إذن كتابي وتغليظ عقوبات.. تشريعات جديدة للزواج الثاني بمصر

لا يتوقع الدكتور أحمد عبد الله أن يجد هذا التشريع في حال إقراره قبولا لدى المجتمع، وحسب تقديره، سيلقى مصير التشريعات السابقة التي تفرض على المجتمع دون مشاركته في إعدادها

مخالفة التشريعات الجديدة للزواج الثاني بمصر في حال إقرارها تتضمن الحبس والغرامة (بيكسلز)

القاهرة- أعاد نبأ الزواج الثاني للاعب كمال الأجسام المصري ممدوح السبيعي المشهور باسم "بيغ رامي" الحديث عن مساع تشريعية لتقنين الزواج الثاني بمصر، حيث يسعى برلمانيون لتجريم الزواج الثاني دون موافقة الزوجة الأولى، وتغليظ تبعات هذا الزواج، وعقوبة من يقوم به دون علم الزوجة الأولى.

وخلال الأيام الماضية حفلت مواقع التواصل الاجتماعي بمصر بردود فعل متباينة تجاه صور زفاف السبيعي الفائز ببطولة "مستر أوليمبيا 2021" مع زوجته الثانية، والذي قالت وسائل إعلام مصرية إنه تم بسرية دون علم زوجته الأولى، قبل ظهور الصور المنشورة.

التفاعل والجدل والمتابعة الإعلامية للحدث تضمنت نقل موقع "هن" للمرأة والطفل التابع لصحيفة الوطن المصرية تصريحات لزوجة السبيعي الأولى مروة المغربي تعرب فيها عن صدمتها من نبأ الزواج الثاني لزوجها، وتؤكد عدم علمها بالأمر سابقا.

مساع برلمانية لتقنين الزواج الثاني في مصر (الجزيرة)

تجدد مساعي التقنين

وكانت وسائل إعلام محلية كشفت عن قيام البرلمان بدراسة تعديلات على مشروع قانون الأحوال الشخصية (لم تقر بعد) تتضمن فرض عقوبة الحبس لمدة لا تقل عن عام ولا تزيد على 3 أعوام، وغرامة تبدأ من 20 ألف جنيه (نحو 1275 دولارا) وتصل إلى 50 ألف جنيه (3185 دولارا) أو بإحدى العقوبتين لمن لا يخطر زوجته الأولى بزواجه الثاني.

لكن الجديد ما نشرته وسائل إعلام محلية مؤخرا عن تقديم الحكومة إلى مجلس النواب مشروع قانون لتنظيم عمل المأذونين يتضمن مادة تمنع المأذون من إتمام عقد الزواج الثاني إلا إذا أحضر الزوج إذنا كتابيا من زوجته الأولى، مع عقوبات رادعة لمن خالف هذا الشرط، سواء المأذون أو الزوج.

وفي هذا السياق، قالت البرلمانية أمل سلامة -في تصريحات إعلامية- إنها اقترحت كتابة ربع ثروة الزوج لزوجته الأولى في حال تطليقها إن تخطت فترة زواجهما 20 عاما، إلا أنه لم يلق قبولا من الأزهر والجهات المعنية، وتمت الاستعاضة عنه بأحقية الزوجة في رفع قضية نفقة على الزوج بعدد سنوات الزواج، بواقع ألفي جنيه عن كل سنة.

وعلى خلفية هذا الجدل انتقد نقيب المأذونين إسلام عامر -في مداخلة هاتفية بأحد البرامج التلفزيونية- المساعي التشريعية لتغليظ عقوبة الزواج دون علم الزوجة الأولى، مبررا ذلك بأنه سيفتح الباب أمام الإقبال على الزواج العرفي.

لكنه في الوقت ذاته أكد على أن إخطار الزوج زوجته الأولى بزواجه الثاني "أمر وجوبي.. لكن لا يستأذنها للزواج بزوجة ثانية"، لافتا إلى أن العقوبة المطبقة على الزوج في حال إخبار المأذون معلومات خاطئة عن زوجته الأولى هي غرامة تقدر بـ200 جنيه فقط.

