هواية جديدة تبعد الشباب العراقي عن حياة الشوارع.. تعرف عليها

هواية الرصد الفلكي أثرت بشكل كبير على الحياة الاجتماعية من عدة نواح، إذ أصبحت متنفساً إيجابياً يخفف من وطأة الظروف المعيشية القاسية والمشاكل الاجتماعية

الراصد الفلكي حيدر ستار
هواية الرصد الفلكي تستهوي الشباب الحالم والفضولي وصاحب الخيال الواسع (الجزيرة)

بغداد- اتسع اهتمام الشباب العراقي بالعلوم الفضائية ورصد ومتابعة الأحداث الفلكية، وتطور إلى هواية التصوير الفلكي. وما بين الأجرام السماوية والكواكب السيارة تحوم أفئدة العديد من الشباب نحو سبر ألغاز الفضاء والعيش بين ذراته، في هواية تستقطب العديد من المهتمين يومياً.

تختلف أسباب اهتمام الشباب بالثقافة الفلكية، فمنهم من يعدها إحياء لمناقب قديمة اشتهرت بها حضارات بلاد ما بين النهرين.

الدكتور أحمد عبد الرزاق سلمان
سلمان: هناك علاقة تأريخية بين العراقيين والعلوم الفلكية تمتد من العصر الأكدي حتى عصرنا (الجزيرة)

علاقة تاريخية

يقول رئيس قسم الفلك في كلية العلوم بجامعة بغداد الدكتور أحمد عبد الرزاق سلمان "هناك علاقة تأريخية بين المجتمع العراقي والعلوم الفلكية تمتد من العصر الأكدي حتى العصر الحديث، وهناك مؤشرات عن اعتماد البابليين النظر لرصد حركة الشمس والقمر والكواكب لفترات طويلة امتدت لعقود، وفي بعض الأحيان مئات السنين، للوصول الى استنتاجات دقيقة حول مواعيد ظهور واختفاء الأجسام الفلكية وتوقع حركتها ومسارها في السماء، حيث أُكتشف العديد من الرقم الطينية التي تبين تلك المراحل المدهشة في قدمها ومدى دقتها".

ويذكر أن العراقيين القدماء أولعوا بحركة القمر تحديداً، وتمكنوا من توقع مواقيت خسوف القمر وكسوف الشمس، فالزقورات البابلية (جمع زقورة وهي معابد مدرجة) كانت معابد للقمر واكتشف مؤخراً أنها كانت أشبه بمعاهد علمية لدراسة حركة القمر وغيرها مما يظهر في الأفلاك أيضاً.

وبحسب الدكتور سلمان فإن العصور الإسلامية ساهمت بهذا التطور حيث تم بناء مراصد فلكية وتسجيل وتوثيق مفصل لحركة العديد من الأجسام الفلكية واختراع المزولة الشمسية والإسطرلاب النجمي وآلات فلكية كثيرة غيرها، إضافة لإنشاء مرصد الشماسية ببغداد بدايات العصر العباسي، وهو من أولى المراصد الفلكية في التأريخ، وبالتالي فهناك ما يشبه الشيفرة الجينية التي تثير اهتمام العراقيين بالعلوم الفلكية.

هواية الرصد الفلكي

ويعتقد المصور الفلكي علي عباس أن هناك عدة مميزات لهذه الهواية كقضائها على الملل، إضافة لرغبة الشباب بالهروب من مشاكل الحياة إلى هدوء وجمال السماء.

وتجذب هذه الهواية في الغالب الشباب الحالم والفضولي وصاحب الخيال الواسع -يتابع عباس- لارتباطها بالتأمل، إضافة لما تعلمه عن الكون، ويراها العديد من الشباب بديلا عن الهوايات الشعبية الأخرى التي تسبب مشاكل اجتماعية الوقت الحالي.

ويؤكد عباس أن كثرة مستخدمي الإنترنيت وفرت بيئة خصبة لهواة الفلك لما يوفره من مقاطع فيديو ومراجع إرشادية فلكية، إضافة لما تقدمه مواقع التواصل الاجتماعي المتخصصة.

