تحرك برلماني لوضع حد لبذخ حفلات الزواج في قطر

حفل الزفاف في قطر ومنطقة الخليج ليس يوما واحدا يحتفل به لزفاف الأبناء، فهناك حفل يقيمه العريس، وحفل منفصل تقيمه العروس، بإضافة لحفل يوم "الحنا"، مما يكلف الأسر مبالغ طائلة قد لا يكون الشاب باستطاعته تحملها.

مجلس الشورى يناقش ظاهرة بذخ حفلات الزواج والمظاهر المبالغ فيها من الاحتفالات المتعددة والإنفاق المبالغ فيه عليها (الصحافة القطرية)

الدوحة – لم تمنع القضايا والملفات الكثيرة المدرجة على جدول أعمال مجلس الشورى القطري من مناقشة المظاهر السلبية المصاحبة لحفلات الزواج، وبخاصة مظاهر البذخ والإسراف المبالغ فيها التي لاقت رفضا مجتمعيا كبيرا بعدما تراجعت بشكل كبير خلال أزمة جائحة كورونا.

وخلال جلسته الأسبوعية العادية وبناء على طلب عدد من أعضائه، ناقش مجلس الشورى ظاهرة بذخ حفلات الزواج، والمظاهر المبالغ فيها من الاحتفالات المتعددة والإنفاق المبالغ فيه عليها.

بالتلاقي لا التباهي

وأكد رئيس مجلس الشورى القطري حسن بن عبد الله الغانم أن المبالغ الضخمة التي تصرف في مناسبات الزواج أصبحت تشكل عبئا على كاهل الأسر القطرية، وهو أمر على خلاف ما كان عليه الآباء والأجداد في الماضي القريب، الذين اتسمت حياتهم بالبساطة ومناسباتهم بالتلاقي والتراحم لا بالتفاخر والتباهي.

كما أشار الغانم إلى أن تكاليف حفلات الزواج التي أقيمت في ظل جائحة كوفيد- 19 ولم يصاحبها أي مظاهر مبالغ فيها انخفضت انخفاضًا ملحوظًا عما كانت عليه سابقا.

رئيس مجلس الشورى حسن بن عبد الله الغانم: تكاليف حفلات الزواج التي أقيمت في ظل جائحة كوفيد-19 لم يصاحبها أي مظاهر مبالغ فيها (الصحافة القطرية)

تدخل جذري

وبعد مناقشات مستفيضة، قرر المجلس تشكيل لجنة خاصة مؤقتة لدراسة هذه الظواهر، ووضع ضوابط ومقترحات لتفاديها والحد منها.

وحفل الزفاف في قطر ومنطقة الخليج ليس يوما واحدا يحتفل به لزفاف الأبناء، بل إنه يختلف كليا، فهناك حفل يقيمه العريس، وحفل منفصل تقيمه العروس، بالإضافة إلى ذلك حفل يوم "الحنا"، وهو اليوم السابق لحفل الزفاف، مما يكلف الأسر مبالغ طائلة قد لا يكون الشاب باستطاعته تحملها، ولكنها تُفرض عليه باعتبارها إحدى العادات في المجتمع.

وتقول الاستشارية الأسرية وعضو هيئة التدريس بجامعة قطر الدكتورة لطيفة المغيصيب إن ظاهرة البذخ في حفلات الزواج تحتاج تدخلا جذريا من الدولة من خلال دراسة مثل هذه الظواهر والحد من انتشارها لا سيما بعد أن عادت من جديد بعد انحسار كورونا في الفترة السابقة، مثمنة في الوقت نفسه قرار مجلس الشورى بتشكيل لجنة خاصة مؤقتة لدراسة الظواهر السلبية المصاحبة للزواج ووضع ضوابط ومقترحات لتفاديها والحد منها.

وتوضح المغيصيب، في تصريح للجزيرة نت، أن البذخ والإسراف في تكاليف المهر وحفلات الزواج بعيد كل البعد عن تعاليم ديننا الإسلامي، وأنه يجب على الآباء التيسير على الشباب، والابتعاد عن المغالاة في المهور، مشددة على أن الأصل في الدين الإسلامي تخفيف المهر ما أمكن، وأن المغالاة في المهور ليست من الدين في شيء.

وأكدت أن المغالاة في المهر تقلل من بركة الزواج وتزيد من عسره، فأقلهن مهرا أكثرهن بركة، مستشهدة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً"، وفي لفظ آخر: "إِنَّ أَعْظَمَ النِّكَاحِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُ مَؤُونَةً".