تقنين ضروري

الأمر في تقدير قطاع من المعنيين بقضايا المرأة والمجتمع يتطلب تعديلات قانونية تحفظ الحقوق وتنظم الزواج الثاني، في ظل ما يرونه من تداعيات سلبية ناتجة عن استغلال خاطئ لهذا الحق.

من جهتها، تدعم الباحثة الاجتماعية والناشطة النسوية مروة المصري أي تشريع يساعد في ضبط فوضى لجوء الرجل للزواج الثاني، منطلقة من تصورها بأن منظومة الزواج في مصر تعاني من إشكاليات عميقة سببها عدم تأهيل الطرفين له.

وترى المصري في حديثها للجزيرة نت أن الكثير من الرجال يفشلون من الأساس في إقامة بيتهم الأول وتأسيس حياة زوجية مستقرة، ومن ثم ليس من المنطقي تجاهل سعيهم إلى بيت ثان من البديهي أن يلقى مصير الأول، مشيرة إلى أنها تدعم الدعوة إلى ضرورة حصول الزوجين على رخصة قبل السماح لهما بالارتباط.

وتلفت المصري إلى أنه حسب متابعاتها فإن نسب الزواج الثاني ليست كبيرة، وإنما المشكلة في أن الاتجاه إليه بات أقرب إلى "الموضة"، وأن الدافع في أغلب الأحيان ينطلق من فشل العلاقة الأولى، ولذلك لا بد من الضبط لحفظ حق الزوجة الأولى.

وتتوقع مروة أن يدفع هذا القانون في حال إقراره للحد من أعداد الزيجات الثانية، لأن هذه الشروط بطبيعة الحال ستجعل الأمر ليس سهلا، ومن ثم فإن الرجال الذين كانوا يلجؤون للزواج مرة ثانية دون دوافع حقيقية سيفكرون أكثر من مرة قبل اتخاذ القرار.

وترى أن ذلك سيكون في مصلحة الزوجتين في حال تم الزواج الثاني، لأن الرجل سيكون مدركا ما هو مقبل عليه، والذي قوامه الأساسي عدم ضياع حق المرأة التي تحت جناحه، سواء الزوجة الأولى أم الثانية.

حق الزوجتين الأولى والثانية

وفي هذا السياق، ترى أميمة أبو بكر نائبة رئيس مجلس أمناء مؤسسة "المرأة والذاكرة" في مصر أستاذة الأدب المقارن بجامعة القاهرة أن ممارسة الرجل حق الزواج الثاني في حاجة لتعديلات وضوابط قانونية لتنظيمه ومراقبته، بهدف حفظ حقوق وكرامة كل من الزوجتين، الأولى والثانية.

وأيدت أبو بكر في حديثها للجزيرة نت اشتراط موافقة الزوجة الأولى على الزواج الثاني، أو الاستعاضة عن ذلك بموافقه القاضي بعد تقديم طلب من الزوج، ودراسة الحالة وظروفها ودواعيها، وقدرته على الإنفاق، مشيرة في هذا السياق إلى أن ذلك مطبق في المغرب، كما أن اشتراط موافقة الزوجة الأولى معمول به في إيران.

ولفتت أبو بكر إلى أن الهدف من التقنين المطلوب ليس تقييد الزواج الثاني أو تنظيمه، وإنما "محاربة الخديعة والكذب والغش وإهانة المرأة التي تصاحب هذه الممارسة حتى لو كانت حقا شرعيا"، مضيفة أن "الله سبحان وتعالى لا يريدنا تطبيق شرعه نظريا، وإنما مصحوبا بأخلاق حسنة قويمة".

ورأت أن مثل هذه التشريعات ستلقى مقاومة وعدم تقبل مجتمعي بسبب الاعتقاد أن فيها "تحريما للحلال"، ومن ثم فهي ترى ضرورة شرح الإجراءات بشكل صحيح للعامة، ليدركوا عدم معارضتها أحكام الشريعة، بل فيها إعانة على الحد من الظلم وتطبيق المبادئ والمثل العليا التي هي أساس مقاصد الشريعة.

