شابة عراقية تعيد الحياة إلى قريتها بالزراعة والمنتجات المحلية

الشابة العشرينية ريزنة حسين تؤكد أن هدفها إعادة إحياء الحياة الزراعية في القرى بالاعتماد على أساليب حديثة ومتطورة لزيادة المنتجات (الجزيرة)

السليمانية – بابتسامتها العريضة مثل حلمها تُراقص ريزنة حسين (25 عاما) الدجاجات وهي تلوح بيدها في الهواء لتنثر لها الحبوب في فناء دارها. وبابتسامة أخرى تلبي نداء والدتها لجلب إبريق الشاي إلى سفرة الفطور الصباحي.

هكذا تبدأ ريزنة يومها كل صباح مع والديها وشقيقتها على طاولة الفطور الصباحي، في بيتهم المتواضع بقرية كولاله المطلة من على تلة عالية جدا يتطلب الوصول إليها المشي صعودا لنحو ربع ساعة، قبل أن ترتدي زيها الكردي التقليدي وتنطلق لتفقّد خلايا النحل وتجفيف العنب.

 

إحياء الزراعة

قطعنا نحو ساعة ونصف الساعة للوصول إلى القرية التابعة لقضاء شاربازير في أقصى الحدود بمحافظة السليمانية في إقليم كردستان العراق. والتقينا الشابة في بيتها الطيني البسيط، حيث تحدثت عن مشروعها التجاري الخاص الذي أعادت من خلاله الحياة إلى قريتها بعد أن تبددت فيها الزراعة مؤخرا.

اشتاقت الشابة العشرينية إلى أن ترى من جديد تلك الخضرة التي كانت العنوان الأبرز لهوية قريتها، وهو ما دفعها لابتكار مشروع خاص تسعى من خلاله إلى بعث الروح في القرية.

آلم ريزنة هجر كثير من السكان والمزارعين قريتها بسبب غياب فرص العمل وضعف مردود الزراعة عاما بعد آخر، فقررت رفع التحدي وإحياء جمال قريتها والترويج لمنتجاتها الطبيعية داخل إقليم كردستان العراق وخارجه.

 

صورة عامة للقرية يظهر فيها دار الشابة بوسطها (الجزيرة )
صورة عامة لقرية كولاله في إقليم كردستان العراق (الجزيرة)

رفض عبودية الراتب

واستطاعت أن تجد لنفسها سوقا رائجة على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى وصلت منتجاتها إلى بعض الدول الأوروبية ومناطق مُتفرقة في إقليم كردستان.

لم تجد الشابة العراقية ضالتها في تخصصها الأكاديمي بعد أن تخرجت عام 2018 من كلية علوم الحاسوب من جامعة السليمانية، ورفضت أن تعمل مدرسة رغم أن هذه الوظيفة الحكومية كانت متاحة لها بسهولة، وآمنت بأهمية العمل الحر وعدم الخضوع لـ"عبودية الراتب".

حققت حلمها في نهاية عام 2020 بإطلاق مشروعها الخاص بعد سلسلة من التحديات والعقبات المادية والاجتماعية، وعملت في البداية في تربية النحل وإنتاج العسل وبيعه من خلال مواقع التواصل.

منتوجات ريزنة (الجزيرة 2)
مجموعة من منتجات ريزنة الطبيعية (الجزيرة)

نمو المشروع بسرعة البرق زاد من توسّع طموح ريزنة، فانتقلت لإنتاج مواد أخرى مثل العلك الكردي والتين المجفف والزبيب ودبسه، إضافة إلى السماق الكردي (نوع من البهارات) المنتشر بكثافة في قريتها والمعروف بجودته التي تفوق بها قريتها باقي القرى.

وعادة تستخدم هذه المنتجات بشكل أساسي في الكثير من الأكلات الكردية التقليدية، التي بدأ استخدامها يتراجع بشدة خلال السنوات الأخيرة مع دخول بضائع الاستيراد والاعتماد على الأكلات السريعة والجاهزة.

بالإضافة إلى والديها، كان لهاتف ريزنة المحمول الفضل الأكبر في نجاح مشروعها، وإيصال منتجاتها إلى بقاع بعيدة من الأرض، فصارت توثق بعدسته طريقة صنع المنتجات وتنشر المحتوى على مواقع التواصل (فيسبوك وإنستغرام ويوتيوب)، وصار يُتابعها الآلاف من داخل كردستان وخارجها حتى في الدول الأوروبية.

