من مواطن لمواطن.. المبادرات الفردية تنقذ الناس في لبنان

المبادرات الفردية اجتمعت لتنقذ المواطن في لبنان - بيكسابي
المبادرات الفردية تساهم في تلبية احتياجات العديد من اللبنانيين (بيكسابي)

بيروت- مبادرات فردية بدأت تنتشر في لبنان حيث يساند الناس بعضهم بعضا بعدما خذلتهم حكوماتهم وزعماؤهم ومصارفهم وصيدلياتهم، فلم يبق للبناني إلا مواطنه اللبناني الذي لا يحكم عليه ويحاسبه بناء على دينه وانتمائه، وفي ما يلي نلقي الضوء على مبادرات فردية متنوعة تحدث أصحابها للجزيرة نت.

"شو ناقصك دوا؟"

تقول جوزيت جابر للجزيرة نت إنها احتاجت إلى 30 حقنة مسيلة (مميعة) للدم، فاتصلت بالصيدليات في كل أنحاء لبنان، كما اتصلت بمعارف لها في سوريا، ولم تحصل إلا على 4 حقن فقط، لكنها ما لبثت أن وضعت إعلانا في إحدى الصفحات وبعدها "لم يهدأ هاتفي، اتصل بي أشخاص كثر لا أعرفهم، بكيت من شدة التأثر، وخلال أقل من ساعة كانت الكمية مؤمّنة، والأغلبية رفضوا تقاضي الثمن".

وتضيف أنها كانت قد فقدت الأمل بالبلد، لكن ما حصل جعلها تشعر بالدفء والأمان.

أحد الحسابات على مواقع التواصل بعنوان "شو ناقصك دوا؟" بدأها محمد شقير في يوليو/تموز الماضي، والصفحة -كما يقول للجزيرة نت- "عبارة عن ناس يخدمون ناس، من يحتاج لدواء يعرض طلبه، ومن لديه يقدمه إما بسعره أو مجانا، والأكثرية يقدمون مجانا، والبعض لديهم أدوية لا يحتاجونها ويعرضونها أيضا".

بات اللبناني لبمسافر والمغترب جل ما يريد احضاره الدواء- بيكسابي
جل ما يريد إحضاره اللبناني المغترب الدواء للمحتاجين (بيكسابي)

صعوبات

وعن الصعوبات التي تواجههم يذكر شقير أن بعض الناس يدخلون إلى المجموعة ليصطادوا من هم بحاجة، ويعرضون عليهم دواء في السوق السوداء وبأسعار خيالية، والبعض يحاول بيع الدواء المدعوم والمقطوع وفي السوق السوداء بأضعاف سعره "وعندما نكتشفهم نطردهم من الصفحة".

الصعوبة الثانية تكمن في أن فيسبوك يقفل أكثر المجموعات وصفحات الأدوية كونها تعد حصرية ولا يمكن بيعها، فيتم تتبع الصورة وتقفل الصفحة، وما يجعل صفحته سارية هو "الخربشة أو التمويه الذي أطلبه على الدواء كي لا يلتقطها روبوت الفيسبوك أو الإدارة أو الوكيل الحصري للدواء".

ويشير إلى أن البعض توقف عن عرض الدواء، ولكن برأيه هذا الأمر كشف من يحتاج فعلا للدواء، لأنه سيفعل أي شيء للحصول عليه.

ساهم بقرطاسية

بدأت سعاد غاريوس قبل الأزمة بمبادرة فردية في مدرسة أولادها عندما كانوا صغارا لجعل لجنة أهالي الطلاب تهتم بالطلاب الذين يحتاجون كتبا أو زيا مدرسيا أو قرطاسية، وعملت على جعل الأمر عادة سنوية.

ورغم تخرج أولادها فإنه لا يزال لديها قلق بشأن حصول الطلاب على ما يحتاجون من كتب وقرطاسية، وتعاظم الأمر مع تضخم الأزمة.

تقوم سعاد بزيارة المدارس الرسمية والخاصة لمعرفة حاجات كل صف من كتب وقرطاسية وسواها، ثم تبدأ بجمع قوائم بأسماء الطلاب المحتاجين وتحدد الأولوية، وتشير إلى أنها تجمع التبرعات وتفاوض التجار والمكتبات على الأسعار للحصول على أكبر كمية ممكنة من حاجات الطلاب.

كما تساعد الطلاب في الحصول على كتبهم وأقساط مدارسهم، وهذا جزء من مبادرات عديدة تقوم بها، سواء من حيث تأمين الأدوية أو الحصص الغذائية وسواها في مبادرتها "كلنا واحد".

هذا العام قامت بحملة "ساهم بقرطاسية"، وأمّنت من خلالها الأقساط والكتب والدفاتر والأقلام والمساطر والمحايات والآلات الحاسبة وسواها من القرطاسية، وتذكر أن الأسعار أصبحت تثقل كاهل الأهل مع غلاء الدولار حيث أصبح ثمن الكتب مضروبا بـ10 على الأقل.