أميمة أبو بكر: الزواج الثاني في حاجة لضبط قانوني لتنظيمه ومراقبته (الجزيرة)

وتأمل الباحثة المتخصصة في قضايا المرأة أن تساهم هذه الشروط في الحد من أعداد وفوضى الزواج الثاني والغش، والتأكيد على أهمية الأمانة ومبادئ القسط والعدل والمعروف والإحسان، مؤكدة على أن الهدف هو حفظ حقوق الزوجات، وترشيد استباحة حق الزواج الثاني دون ضابط أخلاقي وقانوني.

التقنين يفاقم الأزمة

بدوره، يرى الخبير الاجتماعي وأستاذ الطب النفسي أحمد عبد الله أن هناك أزمة حقيقية للزواج بشكل عام في مصر لها أسباب مختلفة، لكن السعي لمعالجتها عبر تشريعات قانونية لن يفيد، وإنما سيفاقم تلك الأزمة ويساعد في تعميقها.

وأوضح عبد الله في حديثه للجزيرة نت أن المفترض في الزواج وقضاياه المختلفة أن يكون معتمدا في الأساس على بعد فردي متمثل في يقظة الضمير وتوفر الوازع الداخلي والنضج الشخصي، وبعد اجتماعي يتمثل في الضبط المجتمعي، وتدخّل أطراف مؤهلين في حال الخلاف.

لكن تدخّل الدولة عبر القانون -حسب أستاذ الطب النفسي- لم يكن في مصلحة مشروع الزواج وعناصره على مدار الفترات الماضية، وإنما حوّله بعد أن كان قائما على العلاقة الإنسانية المعتمدة على الود والتراحم إلى ما يشبه الشركة القائمة على التعاقد.

أحمد عبد الله: السعي لمعالجة أزمة الزواج الثاني عبر التقنين يفاقمها (الجزيرة)

وأشار عبد الله إلى أن قطاعات من المجتمع المصري ترى في الزواج الثاني حلا لمشاكلها مع مشروع الزواج الأول، وهو بالتأكيد أمر غير صحيح، إلا أن معالجة ذلك بالمنع أو التقنين لن تحل المشكلة الأساسية التي لها أسباب نفسية ومجتمعية واقتصادية تحتاج إلى معالجة.

وأعاد الخبير الاجتماعي التأكيد على أن التشريعات القانونية لن تعالج الأزمة، مشيرا إلى أنه لو جرت دراسة للعلاقة بين هذه التشريعات والواقع في مصر فستظهر ارتفاع معدلات الطلاق والعزوف عن الزواج مع زيادة هذه التشريعات والتوسع فيها.

ولا يتوقع الدكتور أحمد عبد الله أن يجد هذا التشريع في حال إقراره قبولا لدى المجتمع، وإنما -حسب تقديره- سيلقى مصير التشريعات السابقة التي تفرض على المجتمع دون مشاركته في إعدادها، حيث سيسعى للتحايل عليها والبحث عن ثغرات تساعده في تجاوزها.

موازنة شرعية

وحول موافقة محتوى مشروع القانون مع الشريعة، يؤكد رئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة في ماليزيا رجب أبو مليح أنه من حق الزوجة قبل العقد أن تشترط على الزوج ألا يتزوج عليها، فإن تزوج فمن حقها طلب الطلاق، لكن ليس من حقها ولا غيرها تحريم شيء أباحه الله تعالى، وهو الزواج الثاني.

رجب أبو مليح: فرض قدر من مال الزوج لزوجته الأولى مال سحت (الجزيرة)

وبخصوص فرض ربع الثروة أو أي قدر من مال الزوج للزوجة سوى ما حددته الشريعة، يرى أبو مليح في حديثه للجزيرة نت أن ذلك "مال سحت حرام"، ليس لأحد فرضه أو القبول به، مشيرا في هذا السياق إلى حقوق المرأة الواجبة من مهر ونفقة وأجرة حضانة ورضاع وغيرها.

وأيد أبو مليح في حديثه ما ذهب إليه الخبير الاجتماعي أحمد عبد الله، من أن هذا التشريع "الذي ربما ظاهره الرحمة بالمرأة والانتصاف لها" سيؤدي إلى عزوف الشباب عن الزواج، وزيادة نسبة العنوسة وانتشار الزواج السري المعروف بالعرفي، وفتح الباب واسعا للتحايل والكذب وإخفاء العلاقات الزوجية، أو الدفع للعلاقات المحرمة.

المصدر : الجزيرة