الأقاشي.. سر الوجبة القادمة من دارفور لتغزو موائد السودانيين

الأقاشي يُرش بالزيت وتنثر عليه توابل خاصة قبل أن يُقدم مع البصل والليمون (الجزيرة)

الخرطوم – بنظرة سريعة على محلات الوجبات المنتشرة في شوارع العاصمة السودانية، نجد "الأقاشي" يحتل مكانة مميزة تجعله منافسًا جديًّا للفول والفلافل اللذين يعدّان أبرز الأطباق الحاضرة على موائد الخرطوم.

والمفارقة أن وجبة الأقاشي المعروفة في ولايات دارفور وكردفان بغرب البلاد وإقليم النيل الأزرق في جنوب شرقي البلاد وجدت حظها من الرواج في العاصمة خلال العقدين الأخيرين، ليس على مستوى مطاعم الوجبات السريعة وحسب، بل على مستوى حضورها في قوائم المطاعم الكبيرة، بجانب تحوّل مُعدّي الوجبة إلى "ضيوف" شبه ثابتين في الرحلات والمناسبات العامة والعائلية.

حمزة في المراحل الأولى لإعداد وجبة الأقاشي (الجزيرة)

سر الطبخة

ويبدو أن سر انجذاب السودانيين إلى الأقاشي هو طعمه والتوابل المُضافة التي تمنحه النكهة المميزة التي ترافقها لذعة حارة ومُحببة.

أما عن كيفية إعداد الوجبة، فيقول حمزة إمام، أحد صُناع الأقاشي البارعين في "سوق قورو"، إن الأقاشي قوامه اللحم المتبّل المقطع الخالي من العظم (قطع صغيرة للشوي)، والمغروس على السيخ أو العيدان الخشبية، حيث تضاف إليها توابل الزنجبيل والقرفة مع قليل من الخبز المطحون، قُبيل رشه بكميات بسيطة من الزيت، وتعريضه للنار على مواقد من الفحم، يقطع عقبها، وتنثر عليه توابل خاصة، قبل أن يُقدم مع البصل والليمون.

ويعدّ سوق قورو من أشهر أسواق مدينة الأبيض حاضرة ولاية شمال كردفان، وهو قبلة لأهالي المدينة والسياح والواصلين من خارجها ليحظوا بفرصة تناول الوجبات الشعبية المنتشرة في أرجائه وعلى رأسها الأقاشي.

معادلة السعر والطعم

ولأن جزءا كبيرا من تميّز الوجبة يكمن في توابلها المعروفة شعبيًّا بـ"شطة الأقاشي"، يقول حمزة -للجزيرة نت- إن شطة الأقاشي، أو بودرة الأقاشي، تتكون في الأصل من بهارات مأخوذة من أشجار استوائية، تطحن وتُخمّر بطريقة خاصة، وتُخلط بزبدة الفول السوداني، مع إضافات من البهارات تشمل عادة الفلفل الحار والفلفل الأسود والكزبرة، لتنتج في النهاية "بودرة الأقاشي" التي يطالب الزبائن عادة بزيادة كمياتها، أو أخذ عبوات منها وهم في طريق عودتهم لبيوتهم.

ولكن خلافًا لذلك كله، يعتقد حمزة أن أحد أهم أسباب انتشار الأقاشي نجاحه في معادلة السعر والطعم، حيث تعدّ أسعار وجباته زهيدة إلى معقولة، وذلك مقابل الطعم المستساغ جدًّا.

حمزة : الأقاشي قوامه اللحم المتبل المقطع الخالي من العظم والمغروس على السيخ (الجزيرة)

في كل مكان

خلافًا لمحلات الوجبات السريعة التي تبيع الأقاشي في الخرطوم، تنتشر مطاعم متوسطة إلى كبيرة تقدم الوجبة بشكل رئيس أو تضعها في صدارة أطباقها.

ولإضفاء أجواء تلائم الوجبة، تقام هذه المطاعم في الغالب الأعم على الطراز الشعبي القديم، إذ تتناثر بداخلها دكك الطعام الخشبية العتيقة المحاطة بالمقاعد المحلية المنسوجة من جريد النخل (البنابر)، ويكسو حوائطها القش والرموز الفلكلورية، في محاولة لمحاكاة البيئات الريفية، وإعطاء الزبائن فرصة للاستراحة من عناء المدينة الكبيرة وصخبها.

القيمة الغذائية

يشاع في كثير من المناطق أن لحوم الأقاشي تمدّ الجسم بالطاقة، وتكثر المزاعم القائلة بتأثيراته على الخصوبة. وعن ذلك تقول خبيرة التغذية نهى شمام إن كل ما تعرفه عن قيمة الأقاشي أنه غني بالبروتينات لأن قوامه الرئيس من اللحم، وأنه يحتوي على كميات قليلة من الكوليسترول والدهون جراء العمليات التي تصاحب إعداده.

وحذرت شمام -في حديثها للجزيرة نت- من مغبّة الإكثار من تناول توابل وشطة الأقاشي، مخافة أن يتسبب ذلك بحدوث التهابات في الجهاز الهضمي.

أصل الأقاشي

يشيع الأقاشي بشكل خاص كوجبة رئيسة ضمن الموروث الشعبي لقبيلة الهوسا ذات الأصول الأفريقية التي يتوزع أفرادها على أقاليم السودان المختلفة، بخاصة في دارفور.

وعند هذه النقطة يعود حمزة إمام ليقول إنه ورث صناعة الأقاشي كابرًا عن كابر، كأحد الموروثات التي يحرص الأجداد على تمريرها لمن يأتي بعدهم.

الأقاشي وجبة رئيسة في موروث قبيلة الهوسا الأفريقية التي يتوزع أفرادها على أقاليم السودان بخاصة في دارفور (الجزيرة)

وبالتقصي عن خريطة انتشار الهوسا، نجدهم متوزعين أيضا على مجموعة دول أفريقية بعضها على حدود السودان، وذلك ما يجعل من الأقاشي حاضرًا في دول جارة أو قريبة أبرزها نيجيريا.

أمر آخر يؤكده حمزة بالقول إن الأقاشي موجود في نيجيريا تحت اسم "السيريه"، وإن الاسمين -طبقًا لحديثه- ينتميان إلى لغة الهوسا، ويعنيان اللحوم المطهوة بطريقة خاصة وسحرية.

وفي السياق، يشير المؤرخ الدكتور فتح العليم عبد الله إلى تأثر الحضارة السودانية بالتداخل والهجرات الكبيرة مع دول الجوار، وببعثات الحجيج التي اتخذت وفودها من السودان معبرًا إلى الأراضي المقدسة في حقب سابقة.

وقال للجزيرة نت "بلا شك، إن التداخلات والهجرات والبعثات تركت أثرًا في المطبخ المحلي، بخاصة في دارفور التي تكتسب سمعة كبيرة في مجال إعداد المائدة الغذائية وتنويعها".

المصدر : الجزيرة