من داخل غرف الطوارئ.. كيف تبدو مستشفيات قطاع غزة تحت القصف؟

الأطفال يحتاجون رعاية طبية ونفسية خاصة نتيجة القصف الحالي على قطاع غزة (الفرنسية)

يعيش قطاع غزة أجواء الحرب مرة أخرى، ولكن هذه المرة توصف بأنها الأسوأ على الإطلاق؛ فالحرب تستهدف المدنيين، والقصف يزرع الخوف في القلوب، والصواريخ تطارد الأحياء.

استمرت محاولات الجزيرة نت في الاتصال بفرق الإغاثة الرئيسية في غزة عدة أيام، كانت خلالها الاتصالات متقطعة ولم تخل أي مكالمة هاتفية من سماع أصوات القصف في خلفيتها، مع اختلاف المواقيت فجرا أو ظهرا أو ليلا، كان القصف مستمرا بلا توقف.

وبعد محاولات، تواصلت الجزيرة نت مع أطباء في الخطوط الأمامية داخل غرف الطوارئ بمستشفيات غزة، الذين يواجهون الموت كل دقيقة لإنقاذ حياة الضحايا، وكانت هذه روايتهم للأحداث من داخل خط النار.

مجمع الشفاء الطبي

يعد مجمع الشفاء أكبر مركز طبي في فلسطين، ويقع في الناحية الغربية الوسطى من قطاع غزة، وسعته 497 سريرا، بالإضافة إلى 93 سريرا للعناية المشددة.

روى مشرف أقسام الطوارئ بالمجمع محمد الخضري شهادته عن هذه الأحداث للجزيرة نت، وأشار إلى أصعب المواقف التي شهدتها طوارئ مجمع الشفا، حيث قال وصل طفل رضيع عمره 3 أشهر من دار أبو حطب، حملته قوات الدفاع المدني للمشفى مع عائلته التي استشهدت بالكامل.

وقف الفريق الطبي وقتها عاجزا عن التعامل مع الطفل، الذي كانت إصابته طفيفة، وفكر البعض في وضعه بقسم الخدج، ولكن تطوعت إحدى الممرضات لرعايته لحين الاتصال بأعمامه لتسلمه بعد استشهاد كافة أفراد أسرته.

وأضاف الخضري "وتكرر الأمر مع طفلة أخرى من دار اشكنتنا، وتطوع برفقتها وكيل وزارة الصحة الدكتور يوسف أبو الريش لحين حضور أحد أفراد عائلتها".

ولعل من أسوأ المواقف التي مرت على استقبال الطوارئ بمجمع الشفا -حسب الخضري- "عندما تلقينا خبر استشهاد زميلنا الدكتور أيمن أبو عوف وكل أسرته بعد قصف بنايتهم".

الخضري أب لطفلين في السادسة والعاشرة من العمر، خرج لعمله بعد أن حاول أطفاله منعه من الخروج خوفا عليه. ويقول إن ابنه يتمنى أن ينام حتى لا يشعر بالموت في حال قُصف المنزل، وأوصاه بأن يقول الشهادة قبل أن يخرج إلى عمله، حيث غادر بيته إلى المستشفى منتظرا زوال الغمة.

مستشفى الأقصى

الطبيب ر.أ (رفض ذكر اسمه) من الأطباء الذين يعملون في الصفوف الأمامية لاستقبال المرضى والضحايا في مستشفى الأقصى، التي تخدم المنطقة الوسطى، وتعد المستشفى الوحيد المتوفر بها والتابع لوزارة الصحة الفلسطينية، ويخدم حوالي 250 ألف نسمة بالمنطقة.

وبسؤاله عن شهادته حول الأحداث الدامية قال الطبيب ر.أ للجزيرة نت "حمدا لله أنه حتى هذه اللحظة لم تستهدف المستشفى، لكن بسبب جائحة كورونا استنزفت العديد من المستلزمات في المشفى، ومع انقطاع الكهرباء ساعات طويلة، فهي لا تعمل إلا 4 ساعات في اليوم، فإن إنقاذ الجرحى بهذا الشكل يعد مهمة حرجة وصعبة جدا".

إنقاذ الجرحى تحت تهديدات القصف يعد مهمة حرجة وصعبة للغاية (الفرنسية)

يقول الطبيب ر.أ "وصلنا أمس شاب لديه إصابة في الشريان الوركي الرئيسي وبتر تحت الركبة، حاولت سيارة الإسعاف تدارك نقاط القصف وتجنب الاستهداف، وتأخرت في الوصول للمشفى؛ فوصل الشاب شهيدا بعد أن فقد الكثير من الدماء".

وأضاف "هناك العديد من البنايات شمال غزة تم قصفها بشكل غاشم ودون أي إنذار، لكن ما يحدث الآن هو قصف مدنيين عزل بحجم إصابات وجرحى أكبر من الطاقة الاستيعابية للمستشفى".

