هل تستغرق ساعات لاتخاذ أبسط القرارات؟ تعرف على تأثير "قلق فومو"

فومو هو الخوف من فوات الأشياء، وهو أيضا الخوف من عدم اتخاذ الخيار الأفضل (بيكسلز)

هل يستغرق الأمر منك ساعات لتتخذ أبسط القرارات؟ في التسوق مثلا، تلف بين عشرات المحال والمواقع الإلكترونية، ورغم أن هناك قطع ملابس أعجبتك بالفعل، لكنك لا تستطيع أن تقرر أيها تشتري، والأمر يزداد صعوبة مع القرارات الأكثر مصيرية مثل تغيير الوظيفة، والارتباط، والسفر. إذا كنت تملك هذا الشعور، فربما أنت مصاب بفوبيا أو رهاب "فومو".

"فومو" (FOMO) هو اختصار للمصطلح الإنجليزي (Fear of Missing out) أو "الخوف من فوات الأشياء"، وهو أيضا الخوف من عدم اتخاذ الخيار الأفضل. ورغم أن هذا القلق الاجتماعي منتشر بالفعل كونه مرتبطا بالخوف من اتخاذ قرارات خاطئة والندم عليها فيما بعد، فإن انتشاره ازداد مع الانتشار الواسع لاستخدام الشبكات الاجتماعية.

الخوف من فوات الأشياء

يعرف علماء النفس هذا الخوف على أنه حالة تدفع الشخص إلى أن يكون على اتصال دائم مع ما يفعله الآخرون، خشية أن يفوته حدث لا يشارك فيه -وقد عضّد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي من هذه الرغبة- أو القلق من تفويت فرصة للتفاعل الاجتماعي أو تجربة جديدة أو استثمار مربح أو حتى فقد علاقة اجتماعية، وبشكل عام يرتبط هذا الخوف بفقدان شيء أفضل يحدث من دونك.

يرتبط هذا القلق أيضا بالخوف من الندم، وأن قرار عدم المشاركة هو اختيار خاطئ، وتؤكد هذه الحالة بأن الشعور بالارتباط أو الترابط مع الآخرين هو حاجة نفسية مشروعة تؤثر على الصحة النفسية للأشخاص.

وقد ربطت أستاذة الدراسات الاجتماعية للعلوم والتكنولوجيا في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا شيري توركل هذا النوع من القلق بالأشخاص الأصغر سنا مثل المراهقين والشباب في بداية عمرهم، إذ قالت "إن المراهقين يعتقدون أنهم بحاجة إلى أن يكونوا متاحين على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع لأصدقائهم، لأنه قد يتم هجر شخص ما أو الدخول في جدال مع والديهم. وهم بحاجة إلى إرضاء وعزاء فوريين. لا أحد يستطيع الانتظار بعد الآن، ليس لأنهم لا يستطيعون، ولكن لأنهم ليسوا مضطرين لذلك في ظل الفرص التي توفرها الشبكات الاجتماعية".

الخوف من فوات الأشياء حالة تدفع الشخص إلى أن يكون على اتصال دائم مع ما يفعله الآخرون خشية أن تفوته الأحداث (بيكسلز)

 

تأثير "فومو" على صحتنا النفسية

أجرى العلماء في جامعة كارلتون وجامعة ماكجيل الكنديتين دراسة حديثة لبحث الأساس الاجتماعي والنفسي لقلق "فومو" بدراسة آثاره على طلاب السنة الأولى بالجامعة، وتوقعوا أنه سيرتبط بمجموعة من النتائج السلبية المتعلقة بالتوتر والعاطفة السلبية، بالإضافة إلى احتمالية تأثير ذلك على النوم وشعورهم بالإرهاق والتعب المستمرين.

في المقام الأول، أراد الباحثون معرفة متى يحدث هذا الشعور بالقلق، وراقبوا سلوك الطلاب في التعامل مع هواتفهم الذكية يوميا لمدة 7 أيام، وكانوا يتلقون أيضا 5 تنبيهات على مدار اليوم من الباحثين مع رابط استطلاع رأي يسألهم عن شعورهم الحالي، وفي نهاية الأسبوع، طُلب من الطلاب إكمال استبيان يركز على الرفاهية والرضا عن الحياة.

