحا أن الأسباب المادية والنفسية والجنسية هي التي تتصدر قضايا الطلاق، ما يستدعي تحسين مستوى التوعية لدى المقبلين على الزواج.

حاجة لتدريب المقبلين على الزواج

من جهته، يرى الباحث في علم الاجتماع سامي بن نصر أن تونس لا بد أن تعتمد سياسة ناجعة مثل تجربة الهند التي خصصت دراسات وباحثين لفهم سلوك المقبلين على الزواج، ثم أنشأت مؤسسة تكوين (تدريب) لهم مدة 6 أشهر تكون بمقابل مادي، وذلك بعدما تبيّن للدولة الهندية أن الخسائر التي تنفقها بعد الطلاق أكثر بكثير مما تنفقه على تكوين الزوجين.

المصدر : الجزيرة