يعيش الأطفال إصابات وصدمات نفسية بسبب القصف المستمر لا يجدي معها أي نوع من الدعم النفسي الذي يتم تقديمه في المستشفيات حاليا، حيث استنزفت جائحة كورونا القطاع الصحي بغزة، ومع الحصار والقصف أصبحت العديد من المستلزمات شحيحة جدا.

يصف ر.أ صعوبة أجواء العمل في ظل تهديدات القصف المستمرة، قائلا "كيف أستطيع أن أعمل والبال مشتت بين أصوات القصف في كل مكان، وفي الوقت نفسه بالي عند أهلي وأسرتي؛ هل تم قصفهم أو لا، وبين يدي جريح يحتاج لإسعاف.

وأردف "اليوم كان معنا طبيب من رفح، وأثناء دوامه قُصف المنزل المجاور لأسرته حيث تسكن زوجته وأولاده، لم يستطع الطبيب أن يطمئنهم أو يطمئن نفسه، وعليه في الوقت ذاته أن يعمل لإنقاذ الجرحى".

ووفرت وزارة الصحة الفلسطينية حافلات للفرق الطبية للذهاب والعودة من المنازل، لكن الأطباء لا يتركون أماكنهم، وهم قائمون على إسعاف الجرحى طوال الوقت، رغم أن القصف هذه المرة كان أضعاف المرات السابقة.

المستشفى الإندونيسي

يقع المستشفى الإندونيسي شمال غزة، وتأسس عام 2014 بدعم من مؤسسة "ميرسي" بتمويل من الشعب الإندونيسي، وسعة المستشفى بالكامل 110 أسرة، بينها فقط 10 أسرة عناية مركزة، وبها أحدث جهاز أشعة مقطعية بقطاع غزة، لكن يتعرض هذا المشفى لأضرار بليغة نتيجة استهداف قوات الاحتلال للأراضي الزراعية الواقعة بجواره.

تواصلت الجزيرة نت مع دكتور محمد ضاهر الذي لم يغادر المستشفى منذ الأول من أبريل/نيسان الماضي، حيث ظل مع مرضى عزل جائحة كورونا، وعندما بدأت الأوضاع في الانفراج نسبيا بدأت الحرب؛ فلم يغادر موقعه.

دكتور محمد ضاهر طبيب العناية المركزة والحالات الحرجة يقول "وصلتنا حالات حرجة من كافة الأعمار، من النساء والأطفال وكبار السن، والحالات الحرجة مصابة بكسور ومضاعفات وحروق، كما وصلتنا العديد من الأشلاء".

وصول العديد من الحالات دفعة واحدة أصعب المواقف التي يواجهها الأطباء الآن (الفرنسية)

ويعد وصول العديد من الحالات دفعة واحدة أصعب المواقف التي يواجهها الأطباء الآن، وهذا أكبر من الطاقة الاستيعابية لأي مشفى، وأضاف ضاهر "لكننا بقدر الإمكان نحاول خدمة كافة الجرحى بسبب خبرتنا في القصف والحروب، ونقوم بفرز الجرحى حسب التخصص بين صدرية وعظام وحروق".

واستطرد "لكن للأسف الشديد نعاني من نقص حاد في الأدوية والضمادات والمستلزمات، لأنه مهما كان المخزون في المستشفى من تلك المستلزمات الطبية، فإن الهجمة الواحدة كفيلة باستنزافها، فنحن نعاني من نقص أجهزة التنفس الاصطناعي والمسكنات والمستلزمات الطبية والعلاجات والمضادات الحيوية البسيطة، أو عناية وتطهير الفم والعين، ونحاول توفير تلك المستلزمات من المال الخاص وتدعمنا وزارة الصحة الفلسطينية".

ويتمنى ضاهر من العالم أن يلامس آلام الناس بقطاع غزة أكثر، ويُرفع الحصار عنهم لمدهم بالأدوية والمستلزمات الطارئة والعاجلة.

وبلغت حصيلة الشهداء في قطاع غزة خلال هذا العدوان 198 شهيدا، من بينهم 58 طفلا و35 سيدة، وبينهم 10 من عائلة واحدة، في حين بلغ عدد المصابين بجراح مختلفة 1300، حسب آخر إعلان لوزارة الصحة الفلسطينية ظهر 17 مايو/أيار الجاري.

ويعيش سكان قطاع غزة -الذين يبلغ عددهم نحو مليوني نسمة- على مساحة 365 كيلومترا مربعا، مما يجعله أكثر البقع السكانية كثافة بالسكان في العالم، إذ بلغت الكثافة السكانية المقدرة لعام 2019 نحو 826 فردا لكل كيلومتر مربع في فلسطين، بواقع 528 فردًا لكل كيلومتر مربع في الضفة الغربية، مقابل 5 آلاف و453 فردًا لكل كيلومتر مربع في قطاع غزة، وهو أكثر المناطق المعزولة في العالم بسبب الحصار المستمر عليه منذ سنوات.

المصدر : الجزيرة