وتعتبر صفحة تلسكوب العراق من أكبر صفحات الفلك في البلد، ويرجع لها الفضل في إدخال العديد من أدوات الرصد الحديثة. ويؤكد مدير الصفحة الراصد والمصور الفلكي حيدر ستار سعيه لتوفير المعلومات وتبسيطها والمساهمة بنشر الاكتشافات الفضائية الجديدة والغريبة، ومواكبة كافة المستجدات وشرح النظريات الفلكية بأسلوب شائق يجعلها سهلة للفهم وممتعة للقارئ.

ويشير إلى أن صفحته توفر أيضاً وسائل الرصد الفلكي، وتعمل على تعليم مقتنيها كيفية استخدامها في الرصد الفضائي، إضافة إلى القيام برحلات وتجمعات ترسخ المفاهيم الفلكية وتعرف بأماكن النجوم والكواكب بما يؤدي لجيل شبابي طموح في المجال الفلكي وبعيد عن الأحداث السلبية التي تمر بالبلد.

ويقول الدكتور سلمان إن قسم الفلك والفضاء يمثل الجهة الوحيدة في العراق المختصة بدراسة علوم الفلك وتكنولوجيا الفضاء، ويسعى حالياً لإنشاء مرصد كلية العلوم بجامعة بغداد ليكون نواة لمرصد فلكي عراقي له دوره العلمي محلياً وإقليميا.

وأضاف للجزيرة نت أن قسم الفلك حقق العديد من الإنجازات خلال العام الماضي كالانضمام الى الاتحاد الدولي للفلك، ونشر عشرات البحوث العلمية التخصصية في مجلات عالمية رصينة، وإقامة دورات التدريب على استعمال التلسكوبات وطرق الرصد والتصوير الفلكي، إضافة لإصدار نشرة إلكترونية شهرية بهدف نشر الثقافة الفلكية الصحيحة اجتماعيا.

ويدعو سلمان المسؤولين لزيادة الاهتمام بعلوم الفلك وتكنولوجيا الفضاء باعتباره أهم دلالات التقدم العلمي وإحدى دعامات المستوى الحضاري للدول، كما دعا لزيادة الاهتمام بالخريجين في هذا التخصص، وإتاحة سوق عمل مناسب من خلال المشاريع المقترحة كبناء المدن والمراصد الفلكية.

الباحثة الاجتماعية العراقية سجى خالد (المصدر: مراسل الجزيرة مهند فارس)
سجى خالد: هواية مراقبة الفلك تؤثر إيجابا على الراحة النفسية والطمأنينة والقدرة على التأمل (الجزيرة)

تأثير مجتمعي

ويعتقد الدكتور سلمان أن اهتمام الفئات الناشئة بالعلوم الفلكية ينمي من المستوى العلمي للمجتمع ككل حيث وجدت بعض الدراسات أن تعليم الأطفال تحت سن الـ 12، أوليات مبسطة حول علم الفلك، يزيد من ذكائهم وينمي مستوياتهم الدراسية في الرياضيات والفيزياء والكيمياء، ولذلك تخصص الكثير من الدول المتقدمة ميزانيات كبيرة لتأسيس القبب الفلكية، كما سيضمن هذا الاهتمام التفريق بين العلوم الفلكية الطبيعية والخرافات التي توحي بأنها ضمن العلوم الفلكية.

وترى الباحثة الاجتماعية سجى خالد أن هواية الرصد الفلكي أثرت بشكل كبير على الحياة الاجتماعية من عدة نواح، إذ أصبحت متنفساً إيجابياً يخفف من وطأة الظروف المعيشية القاسية والمشاكل الاجتماعية، كما تسهم في زيادة وعي الشباب والارتقاء بأفكارهم نتيجة الصبر في مراقبة الأجرام الفضائية وابتعادهم عن صخب باقي الهوايات.

وتشير إلى أن "الدراسات الحديثة تكشف أن هذه الهواية تؤثر على الراحة النفسية والطمأنينة والقدرة على التأمل، ومن ثم تأثيرها على ثقة الإنسان بنفسه وإبعاده عن عوامل الخطر التي تملأ شوارع البلد كالعنف والمخدرات، وبالتالي إنشاء أجيال فاعلة وناشطة اجتماعيا. وتنصح الباحثة بالاهتمام بهذه الهواية، كما تدعو محدودي القدرات المالية إلى الخروج إلى شرف وسطوح المنازل للاستمتاع بهدوء السماء.

المصدر : الجزيرة