فواكه للإفطار وشاي للسحور.. بالفيديو- عادات رمضانية للمسلمين الصينيين في بكين

يحاول هاي تشين خلال أيام الشهر الفضيل تكريس وقته لقراءة القرآن وفهم تفسيره حيث يعكف حاليا على قراءة تفسير الجلالين ليتمكن من نقل ذلك العلم للمسلمين الصينيين

تميل شمس يوم رمضاني نحو الغروب، فيبدأ عدد من المسلمين الصينيين بالتوافد إلى مسجد نيوجيه الواقع على بعد 5 كيلومترات جنوب غرب مركز العاصمة بكين.

في الباحة الخارجية للمسجد يبدأ تحضير أطباق من الفواكه والكعك للإفطار عليها، وخلال الدقائق القليلة ما قبل أذان المغرب يستمع الحضور لموعظة يلقيها أحد أئمة المسجد يركز فيها في كثير من الأحيان على أمر يتعلق بالصيام.

وينطبق هذا الحال على 71 مسجدا في بكين تخدم نحو 300 ألف مسلم من قوميات متعددة، أبرزها قوميتا الإيغور وهوي اللتان ينتمي إليهما أغلبية المسلمين في العاصمة.

لي هاي تشين يقرأ القرآن بعد صلاة المغرب في مسجد نيوجيه
لي هاي تشين يقرأ القرآن الكريم بعد صلاة المغرب في مسجد نيوجيه (الجزيرة)

التفرغ للعبادة

يسكن لي هاي تشين "حسن" (المسلمون في الصين غالبا يحملون أسماء عربية إضافة إلى أسمائهم الصينية) في أقصى غرب بكين، لكن خلال أيام رمضان غالبا ما يقطع مسافة ساعة ونصف بالسيارة للوصول إلى مسجد نيوجيه والحي الذي عاش فيه لنحو 20 عاما، لأداء صلاة التراويح.

يحاول لي خلال أيام الشهر الفضيل تكريس وقته لقراءة القرآن وفهم تفسيره، حيث يعكف حاليا على قراءة تفسير الجلالين، ليتمكن من نقل ذلك العلم للمسلمين الصينيين.

ويقول للجزيرة نت إن أغلبية الأئمة ليست لديهم ثقافة دينية كبيرة رغم وجود عشرات الكتب الدينية بين أيديهم، مما يدفعه للتبحر أكثر في العلوم الإسلامية.

صلاة التراويح في مسجد نيوجيه
صلاة التراويح في مسجد نيوجيه الذي يعد أقدم مساجد بكين (الجزيرة)

ترعرع لي في عائلة مسلمة، حيث عمل جده إماما، فيما كان والده -الذي يتقن العربية- يقيم حلقات علم داخل منزلهم، الأمر الذي ساهم في صقل شخصيته وإكسابه ثقافة دينية.

وحظي بفرصة السفر إلى البلدان العربية لتعلم اللغة العربية، وقضى 3 سنوات في المدينة المنورة تمكن خلالها من حفظ بعض السور القرآنية.

ولم ينس لي فضل مسجد نيوجيه في تنمية شخصية، وهو ما يبرر ارتباطه به رغم البعد المكاني.

تاريخ مسجد نيوجيه

يعود تاريخ بناء المسجد لنحو ألف عام، حيث تقول الروايات الشفهية إن إمامين من بلاد فارس وصلا إلى المنطقة في ذلك الوقت لدعوة أهلها للإسلام، وساهما في بناء المسجد -الذي يعتبر الأقدم والأكبر من حيث المساحة في بكين- خلال عهد أسرة سونغ الملكية (960-1279 م)، حيث يضم أحد أركان المسجد ضريحيهما.

وسمي المسجد نسبة للحي الذي يقع فيه، و"نيوجيه" تعني "شارع البقر"، وتقول الرواية التاريخية إن هذا الحي كان يسمى "ليو جيه" أي "شارع الصفصاف" لكثرة هذه الأشجار فيه، ومع مرور الوقت بدأ الزحف العمراني وتحول لفظ "ليو" إلى "نيو" بالتزامن مع انخفاض عدد الأشجار في المنطقة وازدياد عدد المسلمين الذين اشتهروا ببيع لحم البقر.

كاي مو إر خلال تناول الطعام مع أصدقائه
كاي مو آر خلال تناول طعام الإفطار مع أصدقائه (الجزيرة)

عادات رمضانية

كانت الولائم تقام خلال أيام شهر رمضان في باحات المساجد، ليتمكن الفقراء ورواد المسجد من تناول طعام الإفطار، لكن جائحة "كوفيد-19" غيرت شكل العادات الرمضانية، إذ استعيض عن الولائم ببعض الفواكه والمخبوزات التزاما بشروط السلامة والوقاية من الوباء.

والحاضرون ساعة الغروب لمسجد "نيوجيه" عادة ما يبقون في المسجد لحضور صلاة العشاء، حيث يستمعون خلال تلك الفترة لآيات من القرآن الكريم يتلوها واحد من بين 6 أئمة تعينهم الحكومة للمسجد.

وتقام صلاة التراويح 20 ركعة، يقرأ خلالها الإمام قصار السور، وبين كل 4 ركعات يردد المصلون بلغة عربية ممزوجة بالصينية بعض الأذكار.

وحول عادات السحور والإفطار، قال عدد من المسلمين الصينيين للجزيرة نت إنهم يركزون على شرب الشاي الأخضر خلال ساعات الليل، ليتسنى لهم مواصلة أعمالهم في النهار دون الإحساس بالعطش، فيما يركزون في وجبات الإفطار على الخضروات واللحوم، دون إغفال المعكرونة التي تعتبر طبقا رئيسيا في أغلبية الموائد الصينية.

كاي مو إر في إحدى المحاضرات بالجامعة
كاي مو آر في إحدى محاضراته حيث يدرس اللغة العربية في جامعة الدراسات الدولية ببكين (الجزيرة)

دراسة وعمل

ومثل كثيرين يبدأ كاي مو آر "كمال" نهاره في الجامعة، حيث يدرس اللغة العربية في جامعة الدراسات الدولية ببكين.

ويقول كاي للجزيرة نت إنه يواجه تحديا نفسيا وهو صائم خلال وجوده في الجامعة أو العمل، إذ إن أغلبية الطلبة غير مسلمين، لكن زملاءه يراعون موقفه ولا يتناولون الطعام أو الشراب أمامه خلال ساعات النهار.

ويعمل كاي في محطة تلفزيونية ناطقة بالعربية لإثراء لغته العربية وتأمين وظيفة له بعد التخرج.

وبسبب إجراءات مكافحة الوباء يسكن كاي مو آر داخل الحرم الجامعي، ويعود إلى بيت عائلته خلال إجازة نهاية الأسبوع، حيث يساعد والدته في إعداد أطباق الإفطار، إذ يفضل طبق "دا بان جي" الذي يتكون من الدجاج المحمر والبطاطا، وهو الطبق الأشهر في المطاعم بمنطقة شينجيانغ.

المصدر : الجزيرة