البذخ والإسراف فى تكاليف حفلات الزواج بعيد عن تعاليم ديننا الإسلامي (تعبيرية-غيتي)

مسؤولية مجتمعية

وتلفت الاستشارية الأسرية إلى فشل العديد من الزواجات ووقوع كثير من حالات الطلاق منذ الشهور الأولى للزواج بسبب ما ترتب على الأزواج من ديون وأعباء مالية كبيرة جراء المبالغة في المهر وتكاليف الزواج، موضحة أن كل ذلك تسبب في عزوف الكثير من الشباب عن الزواج بسبب تخوفهم من تكاليفه، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة العنوسة لا سيما بعد استقلال المرأة ماديا بسبب الوظيفة أو كونها من أسرة ثرية.

كما أشارت إلى زيادة الخلافات الزوجية بين الزوجين بسبب مطالبة بعض الزوجات بمستوى معيشي يفوق قدرة الزوج بهدف مجاراة المجتمع فقط، مقترحة استثمار المبالغ التي تسرف في ليلة الزواج في بناء منزل أو تأمين مشروع نفعي للأسرة أو المساهمة في مشاريع خيرية تنفع المئات من الأسر.

كما أكدت المغيصيب أهمية التوعية بخطورة هذه الظاهرة مجتمعيا من خلال وسائل الإعلام والمناهج الدراسية، ودعوة الشباب المقلبين على الزواج إلى نبذ الانسياق وراء المظاهر وعادات غريبة لا تنفع مجتمعهم بل تضره.

د. لطيفة المغيصيب
الدكتورة لطيفة المغيصيب: ظاهرة البذخ في حفلات الزواج تحتاج تدخلا جذريا من الدولة (مواقع التواصل)

واختتمت المغيصيب تصريحها للجزيرة نت قائلة "الأمر أيضا يحتاج لوعي الأسرة وعدم تشجيع أبنائها على التكاليف المبالغ فيها لحفلات الزواج وتحتاج إلى ضبط الهوى لفتياتنا وشبابنا وعدم الانسياق وراء مظاهر مكلفة تهدر بساعات معدودة "، مشددة على أن المسؤولية لا تقع على عاتق الشباب فحسب، فالمجتمع مطالب بدور فاعل لا يقل أهمية من خلال تغيير السلوكيات والعادات التي تقف وراء استمرار هذه الظواهر السلبية.

ظاهرة سلبية

من جهتها تقول الكاتبة الصحفية القطرية عائشة عبيدان إن ارتفاع سقف المصروفات الماليةً لدرجة البذخ والإسراف في الأفراح ألفناه في المجتمع القطري وربما أغلب المجتمعات العربية في السنوات الأخيرة مع الطفرة المادية، حتى أصبح التسابق إلى اختيار الأفضل والأغلى فيما يتعلق بمتطلبات إقامة الحفلات هو ما يشغل الفكر للتباهي وإبراز المكانة الاجتماعية والمادية.

وتشير عبيدان، في تصريح للجزيرة نت، إلى أن البحث عن أغلى الشركات المختصة لتجهيز الاحتفالات أصبح ديدن الكثير، حتى بات هذا التوجه مسارا يتبعه حتى متوسطو الدخل لاعتبارات اجتماعية وتقليدا ومسايرة للآخرين، ولو على حساب الاستدانة من البنوك والاعتماد على القروض، التي يقع الكثير في نيرانها بعد الزواج.

وترى أنه على الرغم من أن الكثير من الأسر تدرك أن الترف والبذخ اللامحدود في الزواج من الأمور الخاطئة، وأن التبذير والإسراف من الأمور الخارجة عن نطاق الدين ونهى عنها الشرع، وأن التيسير في الزواج يلامس المودة والبركة، إلا أن كثيرا من الناس لا يزالون مستمرين في اتباع هذا النهج الخاطئ من أجل إشباع رغبة مجتمعية وحديث اجتماعي متداول.

وأوضحت عبيدان أنه بناء على انتشار تلك الظاهرة فقد طرح مجلس الشورى مناقشة قضية البذخ المصاحب لحفلات الزواج، وتشكيل لجنة لبحث الأمر ووضع الضوابط والمقترحات باعتبار أنها تشكل مفهومًا سلبيًا يتنافى مع المفاهيم الدينية، وأن هذا السلوك من التبذير يدل على عدم الوعي بماهية الزواج وأسسه ودعامته القائمة على المودة والرحمة والاستقرار، يجب القضاء على حدته، خوفا من استمرار تلك الظاهرة السلبية بين الأجيال القادمة وإدخالهم في أتون الديون، وتأثيرها على نهج حياتهم مستقبلًا كعادة اجتماعية آلفوها من أسرهم.

وأكدت أن هذا التوجه من مجلس الشورى يحمد عليه لبتر هذا المفهوم الخاطئ السيئ الذي تغلغل في المجتمع، داعية إلى بث جرعات من الوعي المجتمعي من خلال المؤسسات الأسرية والاجتماعية والدينية والإعلامية لنشر ثقافة ترشيد الزواج بدءا بالمهور وانتهاء بتكاليف مراسم احتفالات الزواج.

المصدر : الجزيرة