تضارب مهارات الخريجين وسوق العمل.. معضلة يعرضها مؤتمر "وايز" للابتكار في التعليم بالدوحة

جلسة دور التعليم العالي في تعزيز المساواة والرفاه تقدم حلولا لطرق التكامل بين التعليم وفرص العمل.

ثورة المعرفة والتكنولوجيا تبرز نقص عدد خريجي الجامعات الذين يدخلون سوق العمل
ثورة المعرفة والتكنولوجيا تبرز نقص عدد خريجي الجامعات الذين يدخلون سوق العمل (الجزيرة)

الدوحة ـ الثورة الصناعية الكبرى والتوسع الاقتصادي العالمي في مجالات التكنولوجيا، أسفرا عن إبراز وجود نقص في عدد خريجي الجامعات الذين يدخلون سوق العمل وهم يتمتعون بالمهارات والقدرات التي يبحث عنها أصحاب العمل.

المشكلة التي لا يقتصر وجودها على أسواق العمل ومنظمات التعليم في دولة بعينها، بل تعاني منها غالبية الدول، عرضتها جلسة دور التعليم العالي في تعزيز المساواة والرفاه على هامش مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم "وايز" (wise) المنعقد بالعاصمة القطرية الدوحة، تحت عنوان "ارفع صوتك.. لنشيّد مستقبلا قوامه التعليم".

ورغم الخلافات الطفيفة القائمة بين خبراء التعليم العالي حول طبيعة هذه الأزمة، فإن كثيرا منهم يتفقون على أنها جاءت ردّ فعل على فجوة المهارات الناجمة عن ظهور التقنيات الحديثة والمتطورة في العالم، وهو ما ظهر جليا في توجه العديد من المؤسسات إلى اختيار موظفيها الجدد بناء على المهارات التي يتحلون بها.

ويوضح الدكتور حسن الدرهم رئيس جامعة قطر أن التعليم العالي هو كلمة السر في نجاح أي دولة على كافة المستويات، اقتصادية واجتماعية وعلمية، بل وسياسية أيضا، لكنه شدد على ضرورة أن تبادر الجامعات بتطوير المجتمع، وتكون سباقة في خلق سياسات وبرامج تؤهل الخريجين للحياة وسوق العمل.

ويقول الدرهم للجزيرة نت إن هناك مجموعة من الدعاوي ترى أنه في ظل ثورة المعرفة والتكنولوجيا الحالية لم يعد هناك حاجة للجامعات، لكن هذا الأمر غير صحيح إطلاقا، وإنما يتوجب على الجامعات أن تعمل على إعادة تعريف دورها في المرحلة المقبلة في ظل الثورة الصناعية الكبرى، حتى تستطيع مواجهة هذا التحدي بصورة إيجابية.

جلسة دور التعليم العالي في تعزيز المساواة والرفاة - الجلسة طرحت أفكار متعددة حول دور التعليم الجامعي
الجلسة عرضت أفكارا متعددة حول دور التعليم الجامعي (الجزيرة)

دور الجامعات

ويضيف أن الجامعات يجب أن تعيد تعريف دورها بصورة واضحة بحيث يتوافق مع متطلبات سوق العمل واحتياجات الدول في نفس الوقت، خاصة أن الكثير من المهن والوظائف والتخصصات تحتاج إلى نظام واضح لطريقة التعليم، ومن ثم العمل على تثقيف الطلاب لانخراطهم في احتياجات سوق العمل.

ويؤكد الدرهم أننا بحاجة لمزيد من الروابط والنقاشات بين العاملين في القطاعات الصناعية المختلفة وجهات التوظيف من جهة والجامعات من جهة أخرى، بحيث يصبح أسلوب التعلم خلال العمل جزءا من المنهج الدراسي، الذي يؤهل الطلاب بطريقة سليمة وفاعلة.

ويشدد على أن التوفيق بين مهارات الخريجين والمهارات المطلوبة من أصحاب العمل، يحتاج إلى تطوير برامج الجامعات والخطط الدراسية، وطرق التدريس والتقييم، وتدريب الأساتذة على الطرق الحديثة.

