ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.. لماذا لا يمكن أن نتناول صنفا واحدا من الطعام لفترة طويلة؟

خبز الحبوب الكاملة قد يبقيك على قيد الحياة لفترة طويلة بقليل من المخاطر الصحية (بيكسابي)

هل يمكن أن يعيش الإنسان على نوع واحد فقط من الطعام؟ إذا عرضنا هذا السؤال على الأطفال ربما يختارون قطع الدجاج المقلية "الناغتس" أو الشوكولاتة، وربما سيختار البالغون نوع الفاكهة المفضلة أو اللحوم أو حتى الخبز وحده.

نعرف جيدا أن الإنسان في حاجة دائمة لتناول أطعمة متنوعة لنمو الجسم وتجنب تعرضه لأمراض خطيرة، لكن رغم ذلك فإن بعض متبعي الحميات الغذائية القاسية، قد يلجؤون إلى ما يطلق عليه "حمية الصنف الواحد" للتخلص السريع من الوزن، كما أن بعض البلدان التي تتعرض للأزمات الغذائية والمجاعات يضطرون لتناول نوع واحد من الطعام.

فماذا يحدث في أجسامنا إذا تناولنا نوعا واحدا من الطعام لفترات زمنية طويلة، بما في ذلك الأطعمة الطبيعية الصحية؟

قبل أعوام، تعرضت ستاسي -وهي مراهقة بريطانية عمرها 17 عاما- لمخاطر صحية مميتة بعد أن اعتمدت في غذائها بصورة أساسية على "الناغتس" يوميا، مع بعض البطاطس المقلية.

قالت ستاسي لوسائل الإعلام إنها لا تأكل سوى الناغتس في جميع الوجبات طوال 15 عاما، بينما أكدت والدتها أن ستاسي انتقائية للغاية في وجباتها، ورغم محاولتها طوال الأعوام الماضية، تقديم وجبات متنوعة إلا أنها لم تكن تتقبل ذلك على الإطلاق.

وأضافت أن ابنتها لم تلمس الخضار أو الفاكهة قط، حتى أصبحت مدمنة للناغتس ومصابة بفقر الدم وتورم الأوردة في لسانها ومشكلات في التنفس.

تحتوي وجبة "الناغتس" المكونة من 20 قطعة على 58 غراما من الدهون و926 سعرا حراريا (بيكسابي)

تحتوي وجبة "الناغتس" المكونة من 20 قطعة على 58 غراما من الدهون و926 سعرا حراريا، وهو ما يتجاوز الكمية الموصى بها يوميا من الدهون، وهي 56 غراما من الدهون، وتشكل تقريبا نصف الكمية اليومية الموصى بها من السعرات الحرارية التي تبلغ ألفي سعر حراري.

السم اللذيذ

ربما ندرك جيدا أن الأطعمة المشبعة بالدهون والسكريات غير صحية حتى ولو كانت بكميات صغيرة، لكن ماذا عن الأطعمة الطبيعية؟

وفقًا لجو آن هاتنر، مستشارة التغذية في كلية الطب بجامعة ستانفورد والمتحدثة الوطنية السابق لجمعية الحمية الأميركية، فإن اختيار تناول فاكهة أو خضروات أو حبة واحدة فقط من شأنه أن يؤدي إلى فشل الأعضاء.

وأضافت "إن تناول اللحوم فقط سيجبر جسمك في النهاية على البدء في التهام عضلاتك. وإذا تمسكت فقط بأي نوع من الطعام، فقد تصاب بحالة خطيرة من داء الإسقربوط".

وأوضحت هاتنر أنه لا توجد نباتات أو بقوليات واحدة تحتوي على جميع الأحماض الأمينية الأساسية التسعة التي يحتاجها البشر لبناء البروتينات التي تشكل عضلاتنا.

وأشارت مستشارة التغذية إلى أنه بدون تناول كل الأحماض الأمينية الصحيحة تبدأ الأعراض بتحول لون الشعر وضعف الأظافر، وخسارة غير صحية بالوزن والعضلات، لكن الأسوأ من ذلك هو انكماش القلب وبقية أعضاء الجسم وهو ما يعني الموت.

