يخاطرون بحياتهم لنقل البضائع.. هكذا يلخص العتالة مآسي الفقر والموت على الحدود العراقية الإيرانية

العتالة في كردستان العراق
56 عتالا توفوا عام 2020 (منظمة الأمم والشعوب غير الممثلة)

يعيش العتالة -أو "الكولبر"- أوضاعا مأساوية على الحدود بين إيران وإقليم كردستان العراق، لكسب الرزق في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية بائسة. ووفقا لبيانات منظمات حقوقية، فقد توفي 56 منهم وأصيب 167 في عام 2020.

وفي تقرير نشرته صحيفة الإندبندنت (INDEPENDENT) البريطانية، يقول الكاتب محمد صالح بدرخان إن تهريب البضائع عبر الحدود العراقية الإيرانيّة أصبح مصدر دخل للآلاف ممن يُعرفون محليا باسم "الكولبر" (كول تعني باللغة الكردية: الظهر، والبر يعني: الحامل).

يحمل هؤلاء العتالون على ظهورهم بضائع يتراوح وزنها ما بين 25 و120 كيلوغراما، ويعبرون بها تضاريس حدودية جبلية خطيرة وملغومة.

يشترون المنتجات الإلكترونية والسجائر والأقمشة من أربيل ومناطق أخرى في إقليم كردستان العراق، ثمّ يسلّمونها إلى التجار في نقاط تجمع داخل إيران.

بعد أن ينقل العتال حمولته لمدة تتراوح بين 10 و12 ساعة، يتقاضى عمولة تتراوح بين 7 و12 دولارا. ويضيف الكاتب أن المهمة تصبح أكثر صعوبة خلال أشهر الشتاء، حيث يعبر العتالة ممرات جبلية تكسوها الثلوج إلى ارتفاع يبلغ المتر، ويخاطرون بحياتهم وسلامتهم من أجل نقل البضائع.

وتتراوح أعمار هؤلاء -كما يذكر الكاتب- بين 15 و75 عاما، والكثير منهم يحملون شهادات جامعية في الطب والهندسة، وقد دفعتهم الأوضاع الاقتصادية الصعبة والبطالة إلى القيام بهذا العمل الشاق لكسب الرزق.

خطورة الوضع

في هذا الشأن، يقول رئيس مركز "هنكاو" لحقوق الإنسان في إيران أرسلان ياراحمدي إنهم يرصدون وفيات وإصابات في صفوف العتالين على الحدود العراقية الإيرانيّة بشكل أسبوعي.

وأشار ياراحمدي إلى أن 56 عتالا لقوا حتفهم على الحدود خلال الـ12 شهرا الماضية، بينهم 45 قُتلوا برصاص حرس الحدود، و4 بحوادث سيارات، و7 بسبب الطقس البارد، بالإضافة إلى قرابة 170 جريحا ومصابا.

وترى منسقة "شبكة كردستان لحقوق الإنسان" ليلى حسنبور أن ظاهرة العتالة تعبّر عن مشكلة اقتصادية وسياسية وأمنية. وتقول في هذا السياق "نحن نراقب المنطقة ونتعقب هذه الطريق من خلال أنشطتنا. هناك أزمة اقتصادية حادة في المنطقة. ليست هناك صناعة أو زراعة أو سياحة في هذه القرى التي يعملون فيها. يضطر سكان المنطقة إما للانتقال إلى المدن الإيرانية المتطورة، أو العمل بهذه المهنة".

وتتابع "طالما أن إيران تتعامل مع هذه المسألة من منظور أمني، فلن يتوقّف موت العتالة على الطرقات. إذا تم اتخاذ تدابير لحل المشكل، وتحسن الوضع الاقتصادي لسكان المنطقة، فسيختفون نهائيا".

ويقول عالم الاجتماع التركي حميد رزابور لصحيفة الإندبندنت في نسختها التركية إن مهنة العتالة ظهرت بسبب الأزمة الاقتصادية، ويؤكد أنه "لا توجد مصانع في المنطقة ليعمل فيها الناس. هناك مدرسون وأطباء ومهندسون عاطلون عن العمل بين هؤلاء العتالة، بالإضافة إلى أطفال دون سن 18 عاما وأشخاص فوق سنّ 70. يرى البعض أن العتالة مهنة، لكنها للأسف مشكلة اجتماعية، وهي ظاهرة يتم التعامل معها كأمر واقع".

قصص مؤلمة

من بين القصص المؤلمة التي ينقلها الكاتب عن هؤلاء العتالة، قصة نادر محمدي، وهو شاب يبلغ من العمر 33 عاما، بدأ العمل منذ أن كان طفلا. يقول محمدي إنه أصيب برصاصة في ظهره أطلقها عليه حرس الحدود في منطقة سردشت عام 2013، وإنه خضع لـ3 عمليات جراحية منذ ذلك الحين دفع إخوته تكاليفها.

ويؤكد محمدي أن العديد من العتالة أصيبوا بالشلل بسبب رصاص حرس الحدود، وأصبح العديد منهم مقعدين على كراسي متحركة، ويضيف "أنا محظوظ لأنني ما زلت على قيد الحياة، ونجوت بفضل بعض العمليات الجراحية. ربما ألتحق بالعتالة مرة أخرى".

ويقول شاهوان ميريفاني -وهو شاب آخر يبلغ من العمر 37 عاما، ويعمل في حمل البضائع على الحدود منذ 7 سنوات- إن فرصة العودة سالمين إلى ديارهم لا تتجاوز 30%، بسبب الألغام وحرس الحدود والتضاريس الصعبة.

ويضيف "نتنقل أحيانا في قوافل تضمّ ألف شخص على الأقل، وأحيانا أخرى في مجموعات تضمّ 300 أو 400 فرد. نواجه خطر التجمد أو التعرض للانهيارات الثلجية في الشتاء. لقد مررت بهذه التجربة عدة مرات".

ويروي ميريفاني إحدى القصص التي حصلت العام الماضي، قائلا "كان الشقيقان آزاد وفرهاد -وكلاهما تحت 18 عاما- يعملان معي في قافلة العتالة في ليلة مظلمة حالكة. كنا نرتدي ملابس مناسبة، لكن لم يكن آزاد وفرهاد قادرين على شراء الملابس الشتوية والقفازات والجوارب. وفي لحظة اختفى الشقيقان ولم نتمكن من العثور عليهما. لقد دفنا تحت الثلج.. كانت تلك أطول ليلة في حياتي".

المصدر : إندبندنت