أظهرت النتائج أن قلق "فومو" كان شعورا حاضرا على مدار اليوم لدى المشاركين، الذين بدت سلوكياتهم أشبه بالتزامات شخصية، بما في ذلك الدراسة أو العمل، وغالبا ما عانى هؤلاء من التعب والتوتر ومشاكل النوم.

بعد ذلك أراد الباحثون معرفة كيف تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورا في ظهور قلق فومو، وهنا طلبوا من المشاركين الاختيار بين نشاط كان كل شخص قد خطط للقيام به في ذلك المساء، ونشاط بديل مشابه صممه الباحثون، وخُير المشاركون بين النشاطين، ورجحت الكفة غالبا تجاه النشاط المخطط له.

لكن الباحثين حرصوا على إظهار ميزات النشاط المختار مقابل النشاط المخطط له، وهنا ظهرت مشاعر سلبية ومشاعر تشتت الانتباه لدى بعض المشاركين. وتوصل الباحثون إلى أن هذا الخوف ارتبط بفقدان الشخص المشاركة في حدث سواء كان سمع به من شخص آخر أو عرفه عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، فالأمران أنتجا القدر نفسه من القلق والتوتر حتى عندما كان النشاط المختار ممتعا.

مصطلح فومو استخدم لأول مرة في بداية هذا القرن (بيكسلز)

التخلص من القلق

تسمية مصطلح فومو حديث نسبيا، إذ استخدم لأول مرة في بداية هذا القرن، حتى إن الكلمة وجدت طريقها إلى قاموس "أكسفورد" في عام 2013 فقط، لذلك فجهود الباحثين لا تزال تسير على قدم وساق لاكتشاف هذا القلق وتأثيراته وطرق التخلص منه.

رغم ذلك يرى الباحثون أن الطريقة الأمثل لعكس الآثار السلبية لفومو أو تخفيفها تكمن في محاولة جمع تركيز الشخص على المكاسب الفورية لما يتم فعله في الوقت الحالي، وتشتيت تركيزه عن الخسائر المحتملة من الحدث الآخر الذي يفوته، وفق ما نصحت به مجلة "سيكولوجي توداي" (Psychology Today) الأميركية.

كما أن تنظيم علاقتنا بالشبكات الاجتماعية يشكل عاملا آخر للتخلص من قلق فومو، إذ قالت أستاذة الدراسات الاجتماعية توركل في مقال لموقع (Psych Central) المتخصص بمواضيع الصحة النفسية والعقلية "لدينا عدم نضج في علاقتنا مع التكنولوجيا، ولا تزال تتطور. أعتقد أن هذا يلخص المشكلة بإيجاز، علاقتنا بالتكنولوجيا لا تزال في مهدها، وما زلنا لا نعرف تماما كيف نتفاعل معها بوعي وشكل هادف".

وأضافت في هذا الصدد "احسبْ عدد المرات التي تتحقق فيها من بريدك الإلكتروني أو هاتفك الذكي بحثا عن الرسائل والتحديثات في اليوم، 10؟ 100؟ 1000 أو أكثر؟ قد تتفاجأ. التكنولوجيا التي نتحد معها والتي تعزز التوازن الاجتماعي والانسجام لن تتطلب مثل هذا السلوك الفاحص".

وشددت على علاقة الشباب بالتكنولوجيا، وضرورة الوعي بأنها ليست امتدادا طبيعيا لحياتهم الاجتماعية، وأن العلاقات الاجتماعية عليها لا تغني عن العلاقات الاجتماعية بأرض الواقع، وأنها ليست مرآة كاملة للواقع. وكما يبدو واضحا فإن اعتقاد توركل حول تطور ظاهرة فومو يشير بأصابع الاتهام أولا وقبل كل شيء إلى الشبكات الاجتماعية والتطور التكنولوجي والرغبة في مواكبة الصيحات والترندات الجديدة.

وتعتبر هنا أن الضغط النفسي والاجتماعي الذي يصل الشخص من خلال الشبكات الاجتماعية، فضلا عن التوقعات الشخصية من الفرد وتوقعات أهله ومحيطه الاجتماعي المتأثرة بالتطور التكنولوجي الحالي، غالبا ما تدور في إطار الرغبة في كسب المزيد من المال، أو الدخول في علاقات اجتماعية ودوائر معينة، وكسب فرص أفضل من المتاحة.

المصدر : مواقع إلكترونية