تقوم سعاد مع فريق صغير يساعدها في بعض المناطق بتأمين مستلزمات التعليم لأكبر عدد ممكن من الطلاب، وبلغ عددهم هذا العام أكثر 400 طالب بين مدرسة وجامعة وطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة.

القرطاسية واحدة من المبادرات لتخفيف العبء عن كاهل الأهل- بيكسابي
القرطاسية واحدة من المبادرات لتخفيف العبء عن كاهل الأهل (بيكسابي)

فوط صحية

مع رفع الدعم الذي رافق البضائع رُفع الدعم عن الفوط الصحية النسائية، وكان الموضوع مثار تندر وجدل، فالبعض اعتبر أنه أمر سخيف للتوقف عنده، فأطلقت ناهلة سلامة مبادرة لدعم الفوط الصحية ابتداء من يونيو/حزيران الماضي، وقابلتها حملة السخرية على وسائل التواصل ناصحين السيدات باستخدام الأقمشة، وكلام آخر فيه هجوم غير لائق على اعتبار أن "الوقت ليس مناسبا والبلد في أزمة، متغاضين عن أهمية هذا الموضوع في حياة النساء، وقد ساهمت قلة التوعية في استمرار السخرية".

بدأت ناهلة مع مجموعة صغيرة بجمع المعلومات والتبرعات، وكان لديها أكثر من ألف و500 طلب لا يمكن تغطيتها بشكل كامل من دون تبرعات كافية ومستمرة.

وزعت الفوط على أكثر من 300 صبية في بيروت والضاحية وبرج حمود وطرابلس وعكار والجنوب.

وتعتبر ناهلة أنه من المهم فهم أنها حالة ضرورية للنساء وليست كماليات ولا رفاهية، وأنها تغير هرموني في جسم المرأة لا يهمل ولا يجوز التعامل معه بلا مبالاة واستخدام أي منتج غير صحي قد يتسبب بالتهابات ويؤثر على صحتها.

بنك الزجاج

بدوره، يقول هنري عيد إنه من منطلق المثل اللبناني القائل "البحصة تسند خابية" (الحجر الصغير يسند جرة كبيرة) جمع عمل سيدات البيوت وسماه "صغار المنتجين" كون هؤلاء السيدات لا يستطعن فتح مصانع لكنهن قادرات على كفاف اليوم "فمن لديه معمل أو شركة أو محل لا يحتاجني، بل الذين لديهم منتوجات قليلة يمكن أن يستفيدوا من بيعها".

ويعطي مثلا بأنه يرسل من يشتري التين من قرية ما، فيقطف الناس محصولهم ويبيعونه بأسعار مقبولة، لم يخسر الموزع ولا صاحب الرزق، الكل يستفيد ويفيد وإن بكميات بسيطة وهامش أرباح ضئيلة، كما عمل على خلق فرصة لتبادل المونة من خلال صفحته ونشرها في صفحات أخرى لتعميم الفائدة.

ويبين هنري للجزيرة نت أن أغلب السيدات اللواتي يسوّق مونتهن فوق عمر 75 عاما ولا معيل لهن، وهذا نفع كثير من العائلات التي تعمل في الزهر والزعتر والزيتون.

أما بالنسبة لمبادرة "بنك الزجاج" فبعد أن لاحظ أن القمامة مليئة به -خاصة من المحلات التجارية التي ترميه- فإنها تعمل على جمع العبوات الزجاجية وبيعها بسعر قليل جدا للسيدات اللواتي يحضّرن المونة لوضعها فيها بشكل مرتب.

9-تخزن نجلاء عددا كبيرا من الأوعية الزجاجية وتستخدمها لاستخدامات مختلفة ويخلو المطبخ من الأواني البلاستيكية(الجزيرة نت)
مبادرة "بنك الزجاج" تجمع العبوات الزجاجية وتبيعها بسعر قليل جدا للسيدات اللواتي يحضّرن المونة (الجزيرة)

المغتربون وحقائب الدواء والحليب

من جهتهم، يتصل المغتربون والمسافرون أينما كانوا ليسألوا "المحتجزين في الوطن" كما يقول أحمد قبلان: ماذا ينقصهم من أولويات؟ ويشير إلى أنه في رحلة عمل إلى تركيا بقي يوما إضافيا واشترى حقيبة سفر ملأها بأدوية أساسية (للضغط والسكر والقلب ومسكنات وفيتامينات)، إضافة إلى أدوية طلبها أصدقاؤه وجيرانه، وحليب أطفال.

ويقول "كنا نأتي بالهدايا والحلويات الغريبة، أصبح همنا الوحيد تأمين أقل أسباب العيش والصحة"، ويختم "لولا المبادرات الفردية التي يقوم بها الأفراد في الوطن والخارج لكانت المعاناة أكبر بكثير".

المصدر : الجزيرة