الخضروات الورقية الخضراء تمد الجسم بالعناصر المغذية وتعمل على تقوية المناعة وتساعد على إنقاص الوزن والتمتع بالرشاقة. (النشر مجاني لعملاء وكالة الأنباء الألمانية “dpa”. لا يجوز استخدام الصورة إلا مع النص المذكور وبشرط الإشارة إلى مصدرها.) عدسة: dpa صور: Christin Klose/dpa-tmn/dpa Credit: Christin Klose / dpa-tmn / Christin Klose/dpa-tmn/dpa
لا توجد نباتات أو بقوليات واحدة تحتوي على جميع الأحماض الأمينية الأساسية التسعة التي يحتاجها البشر لبناء البروتينات التي تشكل عضلاتنا (وكالة الأنباء الألمانية)

من ناحية أخرى، يشير العلماء إلى أن تناول نوع واحد فقط من الكربوهيدرات -مثل الخبز أو المعكرونة على سبيل المثال- يؤدي أيضا إلى فشل الأعضاء، بسبب نقص الأحماض الأمينية. علاوة على ذلك، قد يصاب الشخص بالإسقربوط، وهو مرض مروع ناتج عن نقص فيتامين "سي" (C)، وهو عنصر أساسي في العديد من التفاعلات الكيميائية بالجسم.

تجارب غير أخلاقية

في الأربعينيات من القرن الماضي، أجرى باحثون دراسات على نزلاء السجون في بريطانيا والولايات المتحدة، وذلك بتقديم نوع واحد من الطعام وحرمان النزلاء من فيتامين سي.

يشير خبراء التغذية أن مرض الإسقربوط يصيب الإنسان بعد شهر إلى 8 أشهر من الحرمان من فيتامين سي (اعتمادا على الكمية التي خزنها الجسم في البداية).

بالبداية، شعر النزلاء بالخمول وألم في العظام. وفي وقت لاحق، بدأت تظهر بقع غريبة في جميع أنحاء الجسم تطورت إلى جروح متقيحة. الحمى وفقدان الأسنان.

الغذاء الوحيد المتكامل

إذا حاولت تناول طعام واحد لفترة طويلة من الوقت، فمن المحتمل أن تمرض من تناول هذا العنصر قبل أن تتعرض لنقص حاد في التغذية. هذا بسبب ظاهرة نفسية تسمى الشبع الحسي النوعي. فقد اكتشف العلماء أنه كلما تناولت شيئا أكثر من اللازم، حدث انخفاض مماثل في المتعة. لكن وجد الباحثون أيضا أن الخبز قد يكون مقاوما إلى حد ما لهذه الظاهرة. فخبز الحبوب الكاملة قد يبقيك على قيد الحياة لفترة طويلة بقليل من المخاطر الصحية مقارنة بالأطعمة الأخرى.

ومع ذلك، يؤكد خبراء التغذية أن هناك طعاما واحد يحتوي على كل شيء؛ الطعام الذي يُبقي الأطفال على قيد الحياة، وهو حليب الأم.

حليب الأم غذاء متكامل

قد نضيف بعض الأطعمة الصلبة إلى نظام الأطفال الغذائي في السنة الأولى من العمر لتوفير المزيد من الحديد والعناصر الغذائية الأخرى، ولكن حليب الأم يتضمن العناصر الغذائية للإنسان.

من الناحية الفنية، يمكن للبالغين أيضا أن يعيشوا على لبن الأم؛ وهو ما يحدث بالفعل من استغلال للأمهات الفقيرات في الدول النامية لتوفير "لبن الرضاعة" لتضمينه في المكملات الغذائية للاعبي كمال الأجسام.

لكن الخيار الأفضل هو حليب الثدييات، خاصة إذا كان مخمرا. تقول هاتنر "الزبادي، وهو حليب مخمر، يحتوي على الكثير من البكتيريا المفيدة للجهاز الهضمي".

هذه السيناريوهات الافتراضية ليست مجرد تخمينات غريبة الأطوار. ففي أجزاء كثيرة من العالم، ليس أمام الناس خيار سوى تناول طعام واحد في الغالب؛ هو الأرز في كثير من الأحيان.

ويعمل العلماء على تطوير أرز معدل وراثيا يحتوي على المزيد من الفيتامينات والعناصر الغذائية، وخاصة فيتامين أ، من أجل مكافحة سوء التغذية.

المصدر : مواقع إلكترونية