100 كلغ و400 دولار

وترى النحالة العراقية أن مشروعها أعاد أكسجين الحياة إلى رئة قريتها، وأذكى في نفوس كثير من سُكان القرية القدامى الرغبة بالعودة إلى البيئة الطبيعية والاعتماد على ما تنتجه، والابتعاد عن استخدام المنتجات الدخيلة التي يسودها نوع من الغش والتزوير، فضلا عن أضرارها الصحية.

بدأت مشروعها برأس مال لم يتجاوز 400 دولار أميركي، لكن قيمته الآن تصل إلى أكثر من 30 ألف دولار. وأصبحت صاحبة علامة تجارية خاصة بمنتجاتها باسم "کیزی دێھات" (بنت القرية).

وتلقت أيضا مساعدة مادية من إحدى المنظمات الداعمة للمشاريع الصغيرة بنحو 6 آلاف دولار، إضافة إلى تقديم الاستشارة لها.

كان إنتاج العسل في بداية المشروع بنهاية عام 2020 نحو 100 كيلوغرام، وارتفع إلى نحو 300 كيلوغرام عام 2021، وتتوقع ريزنة أن يبلغ نحو 600 كيلوغرام نهاية العام الجاري. ويبدأ إنتاج العسل غالبا من شهر يوليو/تموز وينتهي في شهر ديسمبر/كانون الأول.

منتوجات ريزنة من العلك الكردي والسماق والعسل
منتوجات ريزنة من العلك الكردي والسماق والعسل (الجزيرة)

وتؤكد الشابة العشرينية أن الهدف من عملها هو إنعاش منتجات القرى وإعادة إحياء الحياة الزراعية فيها بالاعتماد على أساليب وطرق حديثة ومتطورة لإنتاج وزيادة المنتجات والابتعاد عن الأساليب القديمة، وتطمح لافتتاح معمل في قريتها، داعية الجهات المعنية في كردستان العراق إلى دعم القرى والمزارعين من خلال تخفيض الضرائب.

الولادة من جديد

يصف والدها حسين قادر (53 عاما) في حديث للجزيرة نت شعوره وهو يُشاهد كيف أعادت ابنته دم الزراعة إلى شريان القرية بأنه أمام أشبه ما يكون بـ"الولادة من جديد".

"رغم أنها أكملت دراستها الجامعية، فإني ابنتي لم تنسلخ من جذورها القروية، وتمسكت بالبيئة التي نشأت فيها، وعادت بعد تخرجها بأساليب حديثة ومتطورة إلى القرية وعملت على إعادة الحياة إليها من خلال تشجيع الجيل الحديث على ضرورة الاهتمام بالزراعة بعد أن اندثرت في قريتنا".

 

 

المرأة خارج الجدران

وتعليقا على حالتها، يقول الصحفي الكردي هوكر كمال إن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت نافذة ومتنفسا إيجابيا للكثير من أصحاب المشاريع والأفكار من فئة الشباب بعد تزايد البطالة لا سيما بين خريجي الجامعات.

لكن ريزنة والكثير من الشباب أمثالها -حسب كمال- اعتمدوا على أنفسهم ولم يقتصروا على البحث عن فرص التعيين الحكومي، فصاروا يُبدعون أكثر في شتى المجالات.

الصحفي هوكر كمال (الجزيرة )
الصحفي هوكر كمال: ارتداء اللباس الكردي التقليدي وإظهار الحياة الطبيعية وراء انجذاب الناس لمنتجاتها (الجزيرة)

ويرى كمال أن اعتماد الشابة النحالة على ارتداء اللباس الكردي التقليدي وإظهار الحياة والمظاهر الطبيعية واستخدام الأدوات البدائية في صناعة المنتجات المحلية، من الأسباب الأساسية في انجذاب الناس نحو منتجاتها.

ويؤكد الصحفي الكردي للجزيرة نت أن تراجع فرص العمل وتوسع رقعة البطالة أسهما كثيرا في تجاوز الفكرة القائلة إن المرأة مكانها بين جدران المنزل، فأصبحت الآن رائدة أعمال وصاحبة مشاريع اقتصادية متوسطة وكبيرة.

المصدر : الجزيرة