الأتراك يتمسكون بالأواني الفخارية عنوانا للمذاق الرفيع.. إليك الأسباب

يتميز الطعام المعد في الأطباق الفخارية بمنظره الجذاب ورائحته الشهية (الجزيرة)

إسطنبول – تتصاعد الأبخرة عبقة برائحة زكية تسبقها، معلنة عن وصول القادم المنتظر، جرة فخارية بلون الأرض، يلفها لهيب النيران، تجرها عربة خشبية، ثم لا يلبث أن ينسكب ما بداخل الجرة في طبق مسطح، ليجتمع المنظر الشهي مع الرائحة الزكية، قد تظنها حكاية من الماضي، لكنها منظر مألوف في المطاعم التركية.

يعد الطهو في الفخار من أبرز معالم المطبخ التركي، فهنالك مطاعم متخصصة في تقديم أطباق الفخاريات، أما المطاعم التي تعتمد الطهو على الطريقة التركية فلا تخلو قائمتها من بضعة أطباق فخارية، بعضها يعود إلى مئات السنين.

ركوة خاصة من الفخار لتحضير القهوة التركية وفناجين لتقديمها (الجزيرة)

أطباق مشهورة تُطهى في الفخار

على سبيل المثال، هناك طبق "هونكار بياندي"، ويعني "الذي أعجب السلطان"، وهو أحد الأطباق المشهورة التي تطهى في الفخار، أعد خصيصا للسلطان العثماني عبد العزيز عام 1869.

فقد أمرت وقتها الإمبراطورة جيني إبان زيارتها إسطنبول طباخها بإعداد "البشاميل" للسلطان، ثم أضاف إليه طباخ السلطان الباذنجان واللحم المعد بالبخار. ومنذ ذلك الحين، انتشر في جميع أنحاء تركيا، وما زال يزيّن قائمة المطاعم التركية، وبات من الأطباق المألوفة في البيوت.

ويعتبر لحم الضأن المكوّن الأشهر في الفخاريات، وتتنوع الأطباق بعد ذلك بما يضاف إليها من خضروات وتوابل. ومع تزايد الإقبال على أطباق الفخار، ازدانت قائمة الطعام في المطاعم بفخاريات الدجاج والسمك لتلائم جميع الأذواق.

يقول رجب باران، طاه وصاحب مطعم، "الأصل في الفخاريات اشتمالها على لحم الضأن، ومع مرور الزمن تنوعت مكوناتها، وأخذت الأطباق بالازدياد"، فتجد في القائمة مثلاً فخارة اللحم بالفطر، وفخارة الدجاج بالخضار، وفخارة القريدس (الروبيان) بالجبن.

مدن اشتهرت بأطباقها الفخارية

الأطباق الفخارية شائعة في جميع أنحاء تركيا، إلا أن لبعض المدن شهرة خاصة إما لقِدمها في ذلك، وإما للمذاق الخاص بها، مثل مدينة سيفاس وأفيون وقونية وقيصري وملاطيا، بل إن بعض الأطباق تسمى باسم المدينة التي تنسب إليها، مثل فخارية ديار بكر وفخارية أضنا.

ولا يقتصر استخدام الأواني الفخارية على الأطباق المالحة، بل أيضا تستخدم لصنع بعض الحلويات التي تحتاج في إعدادها إلى الأفران، مثل طبق "سوتلاج"، وهو طبق من الأرز والحليب يعد في الفرن، أما القهوة التركية فلا تغيب عن المشهد، فركوة الفخار حاضرة أيضا لإعداد القهوة.

"سوتلاج" (أرز بحليب) من الحلويات الرائج تحضيرها في أطباق فخارية (الجزيرة)

فخاريات بأشكال وأحجام مختلفة

تتنوع أشكال وأحجام الفخاريات بما يلائم زيادة الإقبال عليها، فمنها ما هو كبير يكفي لعدة أشخاص، ومنها ما يعدّ لشخص واحد.