وأوضح أن إضفاء طابع رقمي على التعليم العالي، يعني أن الشهادة الجامعية لم تعد تكفل وحدها الآن للمرء نيل وظيفة ما، إذ إن ذلك بات يستلزم منه تعلم مهارات جديدة باستمرار.

الدرهم يرى ضرورة أن تعيد الجامعات بتعريف دورها بما يتوافق مع سوق العمل
الدرهم يؤكد ضرورة التوفيق بين مهارات الخريجين واحتياجات سوق العمل (الجزيرة)

كما يعتبر كثير من الشركات أن مشاركة الخبراء العاملين في مجال مهني ما -في تطوير برامج تعليمية من هذا النوع- تشكل تصديقا من جانبهم على دقة هذه البرامج، وهو ما يساعد أرباب العمل على تقييم مدى جودتها وكفاءتها.

من جانبه، يعتبر وزير التربية والتعليم الفلسطيني الدكتور مروان عورتاني أن أهمية التعليم العالي تعتمد على مخرجاته، ففي بعض الأوقات يكون التعليم العالي مواتيا ومهما، بينما في أحيان أخرى لا يكون.

ويقول عورتاني للجزيرة نت إن الأهم هو أن تعمل الجامعات على تطوير برامجها الجامعية وأساليب وطرق التدريب لتلائم الحياة وسوق العمل، فضلا عن التركيز على البرامج البينية التي تعتمد على المهارات الحياتية مثل القدرة على حل المشكلات، والقدرة على التواصل، وتعليم الطلاب الثقافات الأخرى بقابلية وبدون تحفظ.

القدرة على التعلم

وشدد على أن أهم شيء للطلاب هو قدرتهم على التعلم بصورة مستمرة، حيث إن ما يتعلموه في الجامعات مع الوقت يصبح لا شيء، ولذلك لا يجب تمسكهم به دون غيره، وأن يكون لديهم القدرة على التجدد المستمر خاصة أن تطور المعرفة وتحولها فكلي للغاية .

ويرى عورتاني أن هناك فهما غير صحيح بشأن التوفيق بين مهارات الخريجين والمهارات التي يطلبها أصحاب العمل، خاصة أن بيئة العمل متعددة ومختلفة، ومن غير المعقول أن يتخرج الطلاب وهم يملكون مهارات جميع بيئات العمل مختلفة، خاصة أنها معضلة لن تستطع أي جامعة تحقيقها.

ويؤكد أن حل هذه المعضلة تتمثل في الإنسان نفسه، وقدرته على التعلم السريع وامتلاكه للمؤهلات التي يستطيع أن يحقق بها النجاح في أي بيئة عمل، وهو الأمر الذي يحقق الطالب الراغب في التعلم باستمرارية وشغف وثقة في نفس الوقت.

ورغم أن القائمين على عملية التوظيف في مختلف الشركات سيظلون يرون أنه ستبقى للشهادة الجامعية قيمتها على صعيد عملية اختيار الموظفين الجدد؛ فإنهم في الوقت نفسه يتطلعون لأن ينظروا إلى هذه الشهادة مستقبلا على أنها أداة يؤخذ بها عند تقييم مرشح لشغل وظيفة، أكثر من كونها متطلبا أساسيا، للمضي قدما على هذا الطريق.

وأسفرت الجلسة عن مخرجات أبرزها، ضرورة توفير الجامعات والمؤسسات العلمية خدمات التدريب، وتعزيز تعاونها مع الخبراء العاملين في المجالات المهنية والصناعية المختلفة، للتيقن من أن ما تقدمه يلبي متطلباتهم، وبالسرعة التي يحتاجون إليها كذلك، وكذلك تصمم برامجها التعليمية بالتشاور مع الشركات العاملة في مجالات تتصل هذه البرامج بالعمل فيها.

وتهدف قمة "وايز 2021" -التي أصبحت مرجعا عالميا في عرض مناهج التعليم الجديدة- إلى أن تكون المنبر الذي يرفع القيود عن صوت الشباب في جميع أنحاء العالم، لا سيما أنهم يتحملون وطأة وأعباء أكبر اضطراب في التعليم يشهده العالم في التاريخ الحديث، ومغيّبون في النقاشات حول إعادة بناء المستقبل وتحسين ظروف التعليم إلى أفضل ممّا كانت عليه.

المصدر : الجزيرة