والجرار ذات العنق الرفيع أكثر لفتا للانتباه وأعلى ثمنا، وغالباً ما تحضر في المطاعم ذات الأفران المخصصة لذلك، أما الطهو في الأطباق المفتوحة ذات الارتفاع البسيط والقدور فشائع في البيوت والمطاعم على حد سواء.

وللطهو في الفخار خصائص تجعله مختلفا عن غيره، مما يزيد الإقبال عليه، فالفخار يسهم في إكساب الطعام مذاقا مميزا خاصا به.

يقول رجب باران في حديثه للجزيرة نت "الطبخ في الأواني العادية أسهل من الطبخ في الفخار، لكن للطبخ في الفخار لذة مختلفة، كما أن شكل تقديمه مميز ولافت".

تجربة طعام مميزة

التقديم المميز يشد السائح لتجريب هذه الأطباق، أما بعد التذوق فيكتشف مميزات أخرى تجعله يكرر الطلب في مرات قادمة.

وفي حديثها إلى الجزيرة نت، تقول فرح مازن، سائحة عربية، "تمتاز أطباق الفخار بشكلها الجذاب، كما أنها تحتفظ بالحرارة لمدة طويلة، مما يجعلك تنهي طعامك وهو بكامل سخونته كأنه خرج للتو من الفرن".

ويعد الفخار ملاذا جيدا للراغبين في الحفاظ على صحتهم، فهو يتكون من مواد طبيعية، والأبخرة المتصاعدة منه عند الطهو غير ضارة، كما أن الطهو في الفخار يساعد في الحفاظ على العناصر المفيدة في مكونات الطعام.

وإلى جانب اهتمام الأتراك بالأواني الفخارية، فلربما أسهم سعر الأواني الفخارية -الذي يعد منخفضا جدا لأصحاب الدخل المحدود- في استمرار استخدام هذا النوع من الأواني في البيوت التركية، وليس في المطاعم فقط.

الأتراك يستخدمون الفخار المزجج لتقديم الطعام على المائدة (الجزيرة)

طريقة استخدام الفخار

إلى جانب استخدامها في الطهو، تستعمل الفخاريات في التقديم على المائدة، وهذه الأنواع تتباين، إذ يقول طه جولار -صاحب محل لبيع الأواني الفخارية- "ليس كل الفخار صالح للطهو، يمكن الطبخ فقط في الفخار الخام، أما الفخار المزجج والملون فلا يصلح إلا للتقديم".

وتختلف هذه الأنواع عند الاستخدام الأول، فالأواني الفخارية المعدة للطبخ لا يصلح الطهو فيها مباشرة، بل يجب أن تدهن بالزيت ثم توضع في الفرن لنصف ساعة قبل استخدامها الأول، ثم تترك لتبرد، وبعد غسلها يمكن استعمالها، أما الأواني المزججة والملونة فتستخدم بعد الغسل مباشرة.

وكل نوع من الفخار يحتاج إلى تربة خاصة، يقول جولار للجزيرة نت: "جميع ما في المحل من صناعتنا، نصنع الفخار الملون من تربة مدينة نيفشهير، أما الفخار الخام فنستخدم فيه تربة اسكيشهير، وأما تربة إسطنبول فليست صالحة لصناعة الفخار"، وتعد كبادوكيا من أشهر المدن التركية في ذلك.

الإقبال الكبير على الأواني الفخارية في تركيا جعل تجارتها تزدهر، فبالإضافة إلى المحلات المتخصصة في بيع الأواني الفخارية، لا يكاد يخلو حي من الأحياء من محل أو أكثر يعرض في أحد أركانه الأصناف المتعددة منها، وقد يصادفك بائع متجول في أحد الزقاق على عربته الخشبية الصغيرة يحمل بضاعته التي تضم مجموعة من الأواني الفخارية فقط.

المصدر : الجزيرة